مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شخصية العدد: آل نوبخت‏

السيد علي محمّد جواد فضل اللَّه‏

 



لقد كان لبعض البيوتات والأسر العلمية دور هام وإسهام مميز في بناء صرح الحضارة الإسلامية بفضل ما قدّمته من عطاءات علمية. ومن هذه الأسر العريقة آل نوبخت الذين كان لهم قسطهم المشهود والذي لا يُتنكر له في إغناء واقع الحضارة الإسلامية من خلال إلمامهم بعلوم مختلفة كعلم النجوم وعلم الكلام والفلسفة والأدب وتعريب الكتب الفارسية المهمة. إلى هذا، فقد سعت هذه الأسرة الفارسية الأصل بصدق عبر علمائها ورجالات الفكر فيها إلى التوفيق بين الآراء الفارسية الخاصة ومذهب التشيع، وبذلت من الجهد الكثير في سبيل تنزيه ساحة المذهب من التهم التي ألصقتها به سائر الفرق.

واستطاعت أن تجعل من الشيعة أصحاب شوكة واقتدار عبر استلهام العلوم العقلية الكلامية منها والفلسفية، والتسلح ببعض المبادئ التي كان يأخذ بها مذهب الاعتزال، مما جعلها مقتدرة على رد الاعتقاد بالتشبيه والتجسيم والرؤية في باب التوحيد، وإدخال الإمامة في المباحث الكلامية والدفاع عن موضوع الغيبة والوقوف بوجه أصحاب البدعة في الدين وكذلك تقوية المجتمع الشيعي في مقابل قدرة السلاطين والعنصر التركي المتعصب وأصحاب الحديث والسنّة. وبعد هذه الإطلالة على إسهامات هذه العائلة العريقة، نريد أن نقف قليلاً على تاريخهم وبعض رجالاتهم.

* الأسرة النوبختية
لقد ذكرنا أن آل نوبخت هي أسرة فارسية المحتد، وأول ما يذكر ويشار إليه في كتب التاريخ هو نوبخت المجوسي الذي عاش في عصر المنصور العباسي (136 158ه) وإليه ينسب أعضاء هذه الأسرة الكبيرة، ومن هنا سماهم المؤرخون: آل نوبخت نسبة لجدهم الأعلى، و(نوبخت) من المفردات الفارسية المركبة ويعني جزؤها الأول: (نَو): الطازج والجديد والثاني: (بخت): الحظ، إلى هذا فقد كان (نوبخت) هذا من المنجمين المعروفين في زمانه، ولما كان المنصور العباسي أول حاكم عباسي اهتم بالتنجيم وأحكام النجوم فقد دعا المنجمين إليه وعمل بتوجيهاتهم، وقد استقطب لأجل ذلك (نوبخت) هذا، وكان على الديانة المجوسية، ولكن حثَّه على اعتناق الإسلام.

إلى هذا، فقد كان نوبخت وابنه أبو سهل الذي لم يترك غيره حسب ما وصل إلينا من المصادر الموثوقة من خاصة المنجمين عند المنصور العباسي، فقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد) وكذلك اليعقوبي في تاريخه أن المنصور عندما اعتزم انشاء بغداد (سنة 144ه) وضع أساسها في الساعة التي اختارها نوبخت وذلك حسب الأحكام النجومية. وقد أورد صاحب (كشف الظنون) اسم (نوبخت) في عداد قائمة المؤلفين في الأحكام النجومية، ونسب إليه كتاباً في أحكام النجوم، ويذهب بعض الباحثين إلى احتمال كون هذا الكتاب هو من الكتب التي ترجمها (نوبخت) من الفارسية البهلوية إلى العربية، وأعمال الترجمة هذه تابعه عليها ابنه أبو سهل حيث ذكر له ابن النديم في فهرسته سبعة كتب تتعلق بالنجوم والفلك، وقد ذكر ابن النديم أنه كان يعول في علم النجوم على كتب الفرس في هذا الفن. إلى هذا، فإنه من الملاحظ من إشارات المؤرخين والشعراء والأدباء أن هذه الأسرة النوبختية قد توطنت في عاصمة الحكم العباسي بغداد وذلك منذ منتصف القرن الثاني حتى أوائل القرن الخامس الهجري، وقد كان البعض منهم مراجع للأعمال الحكومية أو كانوا ممن يشار إليهم في مختلف فروع العلوم والفلسفة والآداب، وقد كان فيهم ثلة من العلماء العظام للإمامية الاثني عشرية. وكان منهم من عانى في جمع أشعار ثلاثة من شعراء العرب الكبار وهم: أبو نواس (199/141هـ) والبحتري (283/206هـ) وابن الرومي (283/212هـ) فخلَّدوا ذكر هؤلاء الشعراء الثلاثة فكراً أو ذوقاً، وقد كان لأبناء أبي سهل الفضل الكبير في جمع آثار أبي نواس الشعرية، فقد كان أبو نواس يأنس بهم وكانوا يضيفونه ويغدقون عليه، وكانوا يحيون حياة رغيدة فيها شي‏ء من الفن والثراء، فنجدهم يشترون ما اجتمع إليهم من أخبار أبي نواس وشعره مهما بلغت قيمته، وهذا إن دل على شي‏ء فيدل على كونهم أولي علم وأدب.

هذا وقد مر معنا أن نوبخت الجد الأعلى لهذه الأسرة وابنه أبا سهل وكذلك عدد من أولاد أبي سهل كانوا من المترجمين وقد أسدوا للمسلمين خدمات جليلة عبر نشرهم علم النجوم وغيره في أوساطهم، وكذلك فقد كان لهم إسهام بارز في إطلاع العرب على آداب الفرس وأشعارهم.

* طليعة متكلمي الإمامية
إلى هذا، فقد اهتدى عدد من أحفاد أبي سهل بن نوبخت إلى المذهب الجعفري وأصبحوا من المدافعين عنه بجد وحزم، ولم يدخروا جهداً في توطيد أسسه وقواعده ودحض آراء مخالفيه ومناوئيه، وقد ألّفوا الكثير من الكتب والرسائل في سبيل نشر أصول عقائد الإمامية بين الناس، ومن هنا فإن علماء الكلام النوبختيين يعدون بالفعل في طليعة متكلمي الإمامية وذلك من خلال تدوينهم المبادئ العلمية التي لا بد للمتكلمين الآخرين من أبناء هذه الفرقة من أن يواكبوها ويثبتوها على قاعدة متينة، إضافة لتصديهم لطعون المعتزلة والعامة وسائر الفرق الإسلامية على الإمامية بأدلة كلامية متنوعة سابقين بذلك طبقة المتكلمين الكبار من الشيعة الإثني عشرية. ومن أشهر آل نوبخت وأبرز المتكلمين فيهم أبو سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت (311/237هـ)، فقد كانت له تصانيف هامة في تأييد المذهب الإمامي، ولأبي سهل هذا وابن أخته أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي (توفي بين سنة 300 و310هـ) مؤلف كتاب (فرق الشيعة) فضل كبير على الطائفة الإمامية للكثير مما قدموه في المسائل الأصولية الإعتقادية وبخاصة تقريرهما بمبحث الإمامة وتدوينه بأدلة عقلية وفقاً لعقائد الشيعة الإمامية. ونذكر هنا من جملة متكلميهم البارزين الشيخ أبا إسحاق إبراهيم النوبختي من متكلمي أواسط القرن الرابع الهجري وهو مؤلف كتاب (الياقوت) الذي ذاع صيته بين المتكلمين وأصبح من أشهر الكتب الكلامية الإمامية بسبب شروحه التي استهلها ابن أبي الحديد (656/586هـ) شارح نهج البلاغة وتلاه العلامة الحلي (726/648هـ) وعنوان شرحه أنوار الملكوت في شرح الياقوت وأعقبه ابن أخته السيد عميد الدين عبد المطلب الحسيني الحلي (754/681هـ) في شرح كتاب أنوار الملكوت، ولعل كتاب (الياقوت) هذا هو أول كتاب كلامي شيعي يصل إلى أيدينا ويكون في متناولنا.

* طبقات آل نوبخت‏
إلى ما تقدم فإنه يمكننا أن نصنف رجالات الأسرة النوبختية في ست طبقات، هي:

1- طبقة المترجمين من اللغة الفارسية البهلوية إلى العربية، والمنجمين مثل: نوبخت وولده أبي سهل وعدد من أحفاد أبي سهل كعبد اللَّه وأبي العباس فضل.
2- متكلمو الإمامية، كأبي إسحاق إبراهيم، وأبي سهل إسماعيل بن علي، وأبي محمد الحسن بن موسى.
3- أصحاب الأئمة الإثني عشر وخواصهم، نحو يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت وإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل، وأبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي (ت 326هـ) السفير الثالث للإمام المهدي (عج).
4- الأدباء ورواة الشعر مثل: إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت وبعض إخوته، وأبي طالب، ومحمد بن روح، وأبي الحسين علي، وأبي عبد اللَّه حسين.
5- الكتّاب والمؤلفون كأبي جعفر محمد بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، وأبي يعقوب إسحاق، وأبي الفضل يعقوب، وعلي بن أحمد بن علي.
6- علماء الأخبار الإمامية، كأبي الحسن موسى بن كبرياء، وأبي محمد حسن بن أبي عبد اللَّه حسين (402/320هـ).

وقد كان أفراد كل طبقة من هذه الطبقات الست محط الأنظار ويلهج بذكرهم الخاص والعام. وعدت أقوالهم وكتاباتهم حجة لمن جاء بعدهم من العلماء. فقيل في منجميهم إنهم أعلم الناس بالنجوم وقيل في المتكلمين منهم إن أقوالهم يعتد بها ويستند إليها، وذكر في العلم بالمقالات والآراء والديانات أن كتاب أبي محمد النوبختي من الكتب الموثوقة في هذا الفن، وصاحبه قدوة تامة في معرفة الملل والنحل. وجاء في أخبار الشيعة الإمامية وتقرير مذهبهم أن آل نوبخت كانوا من أركان هذا الدين، إذ عدوا في مصاف الشيخ المفيد وابن بابويه وأبيه. وكانوا من أهم المراجع وأوثقها في جمع أخبار وأشعار أبي نواس والبحتري وابن الرومي ونبغوا في الترجمة حتى أصبحوا في عداد المترجمين الكبار.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع