الشيخ تامر محمد حمزة
"خطيب شحشح". هذه اللفظة الغريبة أطلقها أمير المؤمنين عليه السلام على "صعصعة بن صوحان" ووضعها الشريف الرضيّ قدس سره في نهج البلاغة تحت عنوان (ومن كلامه المتضمّن ألفاظاً من الغريب يحتاج إلى تفسير). وقال ابن ابي الحديد في شرحه ما نصّه: قد جاء "الشحشح" بمعنى الغيور، و"الشحشح" بمعنى الشجاع، و"الشحشح" بمعنى المواظب على الشيء الملازم له. وهذه الكلمة قالها عليّ عليه السلام لصعصعة، وكفى صعصعة بها فخراً أن يكون مثل عليّ عليه السلام مَن يثني عليه بالمهارة وفصاحة اللسان(1).
* من هو؟
ولد صعصعة في بلدة دارين قرب القطيف. ذكره كثير من علماء السنّة كابن الأثير وابن سعد والنسائي وابن حبان وابن عساكر وابن حجر.
وأمّا في تراجم الشيعة فلا يخلو كتاب ترجمة من اسم صعصعة بن صوحان. ونقل السيد محسن الأمين عن أبي عمر أنّ صعصعة كان مسلماً على عهد رسول الله، لم يلقَه ولم يرَه.
كان صعصعة خطيباً بليغاً، له مع معاوية مواقف. شهد صفّين مع عليّ عليه السلام. ونفاه المغيرة بن شعبة من الكوفة إلى جزيرة أوال في البحرين بأمر من معاوية(2). وقال فيه ابن الأثير: كان سيداً من سادات قومه عبد القيس، وكان فصيحاً خطيباً لسِناً ديّناً فاضلاً يعدّ في أصحاب عليّ (رض). وقال عقيل لمعاوية في حديث: أمّا صعصعة فعظيم الشأن، عضب اللسان، قائد فرسان، قاتل أقران، يرتق ما فتق، ويفتق ما رتق، قليل النظير(3)، أخواه زيد وسيحان، وأولاده صوحان وعكرمة ومحمد(4). ويكنى أبا طلحة وأبا عمرو.
* في ساحات القتال
كان لصعصعة حضور ميدانيّ فاعل ومؤثّر بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام. شارك معه في أمّهات المعارك التي خاضها: صفّين، النهروان والجمل. ومن طرائف ما حصل في النهروان ما ذكره أبو أيوب الأنصاري من أنه قد علا عبدَ الله بن وهب الراسبي فضربه ضربة على كتفه فأبان يده وقال: بؤ بها إلى النار يا مارق، فقال عبد الله: ستعلم أيّنا أولى بها صليّاً، فقال أبو أيوب: وأبيك إنّي لأعلم. وأقبل صعصعة فوقف وقال: أولى بها صليّاً من ضلّ من الدنيا عميّاً وصار إلى الآخرة شقيّاً. أبعدك الله وأترحك(5).
وأمّا في النهروان، فقد كان رسولَ عليّ عليه السلام إلى الخوارج، وقد قالوا له: أرأيت لو كان عليّ معنا في موضعنا، أتكون معنا؟ قال: نعم، قالوا: فأنت إذاً مقلدٌ عليّاً دينك، ارجع فلا دين لك، فقال لهم صعصعة: ويلكم، ألا أقلّد من قلّد الله فأحسن التقليد، فاضطلع بأمر الله صدّيقاً لم يزل؟ أولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتدّت الحرب قدّمه في لهَواتها فيطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهَبها بجدّه؟ إلى أن قال: فأين تُصرفون؟ وأين تذهبون وإلى مَن ترغبون؟ وعمّن تَصدفون؟ عن القمر الباهر، والسراج الزاهر، وصراط الله المستقيم، وسبيل الله المقيم؟ قاتَلكم الله أنّى تؤفكون(6)... طاشت عقولكم، وغارت حلومكم، وشاهت وجوهكم، لقد علوتم القلّة من الجبل، وباعدتم العلّة من النهل(7)...
أمّا معركة الجمل، فقد شهدها هو وأخواه "زيد" و"سيحان" ابنا "صوحان". وكانت الراية يومها في يده، فقُتل فأخذها "زيد" فقُتل فأخذها صعصعة.
* على لسان الأئمة عليهم السلام
فاز صعصعة بمكانة محمودة بين الأئمّة عليهم السلام. وهذا يكشف عن إخلاصه في ولائه وصفائه في مودّته لأمير المؤمنين عليه السلام. وقد ذكره الإمام الباقر عليه السلام؛ إذ كرّم رجلاً حينما عرّف عن نفسه بأنّه ابن عم صعصعة؛ فقد روي عن "رقبة بن مصقلة" قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فسألته عن أشياء، فقال: إنّي أراك من يفتي في مسجد العراق، قلت: نعم، فقال لي: من أنت؟ فقلت: ابن عم صعصعة، فقال: مرحباً بك يا بن عم صعصعة، فقلت: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقال.... فلما خرجت من عنده قمت على عتبة الباب فقال لي: أقبل يا بن عم صعصعة فأقبلت عليه(8)...
* صعصعة وبيعة علي عليه السلام للخلافة
بعد أن انقادت الخلافة إلى صاحبها عليه السلام وقف صعصعة خطيباً قائلاً: والله يا أمير المؤمنين: لقد زيّنْتَ الخلافة وما زانتك ورفعتَها وما رفعَتك ولهيَ إليك أحوج منك إليها(9). وذات يوم سأل المغيرة بن شعبة صعصعة عن عليّ عليه السلام فقال له: وليّ، تقيّ، جواد، حييّ، حليم، وفيّ، كريم، مانع بسيفه، جواد بكفّه، وري زنده، كثير رفده الذي هو من ضئضئ أشراف أمجاد ليوث أنجاد، ليس بإقعاد ولا أنكاد، ليس في أمره ولا في قوله فند، ليس بالطايش النزق ولا بالرايث المذق، كريم الأبناء، شريف الآباء، حسن البلاء، ثاقب السناء، مجرب مشهور، وشجاع مذكور، زاهد في الدنيا، راغب في الأخرى(10).
* يعود عليّاً
جاء صعصعة لعيادة أمير المؤمنين عليه السلام بعدما ضربه ابن ملجم لعنه الله فقال للآذن: قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فلقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً، فأبلغه الآذن إليه، فقال عليه السلام: قل له: وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة(11).
صعصعة يؤبّن أمير المؤمنين عليه السلام
لمّا ألحد أمير المؤمنين عليه السلام وقف صعصعة على قبره ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى أخذ بها التراب يضرب رأسه، ثم قال: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين.. هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك وقوي صبرك وعظم جهادك، وظفرت برأيك وربحت تجارتك، وقدمت إلى خالقك فتلقّاك ببشارته وحفّتك ملائكته واستقررت في جوار المصطفى(12)...
(1) شرح النهج، ابن أبي الحديد، ج4، ص355.
(2) شرح الأخبار، النعمان المغربي، ج2 هامش ص53.
(3) الغدير، الأميني، ج9، ص43.
(4) مستدركات علم الرجال الحديث، الشاهرودي،ج4 ص259.
(5) نهج السعادة، الشيخ محمد باقر المحمودي، ج2، ص