لكلّ بلد ومجتمع أحداثه. وهذه الأحداث قد تكون جيّدة وقد تكون مريرة، وقد يرافقها ضغوط؛ كالتعرُّض لحظر ولغزو ثقافيّ أو لهجومٍ عسكريّ قاسٍ. ومواجهة هذه الأحداث قضيّة على جانب كبير من الأهميّة. فكيف نواجه هذه الأحداث ونتعامل معها؟
سأعرض في هذا الخصوص لعدد من الثنائيّات المحتملة التي يمكن تصوّرها لطبيعة التعامل والمواجهة.
أ- المواجهة الفعّالة والمواجهة الانفعاليّة
قد تكون مواجهتنا لهذه الأحداث مواجهة فعّالة، وقد تكون مواجهة انفعاليّة أو مواجهة منفعلة. فالمواجهة الفعّالة معناها أنّنا عندما نواجه حادثة ما، ننظر لنرى ما الذي يجب أن نفعله قبال هذه الحادثة لدفعها ورفعها وإضعافها، أو لتقويتها في بعض المواطن. فنفكّر ونرِد الميدان بنحو فعّال. أمّا المواجهة الانفعاليّة فهي أنّنا في مواجهة حدث مرير وصعب، أو مشكلة، نلجأ إلى البكاء والنحيب، ونذكر الحدث دائماً ونكرّره، من دون أن نحرّك ساكناً إزاءه.
ب- المواجهة الإبداعيّة و"المواجهة" بـ "ردود الأفعال"
ومن زاوية أخرى، هناك المواجهة الإبداعيّة، ومواجهة بردود الفعل. مواجهة بردود الفعل هي أنّنا عندما نكون أمام عدوّ مثلاً، ويجرّنا هذا العدوّ إلى ساحة مواجهة ما، فنسير نحن أيضاً إلى تلك الساحة نفسها، ونعمل ونتصرّف طبقاً لمخطّطاته وبرامجه، ونتحرّك كردّ فعل للحركة التي يقوم هو بها. هذه مواجهة منفعلة وعلى شكل ردّ فعل؛ بحيث تكون حركتنا تابعة لطبيعة حركته. أمّا في المواجهة الإبداعيّة، فالأمر ليس كذلك، فعندما يهاجمنا العدوّ مثلاً من جهة معيّنة، نهاجمه من جهة أخرى وموقع آخر، ونمسك بزمام المبادرة بنحو آخر، ونردّ بطريقة أخرى، فنوجّه له ضربة.
ج- المواجهة اليائسة والمواجهة المتفائلة
وثمّة ثنائيّة أخرى هي: المواجهة اليائسة والمواجهة المتفائلة. أحياناً عندما يواجه الإنسان حدثاً ما، فإنّ تركيزه على قدرات العدوّ أو حركاته تجعله يائساً، وقد ينزل إلى الساحة، لكنّه ينزل بيأس. هذا نوع من المواجهة. ونوع آخر من المواجهة هو أن يرِد المرء الميدان بتفاؤل وأمل. هاتان الطريقتان تختلفان فيما بينهما. فإن وردنا الميدان بيأس سيكون سير العمل بنحو، وإن وردناه بتفاؤل فسيكون سير العمل بنحو آخر.
د- المواجهة بخوف والمواجهة بشجاعة
وهناك أيضاً ثنائيّة الخوف والشجاعة؛ تارةً ينزل المرء إلى الساحة وهو خائف من العدوّ، ومن الحدث، ومن خوض الغمرات، فيدخل بخوف، وهذا نوع من ردود الأفعال والمواجهة للعدوّ، وتارةً ينزل المرء إلى الساحة بشجاعة. وقد ورد في الروايات "خُضِ الغَمَراتِ لِلحَقّ"(1)؛ فينزل إلى الساحة ببسالة وشجاعة. وهذا أيضاً نوع من المواجهة. لننظر إلى وضع البلدان في العالم. إنّنا نلاحظ كلا النوعين من الحراك في أمورها وقضاياها. فتراهم مثلاً يتعاملون في منطقة ما مقابل الضغوط الأميركيّة على بعض البلدان، بشجاعة وبسالة، ويتعاملون في منطقة أخرى بخوف. كلّ واحد من البلدان يتعاطى ويتعامل بنحو. فالذي يتعامل بخوف، قد يقوم بتحرّك معيّن، لكن نوع تحرّكه يختلف عن نوع تحرّك الذي يتعامل بأمل وتفاؤل وشجاعة.
هـ- المواجهة بتدبّر والمواجهة السطحيّة أو المتهاونة
وهناك ثنائيّة أخرى، وهي أنّ الحركة التي نريد القيام بها في مواجهة العدوّ، هل هي حركة تمتاز بالحزم والتدبير، أم تتّصف بالرؤية التبسيطيّة للأمور والتساهل واللامبالاة؟ فعلى سبيل المثال، إنّ نوعيّة التعامل والتصرّف في قضيّة الفضاء الافتراضيّ يمكن أن تكون على نحوين: العمل بطريقة حازمة وبتدبُّر، أو التعامل بطريقة التفكير التبسيطيّ. طبعاً التفكير التبسيطيّ شيء والتساهل شيء آخر؛ فالتفكير التبسيطيّ يعني أن لا يرى الإنسان تعقيدات الأمور، ولا يلاحظ صعوباتها ومنعطفاتها ومشكلاتها. أمّا التساهل فهو أن يرى الإنسان هذه الأمور ويمرّ من أمامها دون مبالاة بالخطر. يمكن التصرّف بهذه الطريقة.
و- المواجهة بنظرة شاملة والمواجهة بنظرة أحاديّة الجانب
ثنائيّة أخرى: النظر إلى الأحداث على أنّها تهديدات وفرص في الوقت ذاته [من ناحية]، والنظر إليها بنظرة أحاديّة الجانب، وأنّها إمّا تهديدات أو فرص [من ناحية أخرى]. فعلى سبيل المثال، عندما نكون أمام عداء أميركا يمكننا أن نتعامل بطريقتين: [تارة] ننظر لنرى ما هي فرصنا مقابل هذا العدوّ القويّ حسب الظاهر، وما هي التهديدات والأخطار التي أمامنا؛ نلاحظ كلا الأمرين، ونخلص إلى نتيجة شاملة، ثم نقرّر. وتارةً نرى التهديد والخطر فقط، ولا نرى الفرص المتاحة لنا، وأحياناً لا؛ إذ نرى فرصاً أمامنا ولا نرى ما يحيط بنا من أخطار. هذه النظرة الأحاديّة الجانب إلى الأمور خاطئة، ويمكن أن تكون لنا نظرتنا الجامعة الشاملة إزاء مثل هذه القضايا.
سوف نستكمل في العدد القادم، إن شاء الله، بقيّة هذه الثنائيّات.
(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أعضاء مجلس خبراء القيادة 14/03/2019م.
1.نهج البلاغة، من وصيّته عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام.