مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أدب و لغة: الشيخ أحمد الوائلي شاعر الهم الإنساني


فيصل الأشمر


حين يجري ذكر الشيخ الراحل أحمد الوائلي أمام إنسان فأول ما يتبادر إلى الذهن هو صورة ذلك الخطيب الكبير وصاحب المدرسة العريقة في العزاء الحسيني , في حين تغفل عن بال الكثيرين الناحية الشعرية لدى الشيخ وهو الشاعر الكبير الذي أبدع القصائد الجميلة في مناسبات وطنية واجتماعية مختلفة. وليس هذا بمستغرب على من نشأ في بيئة النجف الأشرف , تلك المدينة التي يقول عنها الدكتور علي جواد الطاهر: "النجف مدينة العلم الديني المنقطع النظير، ثم الأدب والشعر، وهي فيهما نادرة من النوادر واعجوبة من الأعاجيب، يُعنى أهلها بقول الشعر وسماعه والحديث عنه عنايتهم بالمسائل اليومية من أكل وشرب، إنهم أدباء كما يتنفّس المرء الهواء".

والشيخ الوائلي شاعر قدير, تنوعت قصائده بتنوع المناسبات التي قيلت فيها ما بين سياسية واجتماعية ودينية وغير ذلك وكلها تعبر عما يحمله من هم يقلقه في سبيل رفعة الإنسان والإنسانية على الصعد كافة. وهذا ما يظهر لنا في استعراضنا لنماذج قليلة من شعره مما قاله في مناسبات مختلفة. يقول الوائلي في قصيدة له عنوانها "في رحاب الرسول صلى الله عليه وآله":
 

ملكتَ على بعد الديار مشاعري فأنت إلى ذهني من الفكر أقربُ

أتيتك بالأشواق أطفو وأرسبُ وكلّيَ آمالٌ وكلك مطلبُ

 

إلى أن دنت مني الديار وأصبحتْ قبابك في عيني تهلّ وتغرب


ويصف في قصيدة له طويلة الحادثة التي جرت للسيدة الزهراء عليها السلام وكسر ضلعها وشهادتها ويقول في بعض أبياتها :

ومسجّىً من جسمها وَسَمته بالندوب السياطُ كيف تشاء

الرزايا السوداء لم تبقِ منها غير روح ألوى بها الإعياء

 

وكسير من الضلوع تحامت أن يراه ابنُ عمها فيُساء


ويخاطب الوائلي الإمام الحسين عليه السلام مندداً بمن لا يعني له الحسين عليه السلام سوى البكاء والتفجع دون أن يكون عنده نموذجاً للموت في سبيل الكرامة فيقول :

وصُغناك من دمعٍ وتلك نفوسنا نصورها لا أنتَ إنك أرفع

وضعناك في الأعناق حرزاً وإنما خُلقتَ لكي تُنضى حساماً فتُشرع

 

فإن شئتَ أن نحيا فألهِمْ نفوسنا لتنهلَ من كأسٍ شربتَ فتجرع


ومن قصيدة له عنوانها "عند باب الحوائج" يناجي الشاعر بابَ الحوائج إلى الله الإمام الكاظم عليه السلام فيقول:

إذا رُدَّ في بابٍ لغيرك مطلبٌ ففي باب موسى لا يُردّ طِلاب

لقدسك يا بابَ الحوائج باب جثت حوله للطالبين رغابُ


ويعبر شاعرنا عن حبه لليل ساتر الأحزان فيقول:

ولكن عشقت الليل يُؤنس وحشتي ويستر أحزاني عن الرقباء

عشقتُ الدجى لا كافراً بضيائي ولا لأعدَّ النجم من ندمائي


ويخاطب الشاعر السياسيين المتلاعبين بالعراق وأهله لغاياتهم الشخصية فيقول:

وليست دمانا سلعة تشترونها وما للدما أثمان عند ذوي اللب

كفاكم دماءً يا سماسرة الحرب دعوها لردّ الحقّ والوطن المسبي

وألقيتم من أجل دنياً خسيسة وحفنة نفط ألفَ يوسف في الجب

لقد بعتمُ قدس الدماء وطهرها ببخس من الأثمان يا أخوة الذئب


ولم تغب فلسطين المفجوعة عن بال الشاعر الوائلي فيصف نكبة أبنائها قائلاً:

إذا ما نسينا رؤىً تألقُ

فلسطينُ لا ذكرتنا الحياةُ

وإن لم يقولوا، ولم ينطقوا

ونطقُ الأسى في عيونِ الصّغار

لأمٍّ بعبرتها تخنقُ

وأسئلةٌ في شفاه الصبي

أُمّاه، أينَ أبي المشفقُ

تلهّب أضلاعها إذ يقول

ملاعبُ داري التي أعشقُ

وأين أخي؟ ووالداتي؟ وأينَ

وخدّي على الترب لا يرفقُ

لماذا أنامُ بهذي الخيام

من صدرها، وأخي يشهقُ

وأمّي بجَنْبي تنثّ الدماءُ

وأرضِيَ خيراتُها تغدقُ

وأأكل من كسر المحسنينَ

أليسَ لنا وطَنٌ مسبقُ؟

لماذا يسموننا اللاجئين


ويحن الشاعر إلى العراق وهو في الغربة ويتذكر الأماكن التي نشأ وكبر فيها فيقول:

لو تستبين على البعاد مشاعري ملهوبة كالجمر في الظلماء

(وادي الغريّ) وحق رملك وهو ما أشتاقه في غـدوتي ومسائـى

فأنا لهيب مشاعـر وصبابة تواقة لقبـابـك الشَّماء

أترى وطيفـك يستبد بمقلتي أنساك لا ورمالك السمـراء

 

وإلى محاريب العبادةِ والتقى ولخشعـةٍ من راهب بكَّاء


ويخاطب الشاعر بغداد متعجباً مما تجمع من مفارقات بين غني وفقير وعزيز وذليل قائلاً:

يطغى النعيـم بجانب وبجانب يطغـى الشقا فمرفَّهٌ ومضيَّعُ

بغداد يومـك لا يزال كأمسه صورٌ علـى طرفي نقيض تجمعُ

ومن الطوى جنب البيادر صرَّعٌ وبجنب زق لأبـي نؤاس صرّع

في القصر أغنيةٌ على شفةِ الهوى والكوخ دمعٌ في المحاجر يلذع

ويصان ذاك لأنـه من معشر ويضام ذاك لأنّه لا يركـع

ويد تكبَّل وهـي مما يُفتدى ويدٌ تقبَّل وهي مما يُقطـع


وأخيراً ندعو مع الشاعر الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله قائلين كما قال:

كُفَّ نعمى الحكام عنا فإنَّا نحو هذي النعماء فينا جحود

رب رحماك ذوَّبتنا الرزايـا واللظى قد يذوب منه الحديدُ

 

وأعنّا على الوصول لحكـمٍ من معانيك ظلُّـه ممـدود

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع