آية الله الشيخ عبّاس الكعبي
إنّ التوجه بالدعاء إلى الله تعالى، والطلب منه، والابتهال إليه، أمورٌ يحبُّها الله تعالى من عباده، وقد دعاهم إلى ذلك، ورتّب آثاراً على ذلك.
وتشتدّ الحاجة إلى الدعاء في زمن البلاءات والمصائب؛ فكيف لنا أن نقدّم الدعاء الأفضل والأمثل، وأن نتوجّه جميعاً إلى الله تعالى لكشف البلاء والغمّة عن هذه الأمّة في أيّامنا هذه؟
•الدعوة إلى الدعاء
قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر: 60). وقال عزّ وجلّ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ (الفرقان: 77). وقال عزّ من قائل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).
وقال جلَّ جلاله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 155 - 157).
•الدعاء أدب العبوديّة
تؤكّد الآية الأولى على حقيقة قرآنيّة ذات بُعدين:
1 - البُعد الأوّل: إنّ الدعاء -بمعنى قيام العبد الفقير بالطلب من الربّ الغنيّ القادر المتعال- هو أمر إلهيّ طلبه المولى من عباده.
2 - البُعد الثاني: إنّ مَن يستحقّ العذاب الأخرويّ هم المستكبرون، وكلّ من لا يطلب حوائجه من الله فهو من المستكبرين؛ وبالتالي يكون مستحقّاً للعقاب الإلهيّ.
فالله تبارك وتعالى لا يعبأ بعباده ولا يتوجّه إليهم إذا لم يدعوه ولم يطلبوا منه، يقول الله تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ (الفرقان: 77)؛ أي أنّكم كذّبتم بآيات الله، وهذا الأمر سوف يلازمكم ولن ينفصل عنكم.
وانطلاقاً من الآية الثالثة، وأنّ الله قريب، بل أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو وحده يجيب دعوة من دعاه، فلنتوجّه إليه تعالى، خصوصاً أثناء البلاء وعند الاضطرار الخارج عن إرادة الإنسان كما في حالة تفشّي الوباء كالكورونا مثلاً، أو حدوث الفيضانات والزلازل؛ فإنّ نزول البلاءات –التي تصيب طائفة من الناس تارةً، وتارةً أخرى تعمّ البشريّة أجمع –تكون طبقاً للسنن والقوانين والحكمة الإلهيّة، التي بدورها تسبّب نقصاً وخوفاً وتعطيلاً وركوداً في الأعمال والتجارة، ونقصاً في الأموال والأنفس. فعلى الرغم من التدابير المشدّدة والإجراءات الصحيّة اللازمة من قِبل الدول والشعوب ومدّعي القدرة والسلطة، ظهر عجز الإنسان في التغلّب على جرثومة صغيرة أُطلق عليها اسم فيروس كورونا.
•اعتقاد وعمل
في ظروفٍ كهذه، إنّ السعي للوصول إلى طريق الحلّ والتغلّب على الصعاب لإيجاد العلاج المناسب لفيروس كورونا يتطلّب:
أوّلاً: الصبر التوحيديّ، والذي هو مطلوب ومؤثّر حتماً، وهو يعني التوجّه إلى الله القادر المتعال، والاعتقاد بالمبدأ والمعاد، واليقين والتسليم والرضى بأمر الله تعالى.
ثانياً: الدعاء والرضى والتضرّع والتوجّه إلى محضر الحقّ تعالى بإظهار العجز والأنين وباستغفار وإنابة، وهذا أمر ضروريّ، فحيث يقع البلاء العامّ، فإنّ التضرّع والأنين في حضرة الربّ الواحد الأحد جلّ وعلا، وطلب العون والنصرة الإلهيّة في مواجهته هي علامة توحيد الله وإظهار للعبوديّة ولفقر الإنسان. والتضرّع ضرورة اعتقاديّة وأخلاقيّة، وليس مجرّد أمر مستحسن واستحباب شرعيّ وفقهيّ.
•العلاج الناجع
لا يخفى أنّ صلاة الآيات تجب عند وقوع بعض البلاءات أو الآيات المخوفة.لكن في بعض البلاءات الصعبة الأخرى كانتشار فيروس كورونا، حيث لم تجب صلاة الآيات، فينبغي لكلٍّ منّا -مضافاً إلى القيام بالواجبات الشرعيّة لأجل حفظ النفس والأمن من الضرر كاتّباع الإرشادات الصحيّة؛ من قبيل الحجر المنزليّ وعدم الاجتماع والاحتكاك بالآخرين لقطع انشار المرض، أو وجوب مراجعة الطبيب للمعالجة- أن لا يغفل عن الارتباط المعنويّ بالدعاء والتضرّع مع الاستغفار والتوبة والتوسّل وقراءة زيارة عاشوراء وتوجّه القلوب إلى حضرة بقيّة الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ فممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الأمور تزيل العُقَد الصعبة، والمدد الإلهيّ يسهل الطريق لهزيمة الكورونا، وما هو أعظم منها.
•عدم اجتماع الأجساد لا يعني عدم اجتماع القلوب
لطالما كان التأكيد في الأحاديث الشريفة على ضرورة الاجتماع أثناء الدعاء والتضرّع إلى الربّ جلّ وعلا في البلاءات العامّة والمشاكل الاجتماعيّة الصعبة، وهي حتماً مؤثّرة جدّاً. في المقابل، وبّخ الله سبحانه وتعالى بشدّة العباد الذين لا يتضرّعون، مؤكّداً أنّ عدم التضرّع هو نتيجة لقسوة القلوب، يقول تعالى: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام: 43).
كذلك يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في نهج البلاغة: "ولو أنّ الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد وأصلح لهم كلّ فاسد"(1).
وفي السياق نفسه، روي عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "الدعاء يردّ البلاء النازل وما لم ينزل"(2). وعليه، يكون لجوؤنا إلى الله تعالى مجتمعين في البلاء العام هو الأصل في التضرّع، ولكن بما أنّ الاجتماع مضرّ في الأمراض المعدية كالكورونا، فيمكننا حينئذٍ القيام بوظيفتنا، وهي التضرّع والتوسّل، بالتوجّه إلى محضر الله تعالى بالأنين والتضرّع والدعاء مع الاستغفار والتوبة وخصوصاً في أشهر الله وأوقات الاستغفار والمناجاة.
ولا تجد أفضل من طلب المدد والنصرة الإلهيّة إذا كان مقروناً بتوجّه القلوب إلى حضرة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف عبر قراءة دعاء الفرج مثلاً: "إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء..."، كذلك قراءة دعاء: "يا من إذا تضايقت الأمور فتح لها باباً لم تذهب إليه الأوهام، فصلِّ على محمّد وآل محمّد وافتح لأموري المتضايقة باباً لم يذهب إليه وهم، برحمتك يا أرحم الراحمين".
على أمل أن يكون إظهار العجز والفقر إلى الله وتوجّه القلوب إلى حضرة الحجّة بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مؤثّراً في رفع البلاء ودفعه، وأن تصل مساعي مجتمع السلامة والأطبّاء والدول والشعوب إلى نتيجة من أجل رفع هذا الفيروس المنحوس ودفعه، وأن نهزم الكورونا بواسطة المدد الإلهيّ وجذب عناية حضرة وليّ الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
1.نهج البلاغة، الخطبة 178.
2.أصول الكافي، باب إنّ الدعاء يردّ البلاء النازل.