صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أوّل الكلام: حقُّ الكبير

الشيخ بسّام محمّد حسين


يمرّ الإنسان في حياته بمراحل ثلاث أساسية: الطفولة والشباب والشيخوخة. وفي هذه المراحل يخرج الإنسان من ضعف الطفولة إلى قوّة الشباب، وينتهي بضعف الشيخوخة، وهي أرذل العمر.

وقد اعتنى الإسلام بالإنسان في المرحلة الأخيرة (الشيخوخة) اعتناءً خاصّاً، فبرُّ الوالدين وإن كان مطلوباً بشكل دائم، إلّا أنّ القرآن الكريم أكّد عليه في هذه المرحلة وشدّد على الاهتمام به، لحاجة الوالدين إلى الرعاية فيها: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (الإسراء: 23).

ولا يقتصر أمر الاحترام والعناية على الوالدين فقط، بل تؤكّد الروايات أنّ كبير السنّ له حقوق على الإنسان المسلم عليه أن يراعيها تجاهه، وهنا جاء في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام (1) بيان هذا الحق ضمن بنود: "وأما حق الكبير فإنّ حقّه":

1- "توقير سنّه": إنّ احترام الصغير للكبير من الآداب التي حثّت عليها الروايات الشريفة، فعن الإمام الصادق عليه السلام : "ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا"(2). وهذا الأدب من شأنه أن يتوارث في المجتمع؛ لذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "وقّروا كبارَكم يوقّرْكُم صغارُكم"(3).

2- "وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه": وذلك باحترامه لأجل إسلامه وتقديمه على هذا الأساس، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم"(4).

3- "وترك مقابلته عند الخصام": من مظاهر الاحترام والتقدير للكبير عدم مواجهته لو خاصمك، بل مداراته والصبر عليه.

4- "لا تسبقه إلى طريق ولا تؤمّه في طريق": فلا يسبق الصغير الكبير إذا مشيا معاً، ولا يمشي أمامه، لما في ذلك من استخفاف بشأنه، بل يمشي إلى جانبه أو خلفه تعظيماً لسنّه وشأنه.

5- "ولا تستجهله": بمعنى لا تتعامل معه كما يُتعامل مع الجاهل، بحيث تُشعره بأنّك أعلم منه، أو تخاطبه بأنّه جاهل.

6- "وإن جهل عليك تحمّلت": بمعنى لو قال ما فيه جهل تحمّلته، وعذرته لكبر سنّه.

7- "وأكرمته بحقّ إسلامه مع سنّه، فإنّما حقّ السنّ بقدر الإسلام، ولا قوّة إلا بالله": ثمّ يشير الإمام عليه السلام إلى الضابطة العامّة في التعامل معه، وهي إكرامه بحق إسلامه، فإنّ للمسلم حقّاً على المسلم، وقد انضم إلى حقّ الإسلام حقّ سنّه وتقدّمه في الإسلام.

وقد ورد في مواعظ الإمام زين العابدين عليه السلام للزهريّ قوله: "وإن عَرَض لك إبليس لعنه الله بأنّ لك فضلاً على أحدٍ من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبرَ منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خيرٌ منّي، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خيرٌ منّي، وإن كان تربَك(5) فقل: أنا على يقين من ذنبي، في شكٍّ من أمره، فما لي أدع يقيني لشكّي؟!"(6).

ما أحوجنا اليوم إلى ترسيخ ثقافة احترامنا لبعضنا بعضاً، على أساس الإسلام والأخلاق والآداب التي أرساها نبيُّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، في وقت طغت فيه قيم المادة وأخلاقها، وضعفت فيه التربية الدينية. نسأله تعالى أن يعجّل فرج الحجّة ابن الحسن  عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة، بحقّ محمّدٍ وآله الطاهرين.


1- الأمالي، الصدوق، ص456.
2- الكافي، الكليني، ج2، ص165.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص504.
4- الكافي، (م.س)، ج2، ص165.
5- أي من سنّك.
6- الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص52.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع