السيد سامي خضرا
لا يستقيم إيمان المرء إلا بالسعي لاكتساب صفات حميدة دعا إليها الإسلام، ومن جملتها:
1- السعي للتحلي بمكارم الأخلاق، وهذا من الأدب المحبوب في الإسلام وهو يحتاج إلى جهد وعمل حثيثين، طوال العمر... وهنيئاً لمن يستمر، فيغلب هواه، ويطيع أمر مولاه. فكيف يكون المؤمن مؤمناً... وهو فاقد لصفة الصبر، والحلم، وحسن الخلق مع أهله وجيرانه، والشجاعة، والإخلاص، والورع عن المحارم، والخوف من اللَّه عزَّ وجلَّ؟! ورد في النص المبارك عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام: "إن اللَّه خص رسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم بمكارم الأخلاق، فامتحِنوا أنفسكم، فإن كانت فيكم، فاحمدوا اللَّه، وارغبوا إليه في الزيادة منها، ثم ذكرها عشرة، وهي: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروءة"(1). ولا شك أن الذي لا يحمل هذه الصفات، مغرور في إيمانه، مُتنكبٌ عن جادة الطريق، ضال عن المحجة البيضاء التي لا اعوجاج فيها، فالمؤمن الحريص على آداب السلوك في الإسلام هو الذي يحمل هذه الصفات أو في طريقه لحملها... ولا احتمال ثالثاً لغير ذلك. والفضائل لا تحصل بين ليلة وضحاها، أو بين ساعة وأخرى... بل هو جهاد نفس في كل آن وزمان ومكان... وفي كل محطة من محطات السفر يجب أن لا يغيب عنَّا الاستعانة باللَّه تعالى، وسؤاله التوفيق والسداد وهو القائل سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾ (العنكبوت: 69).
2 - يستحب للمؤمن زيارة الإخوان ومودتهم، والاعتناء بالمستضعفين من الطاعنين في السن، والنساء والأرامل والأيتام... سأل عليّ عليه السلام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن صفة المؤمن، قال: "عشرون خصلة في المؤمن، فإن لم تكن فيه، لم يكمل إيمانه، إن من أخلاق المؤمنين يا علي: الحاضرون للصلاة، والمسارعون إلى الزكاة، والمطعمون للمسكين، الماسحون لرأس اليتيم، المطهِّرون أطمارهم، المتَّزرون على أوساطهم الذين إن حدثوا لم يُكَذّبوا، وإن وعدوا لم يُخلفوا، وإذا ائتُمنوا لم يخونوا، وإن تكلموا صدقوا، رهبان الليل، أُسُدٌ بالنهار، صائمون النهار، قائمون الليل، لا يؤذون جاراً، ولا يتأذى بهم جار، الذين مشيهم على الأرض هون، وخطاهم على بيوت الأرامل، وعلى أثر الجنائز، جعلنا اللَّه وإياكم من المتقين"(2).
3 - يستحب للمؤمن أن لا يعدوَ صوتُه سَمْعه
4 - ويستحب له أن لا يسأل عدواً شيئاً(3)...
5 - كما يُستحب له إعانة الآخرين.
6- ومن أدب المؤمن تدبير شؤون نفسه بلا إسراف ولا تبذير من جهة... ولا بخل من جهة أخرى... وإلا دخل في المحظور!
7 - وأن يتعلم من أخطائه السابقة. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لمعيشته، ولا يُلْسع من جحر مرتين"(4).
8 - كذلك يستحب التفكر فيما يوجب الاعتبار والعمل... وذلك بتذكر وذكر الأمم السابقة التي مرّت بالدنيا، ولم يبق منها شيء، فيتذكر بغيَها وطغيانها وجبروتها وظلمها... وكيف كان يُظن أن أحداً لن يغلبها، أو يستظهرَ عليها... ثم قُلِبَتْ بين ليلة وضحاها، وأصبح عالِيها سافلها، كأنْ لم تغن بالأمس، وأصبحت هشيماً تذروه الرياح، وعبرة لنا وللأمم بعدها، وآية لقوم يذّكرون.
9 - كما يستحب تذكير الناس بهذه الأمور من خلال الجلسات والمهرجانات والسهرات، وأن سُنَّة اللَّه إهلاك الدول الطاغوتية المستكبرة، وأن مصيرها لن يكون أفضل من مصير رموزها في التاريخ، فرعون وأقرانه. وأن مصير أمريكا، وعاقبة أمرها معلومان، وليس مآل الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية منا ببعيد، لمن ألقى السمع وهو شهيد. وفي تفسير الإمام الصادق عليه السلام لمسألة التفكر وكيفيته، قال: "يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك؟ أين بانوك ؟ ما لكِ لا تتكلمين؟!!!!"(5). وكانت أكثر عبادة أبي ذر رحمه اللَّه التفكر والاعتبار(6). وكتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: عِظني وأوجز، فكتب إليه: ما من شيء تراه عينك إلا وفيه موعظة(7).
10 - ويستحب البكاء خوفاً من اللَّه عزَّ وجلَّ، كما لو كان حزناً أو تأسفاً على ذنوب اقتُرفت، وجرائم ارتُكبت. وكلما ازداد إيمان العبد، كلما زادت حساسيته اتجاه المسائل الشرعية حرصاً عليها، خجلاً من ربه عزَّ وجلَّ، واستحياء من تقصيره. وذكر العلماء، رضوان اللَّه عليهم، استحباب كثرة البكاء من خشية اللَّه عزَّ وجلَّ، وأفردوا في مصنفاتهم أبواباً خاصة بهذا الموضوع. وكان فيما وعظ اللَّه به عيسى بن مريم عليه السلام: "يا عيسى ابن البكر البتول: إبكِ على نفسك، بكاء من ودَّع الأهل، وقلى الدنيا، وتركها لأهلِها، وصارت رغبتُه فيما عند اللَّه"(8).
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "اسمُ نوحٍ، عبدُ الملك، وإنما سُمِّي نوحاً، لأنه بكى خمسمائة عام"(9). وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "ليس شيء إلا وله شيء يعدله إلا اللَّه، فإنه لا يعدله شيء، و"لا إله إلا اللَّه" لا يعدله شيء، ودمعة من خوف اللَّه فإنه ليس لها مثقال، فإن سالت على وجهه لم يُرهقه قَتَر ولا ذلةٌ بعدها أبداً"(10). اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها وزكها فأنت خير من زكاها.
(1) وسائل الشيعة، ج11، ص138، ح1.
(2) وسائل الشيعة، ج11، ص146، ح15، (بتصرف).
(3) المصدر نفسه، ص150، ح27.
(4) المصدر نفسه، ح29.
(5) وسائل الشيعة، ج11، ح2.
(6) المصدر نفسه، ص154، ح7.
(7) المصدر نفسه، ص153، ح6.
(8) وسائل الشيعة، ج11، ص175، ح2.
(9) المصدر نفسه، ص176، ح4.
(10) وسائل الشيعة، ج11، ح6.