نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نحن والإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

تحقيق: فاطمة ديب حمزة
 

في الروايات البعيدة، تُرسمُ صورٌ عن مسار لحظة إنسانيّة حاسمة، لحظة تاريخيّة-ختاميّة، تقف فيها البشريّة أمام نفسها ومصيرها الموعود إلهيّاً، حينها، تتحكّم الحقائق التاريخيّة والعقائديّة والماديّة بعناصر هذا المشهد المهيب، لكنّ حقيقة واحدة ستكون الأقوى والأكثر حضوراً ورسوخاً، وهي: مواجهة الحقّ والباطل، وجهاً لوجه. هذا المشهد المركّب والمعقّد ليس خيالاً، أو سراباً، بل وعدٌ مبتوتٌ لا ريب فيه، يُجسّدُ فكرة الإيمان بمخلّص ينصر الحقّ، ويدرك المستضعف، ويحقّق العدل، إنّه الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. لذلك، فإنّ القضيّة المهدويّة تأتي في صلب المنظومة الدينيّة. وهي تشكّل بوصلة التوجّه العباديّ الإسلاميّ.

بهذه الطريقة والحقيقة، يحضر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عند منتظريه، وهذه عيّنة من مؤيّديه والعاملين على طريق التمهيد والالتحاق، ورسالة منهم إلى الإمام:

* تربية النفس.. طريق للتمهيد
تقول السيّدة "هلا"، وهي أمّ لخمسة أولاد: "إنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو بمثابة الماء للقلوب الظمأى والتوّاقة إلى الله".
وتضيف: "إنّ حضور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف في حياتنا أيقظ القلب من اليأس، وجعلنا منتظرين له آملين لقاءه. وفي هذا السبيل، أنا وأولادي الخمسة نواظب على أن لا يفوتنا موعد لصلاة الصبح، مهما كانت أحوالنا الصحيّة أو الظروف المناخيّة قاسية وصعبة، لأنّ تربية النفس على بذل الجهد، من أهمّ الخطوات في طريق التمهيد للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف".

* الأوّل القادم
أمّا "سميّة"، فهي شابّة عشرينيّة لا تخفي توقها إلى لقاء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف والسير في ركب قافلته، وهي التي تستحضره في كلّ دعاء ومناسبة، وفي كلّ لحظة ضعف وقوة، فهو بالنسبة إليها الأمل القادم لا محال، وهي تعلّق عليه الكثير من الآمال، وسؤالها الدائم: "متى ترانا ونراك؟".
تقول "سميّة": "لقد مررت بظروف صعبة وقاسية، جعلتني ضعيفة الإرادة والتحدّي، لكن مع كلّ صباح جديد، يبزغ معه آمل متجدّد في نفسي بأنّ العدل سيأتي يوماً، وهذا ما يشكّل ذخراً وذخيرة لي".

* العجل العجل في القيادة
يقول "غسّان"، الطالب العشرينيّ: "إنّنا نحن من نغيب عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وليس هو، فهو حاضر بيننا ومعنا، وهو أمامنا في الأوقات كلّها". ويضيف: "إنّ الدعاء بتعجيل الفرج هو التعبير الأكثر تفسيراً لكيفيّة ارتباطنا بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي نذكره في صلاتنا ودعائنا، وسلوكنا". مقابل هذا الحضور الوجدانيّ طلبنا من "غسّان" أن يستحضر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ويتوّجه إليه بكلمة. بدت على ملامح "غسّان" جدّيّة ونظرة أخرى، اعتدل وهمس: "نحن نسلّم عليك، ونناجيك، ونطلب منك بعض الحوائج، فنستشعر وجودك من خلال ألطافك الخفيّة، ونسألك حالك وأحوالك وألمك للمستضعفين، والعجل العجل في القيام والقيادة، وتحقيق العدالة في أصقاع الأرض كلّها".

* كرفيقٍ وقريب
تخبرنا السيّدة "صفاء"، أمّ لأربعة أولاد، أنّها تستحضر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من خلال الذكر الدائم له، على مدار الساعات والأيّام، وفي أعمالها وسلوكها، وهي بذلك تشعر به كرفيقٍ وقريبٍ ورقيب يبارك أعمالها ونواياها. تضيف "صفاء": "علّمتُ أولادي على التصدّق بشكلٍ يوميّ، بنيّة حفظ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وتعجيل الفرج... وهم يعلمون هذا الأمر ويؤمنون به، وهم يستعجلونه".
وتتوجّه "صفاء" بالدعاء المعهود للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، لتضع بين يديه رجاءً واحداً: "سيّدي، إنّنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك...".

* الارتباط بمشروعه دافعٌ لقوّتنا
لا يبوح فادي (27 عاماً) بسرٍّ عندما يقول: "ليس الارتباط بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف هو دافع نفسيّ وبناء للأمل فحسب، بل هو أعمق من ذلك؛ لأنّ الارتباط بدولة العدل والإصلاح كفيلٌ بأن يدفعنا إلى تحمّل المسؤوليّات في حياتنا: الالتزام بطاعة الله، الالتزام بالصلاة، الصدق، الأمانة، بذل الجهد في الإصلاح، جهاد النفس، معرفة العدوّ ومواجهته، الدفاع عن المظلومين، تأدية حقوق الناس، فلا أتصوّر أنّنا يمكن أن نتشرّف بخدمته عجل الله تعالى فرجه الشريف أو نصرته ونحن لم نُخضِع أنفسنا للتربية على ما يحتاج إليه مشروع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنّه يريد المؤمن القويّ الصابر البصير؛ لذلك علينا أن نبدأ من الآن بذلك".
ويطلق كلمةً حين استحضر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: "سيّدي، نحن سنعمل على التمهيد لظهورك حتّى آخر يوم من حياتنا، وأرجو منك القبول، ومن الله التسديد". ويخفي دمعةً تبوح بحرارة الشوق.

* الطريق إلى الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
وهكذا، يعبّر كلّ فرد عن طبيعة علاقته بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بطريقته الخاصّة، لأنّ ما يهمّ، هو إنشاء تلك العلاقة، علاقةٌ عناصر قوّتها استحضار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في حياتنا وسلوكنا وتربيتنا وتفكيرنا، فكيف نبني هذه العلاقة؟
حول هذا الموضوع، يقدّم لنا الباحث والكاتب الإسلاميّ الدكتور بلال نعيم عرضاً منهجيّاً بسيطاً وواضحاً، يبدأ بتأكيد أمرَين:
1- الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مفترض الطاعة، وقائد فعليّ للأمّة.
2- ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف حقيقة إلهيّة لا ريب فيها.
كما تحدّث عن طبيعة العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ومستوياتها، منطلقاً من فكرة محدودة ومغلوطة شائعة، تحصر الحديث عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والارتباط به، بعلامات الظهور، وأحداث ما قبل وما بعد الظهور، دون تقديم تفسير للمسألة المهدويّة بشكلها الكامل والتامّ، بالتالي لا ينهض بحالة المؤمنين كما يجب.

ثمّ يشرح د. نعيم طبيعة الارتباط بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي على شكلَين:
أوّلاً: الارتباط بمشروعه: أي الاطمئنان إلى أنّنا من أنصاره وأعوانه، وأنّنا نسير ضمن مشروعه ومؤسّساته والاتّجاه الذي يوصل إليه، وهذا لا يتمّ إلّا بالرجوع إلى الوليّ الفقيه. ويضيف د. نعيم: "إنّ من يطع الوليّ الفقيه، ويلتزم بأمره -بصفته نائباً للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف- يكن قد أطاع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، لأنّ من يطيع الوكيل لا شكّ في أنّه يطيع الأصيل".

ثانياً: التمهيد لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف بالعمل: ويشدّد د. نعيم على ضرورة أن يعتقد كلّ جيل من المؤمنين في زمن الغيبة بأنّ ظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف سينجز في حياته، وعليه أن يتصرّف وفقاً لذلك. وهو ما يتوقّف على:
أ- الاستعداد العامّ: معرفيّ، روحيّ، جهاديّ، إيمانيّ، جسديّ، مادّيّ.
ب- الارتباط الشخصيّ به عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* كيف نمتّن العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
يشدّد د. نعيم على أهميّة الارتباط الشخصيّ بالإمام وتمتين العلاقة به، من خلال استحضاره وذكره، والتماسه إحساساً، والشعور بأهميّته وآثاره على المستويات كلّها؛ لأنّه من الضروريّ أن يكون الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف حاضراً في حياتنا، لنكون بالتالي في محضره الروحيّ.

ويذكر د. نعيم أعمالاً عدّة للتقرّب إليه عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي: الأدعية، والزيارات، وقراءة القرآن، والأعمال العباديّة على أنواعها، والعديد من الممارسات الدينيّة، ولكن أهمّها:
1- الذكر الدائم للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ لأنّه يُسرّه، وكلّما كثر ذكره، قرُب حضوره منّا.
2- مساعدة الفقراء والمعوزين والمستضعفين والمظلومين.

* الجيل المهدويّ... مشروع ونهج
مضافاً إلى كلّ ما سبق، إنّ إنشاء العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تتحقّق أيضاً من خلال بناء جيل مهدويّ، يمتلك مشروعاً ونهجاً، وهذا الجيل يجب أن يتربّى على مبادئ عدّة، أهمّها:
1- التربية على ولاية الفقيه والارتباط بالمشروع المهدويّ.
2- البناء الثقافيّ، والفكريّ، والعقليّ، والاجتماعيّ بما يتناسب مع مشروع "المنتظر" الممتدّ إلى أطراف العالم.
3- المساهمة في بناء أسباب القوّة، بحيث يكون كلّ شخص مستعدّاً ومتسلّحاً، ثمّ يعمل الاستقطاب وإدخال الأفراد في هذا المشروع وتوسعته.

* طرق مختلفة... هدفٌ واحد
ما يقدّمه د. نعيم هنا، يتوافق وما استعرضه كلّ من (صفاء، غسّان، سميّة، هلا وفادي) في حديثهم عن الإمام والارتباط به، سواء من خلال تربية الأولاد على سلوكٍ يوميّ محدّد مرتبط بالإمام، أو من خلال الدعاء والمواظبة على ممارسة أعمال عباديّة معيّنة لتعجيل ظهوره، أو عبر الارتباط الروحيّ والإيمان بأمله وعدله وقسطه ونصرته، والجهوزيّة المعنويّة والمادية لمواجهة التحدّيات والصعوبات، فذلك كلّه يصبّ في مسار واحد نسعى إليه جميعاً، وهو تعجيل الظهور الشريف. فمتى نراك؟!

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع