الشيخ تامر محمد حمزة
صعصعة بن صوحان، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. في العدد الماضي عرضنا نبذة عن حياته وذكرنا ثناء أمير المؤمنين عليه السلام عليه في المهارة وفصاحة اللسان. في هذا العدد، نفرد مساحةً لمواقف صعصعة في نصرة الإمام عليّ عليه السلام ضدّ معاوية، الذي قال في حقّه ذات يوم: "هكذا فلتكن الرجال".
* معاوية كما يفهمه صعصعة
دخل جماعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام عليه بعد معركة الجمل وكان بينهم صعصعة بن صوحان، وقد شاورهم في أمر معاوية "فقال صعصعة: إنّ معاوية أترفه الهوى، وجيئت إليه الدنيا، فهانت عليه مصارع الرجال، وابتاع آخرته بدنياهم، فإنْ تعمل فيه برأي ترشد وتُصِبْ إن شاء الله. والتوفيق بالله وبرسوله وبك يا أمير المؤمنين.
والرأي أن ترسل له عيناً من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك، فإن أجابَ وأناب، كان له ما لك، وعليه ما عليك، وإلّا جاهدته وصبرت لقضاء الله حتّى يأتيك اليقين.
فقال عليّ عليه السلام: عزمت عليك يا صعصعة إلّا كتبتَ الكتاب بيدك وتوجّهت به إلى معاوية، واجعل صدر الكتاب تحذيراً وتخويفاً، وعجزه استتابة واستنابة، وليكن فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى معاوية السلام عليك..." فخرج صعصعة بالكتاب...
* هكذا فلتكن الرجال
ولمّا دخل على معاوية قال: السلام عليك يا بن أبي سفيان، هذا كتاب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال معاوية: أما أنّه لو كانت الرُسل تُقتل في الجاهلية أو الإسلام لقتلتك. ثمّ اعترضه معاوية في الكلام وأراد أن يستخرجه ليعرف قريحته أطبْعاً أم تكلّفاً، فجرى نقاش طويل بينهما عند سؤال معاوية له عن آبائه، فمدحهم وأطال حتّى قال معاوية: ويحك يا ابن صوحان فما تركت لهذا الحيّ من قريش مجداً ولا فخراً، قال: بلى والله، يا ابن أبي سفيان، لقد تركت لهم ما لا يصلح إلّا بهم، إلى أن قال: وهم منار الله في الأرض ونجومه في السماء، ففرح معاوية وظنّ أن كلامه يشمل قريشاً كلها، فقال: صدقت يا ابن صوحان إن ذلك كذلك، فعرف صعصعة ما أراد، فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد، بعدتم أُنف المرعى وعلوتم عن عذب الماء.
قال: فلمَ ذلك؟ ويلك يا ابن صوحان! قال: الويل لأهل النار، ذلك لبني هاشم، قال: قُم، فأخرَجوه.
فقال صعصعة: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، مَن أراد المشاجرة قبل المحاورة، فقال معاوية: لشيء ما سوّده (جعله سيّداً) قومه، وددت والله أنّي من صلبه، ثم التفت إلى بني أميّة فقال: هكذا فلتكن الرجال(1).
* يجاهر بالحقّ
عندما قدِم معاوية الكوفة دخل عليه رجال من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بينهم صعصعة. وكان الإمام الحسن عليه السلام قد أخذ الأمان لرجالٍ منهم مسمَّين بأسمائهم، وأسماء آبائهم وكان فيهم صعصعة. يقول العلّامة القرشي إنّ معاوية لم يفِ بعهده، فقد روّعه وأفزعه وأودعه في سجنه كما روّع غيره من الزعماء(2).
قال معاوية لصعصعة: "أما والله إنّي كنت لأبغض أن تدخل في أمان، قال له: وأنا والله أبغض أن أسمّيك بهذا الاسم، ثم سلّم عليه بالخلافة، فقال معاوية: إنْ كنتَ صادقاً فاصعد المنبر والعن علياً، قال: فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس أتيتكم من عند رجل قدَّم شرَّه وأخَّر خيْره وإنّه أمرني أن ألعنَ عليّاً فالعنوه لعنهُ الله، فضجّ المسجد "آمين". فلما رجع إليه أخبره بما قال: قال: لا والله ما عنيتَ غيري، ارجع حتى تسمّيه باسمه، فرجع وصعد المنبر وقال: أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين أمرني أن ألعن عليّ بن أبي طالب، فالعنوا من لعن عليّ بن أبي طالب، قال: فضجّوا بآمين، قال: فلمّا خبر معاوية قال: لا والله ما عنى غيري، أخرجوه، لا يساكِنُني في بلدٍ، فأخرجوه"(3).
* يذهب بحلم معاوية
دخل وفد من العراق على معاوية فيهم ابن حاتم الطائي والأحنف بن قيس وصعصعة، قال لهم معاوية: مرحباً بكم يا أهل العراق، قدمتم أرض الله المقدَّسة، أرض الأنبياء والرسل، منها المنشَر وإليها المحشر، قدِمتم على خيرِ أمير، يبرّكم ويرحم صغيركم ولو أنّ الناس كلّهم وُلد أبي سفيان لكانوا حلماء عقلاء، فأشار الوفد إلى صعصعة فقام، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: أمّا قولك يا معاوية إنّا قدمنا إلى الأرض المقدّسة، فلعمري ما الأرض تقدّس الناس، ولا يقدّس الناس إلّا أعمالهم، وأمّا قولك أرض الأنبياء والرسل، فمن بها من أهل النفاق والشرك والفراعنة والجبابرة أكثر من الأنبياء، وأما قولك إنّ منها المنشر وإليها المحشر، فلَعمري ما ينفع قُربها كافراً ولا يضرّ بعدها مؤمناً، أمّا قولك: "لو أنّ الناس كلّهم وُلد أبي سفيان لكانوا حلماء عقلاء"، فقد ولدهم من هو خير من أبي سفيان آدم عليه السلام فأولد الأحمق والمنافق والفاسق والمعتوه والمجنون، فقال له معاوية: لأجفينك عن الوساد ولأشردنّ بك في البلاد، فقال صعصعة [غير مكترث]: والله إنّ في الأرض لسعة، وإنّ في فراقك لدعة(4).
* لو زدت زدناك يا معاوية
قال معاوية في إحدى مناظراته مع صعصعة: يا صعصعة، والله إنّي هممت أن أحبس عطايا أهل العراق في هذه السنة، فقال صعصعة: والله يا معاوية لو رمت ذلك منهم لدهمك مئة ألف أمرد على مئة ألف أجرد وصيّروا بطنك ميادين لخيولهم، وقطّعوك بسيوفهم ورماحهم، قال: فامتلأ معاوية غيظاً، وأطرق طويلاً ثمّ رفع رأسه وقال: لقد أكرمنا الله حيث يقول لنبيّه: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ (الزخرف: 44) ونحن قومه، قال تعالى: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ... وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ (سورة قريش)، ونحن قريش، وقال تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين﴾ (الشعراء: 214)، ونحن عشيرته الأقربون، فقال صعصعة: على رَسلِك يا معاوية، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ (الأنعام: 66)، وأنتم قومه، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (الفرقان: 30)، ولو زدت زدناك يا معاوية، فأفحمه(5).
* مع عمرو بن العاص
دخل صعصعة على معاوية بحضور ابن العاص، وبعد حوار بينهما التفت معاوية إلى عمرو بن العاص وقال: أوسع لصعصعة ليجلس إلى جانبك، فقال عمرو: لا والله، لا أوسعت له على ترابيّته، فقال صعصعة: نعم والله يا عمرو، إنّي لترابيّ ومن عبيد "أبي تراب"، ولكنك مارج من نار، منها خُلقت، وإليها تعود، ومنها تبعث إنْ شاء الله(6).
(1) الأعلام من الصحابة والتابعين، الشاكري، ج2، ص95 و94.
(2) الإمام الحسن عليه السلام، القرشي، ص109.
(3) (م.ن).
(4) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج7، ص388.
(5) الإمام علي، الهمداني، ص761.
(6) العقد الفريد، الأصفهاني، ج3 ص355؛ موسوعة الإمام علي، الريشهري، ج12، ص172.