فاطمة السيد قاسم
* واقع الأسرة مستقبلاً في ضوء مستقبل تكنولوجيا الإنجاب؟
أسئلة كثيرة تطالعنا علّنا نجد من خلالها جواباً في ما يختص أو ما يسمى بهندسة الوراثة أو هندسة الجينات (Genetic Engineening)
ما هي النتائج التي يمكن أن يبلغها هذا التدخل في الوراثة البشرية؟ ألا يؤدي هذا التدخل في حياة الإنسان ومفاهيمه الاجتماعية في ما يخص مفهوم الأسرة؟
فمن المعلوم أن القواعد المتبعة التقليدية المتعارف عليها بالنسبة للتكريبة العائلية تحمل في طياتها الحلول للكثير من مشكلات المجتمع. الغريزة الجنسية، النشاط الجني، وتربية الجيل، وتنمية الشعور بالاستقلالية الذاتية الثابتة للشخص. هذه التراكيب العائلية تعتبر أنها الأقرب إلى الوضع الطبيعي، إن رابطة الأم والطفل هي البيئة الأسرية الوحيد المنتشرة في أغلبية المجتمعات البشرية وما عدا ذلك من الارتباطات لا تكون أكثر من تكيفات بيئية.
لكن المكتشفات الجديدة في علوم الحياة في ما يتعلق بما يسمى عملية الاستنساخ البشرية تثير مسائل ومشكلات عديدة بالنسبة لقيمنا ومبادئنا. فوفق نبؤات المستقبل وبعد أن تمت عملية استنساخ للنعجة دوللي. فإنه قد يصبح بالإمكان أن ينتج الإنسان بيولوجياً صوراً بالكربون لنفسه فمن خلال عملية استنساخ أو ما يسمى الاستنساخ سيكون من المستطاع أن ننشئ نوية مأخوذة من خلية إنسان بالغ كائناً جديداً له نفس الصفات الوراثية للشخص الذي أخذت منه نوية الخلية. كل ذلك يمكن أن يحدث نتيجة التلاعب والتعامل مع الجينات Genes إن "النسخة Copie البشرية الناتجة سوف تبدأ الحياة بمواهب وراثية مطابقة لنفس المواهب الوراثية للشخص الذي وهبها. ولو أن بعض الفروق قد تدخل في ما بعد تعديلات على شخصية هذه النسخة أو نموها البدني.
هذه الاكتشافات كما قلنا سابقاً قد تؤدي إلى تفكك التكوين العائلي الحالي وتهدم أهم قوة من قوى الاستقرار في المجتمع تلك القوة هي الأسرة ودورها. هذه القوة لا بد لها من أن تتزحزح بفعل التغيير الذي تحدثه الثورة البيولوجية عامة، والثورة البيوهندسية خاصة. كيف لا، وكل ما يقوم به علماء التناسل من محاولات لجعل الخيالات حقائق. فعندما تنقل الأجنة من رحم إلى رحم أو عندما تذهب أم إلى معرض من معارض الأجنة Embroyoms لتختار من بين مجموعة من العلب الصغيرة الشبيهة بعلب بذور الأزهار طفلها المنشود، بعدها تمضي إلى الطبيب ليزرع لها الجنين لينمو ويخرج بشراً سوياً. فإننا نكون قد حطمنا بذلك تلك الحقيقة الثابتة منذ القدم. والقائلة بأن مدة الحمل هي تسعة أشهر. هنا يجب التساؤل حتماً.
ما هو مصير الأمومة؟ ماذا سيحدث له؟ بل ماذا سيحدث لصورة الأنثى في المجتمع التي أنشأتها منذ بداية وجود الإنسان على فكرة أن رسالتها الأساسية في الحياة هي حفظ وتنمية الجنس البشري؟ أسئلة لا بد من إثارتها ومحاولة التفكير في جواب لها. فالدكتور "هايمان" مدير قسم الأمراض العقلية والعصبية في مستشفى "البوليكلينيك" في نيويورك يرى: "إن دور الولادة تتبع لدى معظم النساء حاجة من أهم الحاجات الخلاقة.. ومعظم النساء تزيدهن القدرة على حمل الأطفال، وفي فنون آداب العالم كله تستطيع أن ترى بوضوح تلك الهالة التي تحيط بالمرأة بوجه عام في الشرق والغرب".
إن مصير الأمومة أثار الكثير من التفكير لدى بعض مقدسيها فيتساءل وايتزن قائلاً ماذا سيحدث لمقدسي الأمومة في حالة ما إذا كان وليد الأم ليس ابنها في الحقيقة، وإنما هو نتاج بويضة ذات خصائص وراثية أعلى زرعت تلك البويضة في رحمها بعد أخذها من رحم امرأة أخرى..؟ ماذا سيحدث عندما تربي الأجنة في معدات المختبرات البيولوجية؟
إن أهمية مستقبل النساء لن يكون بسبب قدرهن على الحمل والإنجاب وهذا معناه تهديم قدس الأمومة. ولن يقتصر فقط على هدم قدس الأمومة فحسب وإنما مفهوم الوالدية كله قد يتعرض لتعديل جذري.
وهل يكون الإنسان إنساناً إذا لم ينتج عن أبيه وتحمل به أمه؟ هل يكون "فرداً" إذا ما كانت هناك نسخ منه باقية؟
ماذا ستكون حياة طفل إذا ما قابل عشرين طفلاً طبق الأصل عنه؟ إن النظرة المستقبلية للحاضنات الحية تثير مسائل خاصة بها، هل للغير أن يستخدموا أجساد النساء كمركز رعاية ومزرعة نمو لمدة تسعة شهور قبل الولادة؟ هل تكون للنساء الحرية لإعارة أنفسهن لهذا الدور.
وهنا لا بد للمرء أن يطرح تساؤلاً هاماً وهو تساؤل يتعلق بالمشكلة الحقيقية بالنسبة للقانون والمجتمع في عصرنا الراهن، وهو إذا ما سيسمح أو ستعطى القدرة للعلوم البيولوجية والبحث لتنمية المعرفة التي تجعل من هذه "الهندسة الوراثية" شيئاً ممكناً. فالموضوع هو إذا كان ينبغي للعلماء ملاحقة هذا العلم بحرية أو إذا كان من واجب المجتمع أن يمنع أو يحد هذا البحث لمصلحة المجتمع البشرية لا لطالحه. إن التقدم التقني يقود الإنسان بالفعل إلى متاهة لا يدري منتهاها. والذي يعنينا أن شيطان التقدم في نطاق هندسة الوراثة، هو في أمسّ الحاجة إلى أن تمسك به قيم إنسانية، وتستطيع أن تعيده إلى معقله حيث ينبغي أن يعود.