نبيل سرور
من الشائع في أدبيات السياسة الدولية المعاصرة، أن أبرز مقومات النظام العالمي الراهن ترتكز على نظرية: "أن المواثيق الدولية قننت استخدام القوة، فجعلتها للدفاع المشروع، ومنعت استخدامها في غير هذه الحال، وأقامت الحق والمنع في الاستخدام على أساس المساواة، وأسست هذه المواثيق منظمات دولية تسهر على تطبيق تلك المبادئ". غير أن تجربة منظمتين عالميتين، أولاهما سابقة وهي "عصبة الأمم"، وثانيتهما راهنة وهي "الأمم المتحدة"، لا تزال تُظهر انعدام الثقة لدى بعض الدول الصغيرة أو الضعيفة، وهي السواد الأعظم من دول العالم. ذلك أن الواقع الفعلي يؤكد أن القوة هي أساس تنظيم العلاقات الدولية. غير أنّه قد طرأت على نظام العلاقات الدولية الراهن متغيرات جذرية، جعلت بعض القادة السياسيين ورجال الفكر يرون فيها ما يؤسس لتشكيل نظام عالمي جديد، ويمكن أن نرصد أربع متغيرات جوهرية في النمطية الجديدة للعلاقات الدولية:
1- ظهور هيكل للقوة متعدد الأقطاب ذي قيادة واحدة مركزية (الولايات المتحدة)، وقد حلَّ هذا الهيكل في مكان الهيكل ذي الثنائية القطبية (الثنائية المضادة)، الذي ميز عصر الحرب الباردة. وزالت عنه الثنائية بزوال الاتحاد السوفياتي.
2- استخدام منظمة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي-من قبل تكتّل لبعض الدول- كغطاء جاهز لأي عمل عقابي.
3- صعود التصارع الإيديولوجي الذي يمثِّل الإسلام أحد أبرز وجوهه، لاسيما بعد أحداث 11 أيلول. وقد يفضي هذا التصارع إلى حروب محتملة. ولعل بوادر هذه الحروب المتنقلة تبدو من خلال واقع وتجارب الحركات التكفيريّة التي ضربت في أكثر من مكان من العالم.
4- نشوء تكتّل بين دول تقوم بأعمال لها علاقة بالأمن الدولي في قلب المنظومة الدوليّة؛ فقد أدى زوال التهديد العسكري المتبادل بين حلفي الأطلسي ووارسو إلى إفراز ثلاث ظواهر:
أ- نشوء فراغ في إطار التهديدات المرصودة المباشرة.
ب- واحتمال ظهور تهديدات طارئة أو غير مرصودة.
ج- تشكّل جماعة أمنية في قلب المنظومة الدوليّة، وهي جماعة لا تتوقع استخدام القوة العسكرية في علاقة إحداها بالأخرى، ولا هي تستعد لذلك. وقد منحتها هذه السمة القدرة على مواجهة التحدي من جانب الآخرين. وتكشف السهولة النسبية التي تمكنت بها الولايات المتحدة من إقامة تحالف عسكري ومالي ضد العراق عن إمكانات هذه الجماعة الأمنية، وعن قدرتها على العمل لمواجهة أي تحد من جانب الدول الأخرى.