تحقيق: هبة يوسف عباس
مسؤولية البيت أم العمل؟ سؤال يُطرح على كل امرأة متعلمة تريد بعد زواجها تتويج علمها بالعمل في مجال دراستها، ولكن أيهما ستختار البيت أم العمل؟ ما الأهم بالنسبة لها؟ وفي حال اختيار الإثنين هل تستطيع التوفيق بينهما؟ هذه أسئلة تم طرحها على مجموعة من النساء المتزوجات المتعلمات وكانت لهنّ آراء مختلفة.
* ربات بيوت... متعلمات:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، بهذا الشعر بدأت دلال.ج -27سنة- حديثها معي. دلال حاصلة على ماجستير في العلوم الإجتماعية، متزوجة و لديها فتاة. برغم مستواها العلمي تفضل دلال بناء أسرة "أنا إنسانة مثقفة و متعلمة" تقول "لكن مهمتي الآن هي إنشاء جيل جديد صالح ليبني مجتمعاً صالحاً"، وتضيف: "خطواتي صحيحة، ففي عمر الـ22سنة حصلت على الإجازة في العلوم الإجتماعية وفي عمر الـ25 حصلت على الماجستير ثم كان أن تعرفت إلى زوجي وتم الزواج، والآن مهمتي هي تربية هذه الطفلة لا العمل، وبالرغم من أنني أطمح لأن أكمل دراستي لأصل للدكتوراه، أو حتى دراسة اختصاص آخر لكنني أعتبر علمي لصالح أولادي أما عملي فقد يكون ضدهم وعلى حسابهم". "زينب.ع" -حاصلة على إجازة في الصحافة المكتوبة- كان لديها رأي مختلف عن الأخت دلال إلى أن رزقت بطفلها الأول "محمد" وتعبر عن تجربتها بالقول: "لطالما كانت آرائي مناصرة للمرأة العاملة وكنت قد شرطت على زوجي قبل زواجنا أن أعمل حتى بعد إنجابي ووافق، لكن ولادة "محمد" جعلتني أغيّر رأيي، فقد عرفت كم يحتاج هذا الطفل إلى الرعاية والعناية والوقت، مما جعل مهمتي في التوفيق بين عملي وبيتي أمراً مستحيلاً، فاخترت الأهم وهو بيتي". أما رأيها في وضع الأطفال في الحضانة كما تفعل معظم الأمهات العاملات، فقد كان سلبياً جداً حيث رأت أن تربية الطفل هي مسؤولية الأم، وعليها أن تعطيه حنانها وعطفها، وأن يحس بهما منها فقط لا من إنسانة غريبة عنه حتى لو كانت صاحبة قلب طيب، وأخيراً ختمت زينب قائلة: "من تريد الزواج وبناء أسرة وإنجاب أطفال عليها أن تنسى مسألة العمل إطلاقاً".
*بيتي مهم ... وعملي:
أمّا "فاطمة.ع" فتختلف تجربتها قليلاً عن سابقتيها؛ فهي حاصلة على إجازة في الصحافة الإذاعية والتلفزيونية، تحب العمل وتعتبر أن المرأة قادرة على التوفيق بين عملها والبيت إذا كانت ذكية ونشيطة، إلا أن عدم عملها يعود إلى زوجها الذي فضّل توقفها عن العمل بعد أن حملت بطفلها الأول خاصة وأن طبيعة عملها تتطلب تنقلها بين المناطق لإجراء المقابلات. وعن عودتها للعمل بعد إنجابها تقول: "الطفل يحتاج للرعاية والإهتمام خاصةً في أشهره الأولى، لذا عودتي ستكون بعد إتمام عامه الأول، وعندها أضعه في حضانة للأطفال أو عند أمي". العمل يعطي للمرأة شخصية مستقلة ومميزة ويجعلها إجتماعية وقادرة على التواصل مع الآخرين بسهولة وفي هذا الصدد تقول "فاطمة": "بعد تجربتي العملية قبل زواجي، أعطاني العمل أهمية وقيمة لذاتي وجعلني فعّالة وذات نفع وفائدة في مجتمعي، لذا إصراري على العمل هو من أجل شخصيتي وذاتي لا من أجل منفعة إقتصادية". "العمل يجعلني أحقق ذاتي وهو ذو منفعة إقتصادية أيضاً"، هذا كان رأي "ميرنا.ج" -متزوجة ولديها فتاة؛ حاصلة على إجازة في التوثيق وتعمل كمديرة مكتبة- وترى أن عملها قد يتعارض مع مسؤولية بيتها أحياناً إلا أنها تساعد زوجها في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة وفي هذا الصدد تقول: "أحب عملي كما أحب بيتي ولأن عملي يساعد في بناء أسرتي يجعله هذا أكثر قداسةً عندي. زوجي موظف وراتبه محدود. لذا، من الضروري أن أعمل لأساعده مادياً خاصة في مثل هذه الظروف المادية الصعبة التي نعيشها". "قد يتعارض عملي مع مسؤولية بيتي أحياناً" تقول ميرنا، وتضيف: "من ناحية التنظيف المنزلي أو الطبخ وغيرها عندها تكون الأولوية لعملي، أما إبنتي فهي في حضانة". وعن إستمرارها في العمل تقول: "لن أعمل طوال حياتي لأنني سأصل إلى وقت أكون قد مللت العمل وأوضاعنا المادية قد تحسنت، عندها سيكون كل وقتي للبيت، وأكون قد حققت غايتي في أنني قد جربت العمل ولم أنسَ ما قد تعلمت لمدة أربع سنوات في الجامعة".
"زينب.م" أوضاعها الإقتصادية جيدة لكن رغم ذلك تصر على العمل، زينب متزوجة ولديها أربعة أولاد، حاصلة على إجازة في الأدب الإنكليزي وتعمل مدرّسة وتقول: "بدأت العمل بعد إنجابي طفلي الأول وعلى رغم معارضة زوجي العمل أصررت على ذلك، لأنني تعلمت لأعمل، لا لأترك شهادتي معلقة على الحائط، وبعد سنوات أنسى كل ما تعلمته ليحل مكانه الطبخ وتربية الأطفال والعمل المنزلي". الأولاد يحتاجون إلى رعاية واهتمام، لكن العمل قد يقف عائقاً بين الأم وأولادها مما يستدعيهم إلى إيجاد حلول بديلة مثل إدخال الأولاد إلى الحضانة أو إحضار مربية إلى المنـزل، وهذا ما قامت به زينب التي عبرت عن موقفها قائلة: "بسبب عدم قدرتي على الإهتمام بأولادي أثناء عملي في المدرسة قمت بإحضار مربية لتهتم بهم وبالمنـزل، أما حين تواجدي في البيت، فأنا من يهتم بهم ويدير شؤونهم، ولا أعتبر ذلك إهمالاً مني، كما يتهمني البعض، وردّي عليهم يكون أن زواجي وإنجابي لا يعنيان نهاية حياتي". التجربة الأخيرة مميزة وهي لـ "ليلى.ش" متزوجة و لديها 3 أولاد، حاصلة على دراسات عليا في علم الإجتماع وتعمل في مجال إختصاصها وعن تجربتها تقول: "أنا متزوجة منذ 26 عاماً وقد ربيت أولادي وبقيت إلى جانبهم لأرعاهم وأهتم بهم حتى كبروا وأصبحوا شباباً وصبايا راشدين، وعلى رغم حبي للعمل منعت نفسي عنه عند زواجي وإنجابي حتى كبروا وأصبح لكلٍ منهم حياته الخاصة مما جعلني أحس بفراغ كبير لم يملأه إلا عملي فعدت وأكملت دراساتي العليا في علم الإجتماع وبدأت العمل". وتختم ليلى متسائلة "أيهما أهم؟"!! وتجيب نفسها قائلة: "للمرأة أدوار متعددة مثل: طالبة، زوجة، أم، عاملة وغيرها وكلها مهمة، وعليها أن تلعبها جميعاً. ولكن كلٌ في وقته حتى لا يتعارض أحدهما مع الآخر وتكون حياتها صحيحة وتعطي كل دور حقه، وأعتقد أن هذا ما قد فعلته، أعطيت بيتي وأولادي حقهم والآن أعطي نفسي وذاتي حقها في التعلم و العمل".
*الأولوية حسب الظروف
عمل المرأة وأهميته سواء كانت له أثار سلبية أو إيجابية أمر طرحناه على الأستاذة أميرة برغل وهي أخصائية إجتماعية وتربوية فكان لها هذا الرأي: إن الدخول إلى هذا الموضوع من باب التساؤل هل على المرأة البقاء في المنـزل أم العمل؟، قد يجعلنا نقع في التباسات ومغالطات كثيرة. الموضوع يجب دراسته من جانب آخر وهو ماهية دور المرأة في المجتمع، هل دورها هو خلافة الله على وجه الأرض؟ فإذا كان كذلك، عندها لا يمكننا وضع قاعدة لكل الناس، بل نضع الأدوار التي يجب عليها القيام بها في المجتمع بتراتبية الأولويات. وهنا نصل إلى سؤال آخر: ما هو دور الرجل في المجتمع؟ أليس للرجل دور في أسرته؟ أليس من الواجب تواجده في المنـزل؟ ألا توجد لديه مهمات في العملية التربوية؟ ألا يجب عليه مساعدة زوجته في المنـزل في حال عملها؟ إذاً علينا أن نفتش عن الدور الرئيسي الذي كلفنا به الله رجالاً ونساءاً وهو خلافة الله على الأرض. لذا لكل ظرف أولوية، وعلينا أن نرى ماذا تقتضي مصلحة الرسالة. وتؤكد الأستاذة برغل: "إن مؤسسة الزواج يجب أن تكون ناجحة، ولتكون كذلك على المرأة القيام بدورها كأم وزوجة على أكمل وجه وكذلك الرجل. وفي حال كانت المرأة متعلمة وكان هناك قبل الزواج مجال لخدمة المجتمع في مجالٍ ما سواء كان عملاً مدفوع الأجر أو تطوعياً فإن هذا العمل يغني المرأة ويطور شخصيتها ويجعلها نافعة في محيطها ولنفسها وأولادها في المستقبل، وفي حال زواجها عليها أن تدرس وزوجها أيهما الأصلح للمجتمع وللأسرة، فإذا كانت وظيفتها حساسة -وفي حال تركها قد تحصل مفسدة، هنا- على الإثنين التعاون للبقاء في عملها، شرط عدم حصول تقصير في الأسرة، أما إذا كان عملها على حساب أسرتها ومن باب التسلية، أو من أجل تحقيق ذاتها بالمعنى النفعي الفردي، أو لتصبح ذات قيمة فعليها أن تفكر أين تكبر قيمتها، وبرأيي لا توجد قيمة أكبر من بناء إنسان صالح". وأنصح المرأة التي تعمل لتساعد زوجها مادياً ويؤدي هذا إلى التقصير في الإهتمام بأسرتها إلى العيش ضمن إمكانيّات الزوج الماديّة والاهتمام والاعتناء بأسرتها لتنشئ جيلاً صالحاً وبالتالي مجتمعاً صالحاً.
وتضيف برغل: "إن مقولة المرأة (ما قد تعلمته سوف يضيع في حال عدم عملي) غير صحيحة، إذ أنها تستطيع استعمال علمها وأن تنشره بين الناس في كل لحظة. وهنا لدي تحفظ على نسائنا المتعلمات اللواتي في حال عدم العمل يتحولن إلى "الصبحيات" وهدر الوقت في أمور غير مفيدة، وأحثهن على النظر إلى المؤسسات والمراكز الخيرية والإجتماعية التي تحتاج إلى المتعلمات للإستفادة من علمهن". وتلفت النظر إلى مسألة مهمة: "على الرغم من دور المرأة المهم جداً في تربية أولادها، هناك بعض المجالات في العمل لا يستطيع أن يملأها الرجل بالكامل مثل التربية والتعليم، التمريض والعمل الإجتماعي فهذه الأعمال هي نسائية بامتياز لا يستطيع أن ينوب الرجل فيها عن المرأة، وهذا دليل على الحاجة إلى المرأة العاملة فماذا نفعل؟ هل ندعوها للرهبنة كما المسيحية للقيام بهذه الأعمال؟ طبعاً لا، بل علينا مساعدتها للقيام بعملها والإهتمام بأسرتها في آن معاً.لذا على المؤسسات أن تراعي المرأة العاملة بدءاً من دوام العمل إلى إجازات الأمومة وغيرها، إذ قد تصل مدة إجازة الأمومة في سويسرا إلى 3 سنوات بينما لدينا حوالي 40 يوماً فقط".