مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: الأسس النفسية والفكرية للحوار

موسى حسين صفوان‏

 



تجتاح العالم اليوم أعاصير من المشكلات السياسية والاجتماعية والثقافية، ما يمكن أن نطلق عليه اسم المخاض الحضاري، الذي بدا أنه يحتدم فيه الصراع في ظل التقدم الهائل في وسائل الاتصال، ليتخذ على الأقل شكلين من أشكال التنافس بين الثقافات والحضارات على امتداد الكوكب الأرضي وهما:
1- صدام الحضارات.
2 - حوار الحضارات.


وسواء كان الصدام أو الحوار فهما شكلان من أشكال المبارزة الحضارية، التي سوف ينتج عنها حتماً سيادة الحضارة الأصلح، بالمعنى التام والشامل للصلاح، بعيداً عن مقاييس وحسابات السياسة البراغماتية والميكيافيلية المادية. واليوم، ونحن نمر بتجارب على مستوى الوطن، وعلى مستوى المنطقة والعالم، يلعب فيها الحوار الدور الأساس في تقرير مصائر الشعوب وبالتالي الحضارات التي تمثلها تلك الشعوب... حري بنا أن نتعرف على الأسس النفسية والفكرية للحوار، وذلك بهدف التأكيد على مواقع الخطأ والصواب من ناحية، ومحاذير الوقوع في الأفخاخ من ناحية أخرى.


* توجهات الحوار
يدرس أساتذة علم النفس التربوي نوعين من الشخصيات يستأثر كل منهما بصفات تترك بصماتها على آليات المبارزة الحضارية، الشخصية الأولى هي الشخصية المتعاونة أو التوافقية، والتي تبحث دائماً عن الأسباب التوفيقية، والتعاونية، وتتميز بالإيجابية بالتعاطي، تقابلها من الجانب الآخر الشخصية العدوانية التنافسية، والتي تسمى أحياناً الشخصية الإختلافية والتي تنظر دائماً إلى الجوانب السلبية ولا تعير اهتماماً للنواحي الإيجابية(1)، وتعود كل من هاتين الشخصيتين إلى جذور نفسية معقَّدة تشترك فيها عوامل الوراثة بعوامل التربية، والبيئة الثقافية، وشتى المؤثرات الخارجية. يقول الدكتور عبد العلي الجسماني في كتابه "علم النفس الغرضي"(2): إن ما أُجْرِيَ من بحوث في مجالات التحليل النفسي قد كشف عن أن ما يصدر عن الفرد من سلوك شعوري إنما تقوم بدور فعّال فيه العوامل "الهورمونية" (نسبة إلى الهورمونات التي تؤثر في الإنفعالات والمشاعر) إلى حد لا يعيها المرء، أو تكون في حيز مجاله الشعوري. وحتى يخرج الدكتور من مسألة الجبر في مسألة أثر الهرمونات التي تعود إلى عوامل وراثية فيزيولوجية يعود ويؤكد: يجدر بنا أن لا نغفل عنصر التنشئة الاجتماعية التي من شأنها تحوير وتهذيب الدوافع الفطرية وإكساب الناشئين عادات راسخة إيجابية. والحوار في هذه الحالة، سوف يتأثر قطعاً بطبيعة المتحاورين ومكوناتهم الشخصية، فتتغير أساليبه بتغير شخصيتهم التي توجه اهتمامهم وبالتالي أهدافهم من مسألة الحوار.

* التطور التاريخي للجملة
بناء على تنوع شخصية الأفراد وما يمثلونه، تتخذ المجتمعات أيضاً صفات اجتماعية ذات منشأ سيكولوجي، وبالتالي، سوف نجد أن ما يحكم تطور التاريخ البشري، ظواهر اجتماعية مثل التلاحم، والتنافر والتعاون والتنافس، المبادرة والتواكل، الصراحة والتدليس، والصدق والتكاذب... وتتفاوت مظاهر تلك الصفات بتفاوت المضمون القيمي للمجتمعات. ولا شك أن ما تمثله المجتمعات من هذه القيم سوف يكون هو مؤشر الصدام أو الحوار الحضاري عندها(3).

*دور القيم في تأسيس الخطاب الحواري: تشكل القيم عند المجتمعات الحوافز أو البواعث الحقيقية لحركة تلك المجتمعات، مهما كانت الخصائص الشخصية للأفراد والجماعات، فإن القيم تشكل البواعث والدوافع التي تحدِّد الأهداف العامة الكبيرة، بينما تؤثر الخصائص الشخصية بالآليات والأساليب التفصيلية، إلا أن القيم النبيلة سوف تقوم بما تمتلكه من بواعث إيجابية بتلطيف حدَّة السلبيات الناجمة عن الخصائص الشخصية السلبية والعكس صحيح. ويمكن الحديث في هذا المجال عن طيف واسع من القيم الإنسانية التي تشكل البواعث الحقيقية لحركة الحوار الحضاري، بيد أننا توخياً للإختصار نقسمها إلى قسمين كبيرين:

1 - القيم الإنسانية الخيرة، والتي تدعو إلى المودة والألفة والمحبة والتعاون والتماسك وتنشد هداية الآخر واللقاء معه، وتدعو إلى التسامح والعفو والإيثار والفضيلة... وهذه القيم تدعو إليها الأديان السماوية، وتتميز بها الرسالة الإسلامية من خلال نصوص الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.

2 - القيم المادية (ونطلق عليها لفظ القيم تجاوزاً) وهي عبارة عن طباع ذئبية تحكمها شريعة الغاب، تتميز بالعدوانية والإستئثار، وتغليب الشهوات، والتكبر، والتسلط والهيمنة، والإستقواء، وهذه الصفات تطبع المجتمعات الملحدة التي تتخلى عن الإيمان بالأديان، وسماحتها ومبادئها أو تمتلك فهماً خاطئاً للأديان.

وبين هاتين الفئتين، هناك العديد من المراتب، لأن مكونات الشخصية والقيم الاعتقادية توجد على صورة نسبية عند الإنسان... ولم يكن الإنسان في الأغلب الأعم سوياً تماماً من الناحية السيكولوجية ما خلا استثناءات نادرة، لذلك سوف تجد أن هناك العديد من الشخصيات المتردّدة والتي أطلق عليها القرآن الكريم اسم "مرضى القلوب" وهذه الحالات المرضية سوف تكون فيما بعد موضوعاً لسلسلة طويلة من التقنيات العلاجية والتي اهتم علماء النفس التربوي بدراستها.

*آليات الحوار
يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "واللَّه ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس"(4). من هذا الحديث نستطيع أن نلمح الصورة العامة لآليات الحوار... فمن ناحية نجد الفئة المؤمنة، والتي تمثل الشريحة الإيجابية من المجتمعات سواء من حيث المكونات الشخصية أو القيم الإنسانية التي تدفع سلوكها الاجتماعي، تعتمد الحجج والبراهين، والوسائل الشريفة ذات الصفة الإيجابية، والتي يطول الحديث عنها (يراجع في هذا المجال كتاب "أسلوب الحوار في القرآن")(5). بينما تعمد الفئة الأخرى، والتي تهدف إلى تجاوز الحق وتحقيق الهيمنة والتسلط، إلى أساليب ماكرة، تستخدم العديد من تقنيات علم النفس بهدف التأثير بالذوق العام والإرادة العامة ومن أهم تلك الأساليب(6):

1 - الدعاية، والوسائل الإعلامية الماكرة التي تعمد إلى إرساء عادات وأنماط وسلوكيات تخدم الهدف الذي تسعى إليه تلك الفئات.
2 - الحرب النفسية، وتتم عن طريق نشر الإشاعات، وتوزيع الشعارات، وتكرار عناصر الإرساء السلبية واستخدام أساليب الترهيب والترويع من جهة والترغيب والإغراء من جهة أخرى...
3 - استخدام أساليب الفساد، ونشر وسائل الفساد، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضائيات.
4 - استخدام المكر والخداع والمواربة والإستدراج والمغالطة، والتهويل والحذف والإغضاء والتعميم والتفكيك، وما إلى هنالك من وسائل الهروب من قوة الدليل والبرهان وظهور الحجة.
5 - استخدام وسائل الإعلام، والبرامج الثقافية لإرساء قيم سلبية مثل العداء غير المبرر للإسلام، (إسلاموفوبيا)، وبالتالي تعطيل دور العقل والحجج وتحول الحوار إلى صدام حتمي.

أمام هذا السيل من الحقائق التي باتت تفرض نفسها على واقع الساحة الثقافية والسياسية في العالم اليوم، ينبغي أن نعي ما يدور حولنا، ونحاول جادين مواجهة المخططات الماكرة والخطط المادية العدوانية الكافرة...
وما من شك أن اللَّه سبحانه وتعالى ينصرنا ويؤيدنا إذا ما أحسنّا إعداد مقدمات النص... قال تعالى: (يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم ويأبى اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (التوبة: 32).


(1) د. ميثم السّلمان، "تقنيات الهندسة النفسية" تحقيق موسى صفوان دار الولاء، (تحت الطبع).
(2) د. عبد العلي الجسماني، علم النفس الغرضي، الدار العربية للعلوم، 1994.
(3) د. فؤاد حيدر، الشخصية في الإسلام وفي الفكر الغربي، دار الفكر العربي، بيروت 1990.
(4) نهج البلاغة والمعجم المفهرس، الخطبة 200، دار التعارف للمطبوعات بيروت 1990.
(5) السيد محمد حسين فضل اللَّه، أسلوب الحوار في القرآن، دار التعارف.
(6) د. فؤاد حيدر، علم النفس الاجتماعي، دار الفكر العربي، بيروت 1994.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع