زهرة بدر الدين (*)
للهديّة تأثير خاصّ على الناس، تُدخل الفرح والسرور على قلوبهم، وتخلق جوّاً من الألفة والمحبّة بينهم على قاعدة "تهادوا تحابّوا". ولكن، هل يقف تبادل الهدايا عند الأحياء فقط، أم أنّه يطال الأموات أيضاً؟
•فلسفة البرّ بالميّت
إنّ الموت بالنسبة إلى الإنسان المؤمن كقنطرة تعبر به من البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الخالد، وكنزع ثياب متّسخة وفكّ أغلال ثقيلة. وبمجرّد أن ينتقل الإنسان إلى ذلك العالم الآخر، تبدأ مرحلة جديدة من العلاقة بين الأحياء والأموات، تقوم على برّ الحيّ بالميّت، وقيامه ببعض الأعمال وإهدائها إليه، وهو ما يُعتبر بمثابة "الهدايا" التي يفرح بها الأموات تماماً كما يفرح بها الأحياء، وإنّ آثارها وثوابها تطال الطرفين معاً؛ فهي تربط الإنسان الحيّ بعالم الآخرة وبعالم البرزخ، فيسعى نحو الإتيان بالعمل الصالح، ويهدي بعضاً منه إلى الميّت، خصوصاً إذا كان قريباً منه. كما أنّها تؤنس الميّت في غربته ووحشته، وتخفّف عنه صعوبات البرزخ. ومن رحمة الله تعالى وفضله، أن جعل الثواب لكلّ منهما، من أجل تشجيع الحيّ على القيام بهذه الأعمال.
•أشكال البرّ بالميّت
أمّا أهمّ الأعمال التي على الحيّ القيام بها نحو الميّت فهي:
1- إكرام الميّت: وذلك بقيام الحيّ بتجهيزه من تغسيل، وتكفين، وتشييع، والواجبات كلّها حتّى إيصاله إلى قبره، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من غسّل ميّتاً فستر وكتم، خرج من الذنوب كما ولدته أمه"(1)، وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام: "من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة"(2)، وعن الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "أوّل تحفة المؤمن أن يغفر له ولمن تبع جنازته"(3).
وأن يترحّم عليه ويستغفر له، وأن يذكر محاسنه، ويستر عيوبه؛ فإنّ ذلك ممّا يعود نفعه إلى الحيّ، فيعتبر ويستحضر أنّه قد يكون هو في هذا المكان، وسيأتي اليوم الذي يُفعل به كما يُفعل بالميّت.
2- الصلاة على الميّت: ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلّى على الميّت صلّى عليه جبرائيل وسبعون ألف ألف ملك، وغفر له ما تقدّم من ذنوبه وما تأخّر"(4).
3- الصدقة عن الميّت: يوجد تأكيد عليها، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا تصدّق الرجل بنيّة الميّت أمر الله جبرائيل أن يحمل إلى قبره سبعين ألف ملك، في يد كلّ ملك طبق، فيحملون إلى قبره ويقولون: السلام عليك يا وليّ الله هذه هدية فلان ابن فلان، فيتلألأ قبره، وأعطاه الله ألف مدينة في الجنّة، وزوّجه ألف حوراء، وألبسه ألف حلّة، وقضى له ألف حاجة"(5).
4- صلاة الوحشة: وهي من الأعمال التي يحتاجها الميّت من الحيّ بعد الصدقة؛ لأنّه ينتقل إلى عالم مجهول وغريب بالنسبة إليه، وهذه الصلاة تساعده على تخفيف تلك الغربة عنه، كما أنّ ثوابها يعود إلى الحيّ كما إلى الميّت.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يأتي على الميّت ساعة أشدّ من أوّل ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصلّ أحدكم ركعتين، يقرأ في الأولى فاتحة الكتاب مرّة وقل هو الله أحد مرّتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرّة وألهاكم التكاثر عشر مرّات، ويسلّم ويقول: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وابعث ثوابها إلى قبر ذلك الميّت فلان ابن فلان، فيبعث الله من ساعته ألف ألف ملك إلى قبره، مع كلّ ملك ثوب وحلّة، ويوسّع قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور، ويعطى المصلّي بعدد ما طلعت عليه شمس حسنات، وترفع له أربعون درجة"(6).
5- زيارة القبور: إنّ لزيارة القبور آداباً، لا بدّ من مراعاتها، من عدم الضحك، والتفكّر في أهل القبور، وأخذ العبرة من الموت، وقراءة القرآن، وغيرها، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: "ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عليه إنّا انزلناه سبع مرّات إلّا غفر الله له ولصاحب القبر"(7).
وروي في صفة زيارتهم عن محمّد بن مسلم قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: نزور الموتى؟ فقال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال: إي والله، ليعلمون بكم ويفرحون بكم، ويستأنسون بكم، قال: قلت: فأيّ شيء نقول إذا أتيناهم؟ قال: قل: (اللهمّ جافِ الأرض عن جنوبهم، وصاعِد إليك أرواحهم، ولقِّهم منك رضواناً، وأسكِن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، وتؤنِس [به] وحشتهم، إنّك على كلّ شيء قدير). وإذا كنت بين القبور فاقرأ: (قل هو الله أحد) إحدى عشر مرّة، وأهدِ ذلك لهم". وقد روي أنّ الله يثيبه على عدد الأموات(8).
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من قرأ آية من كتاب الله في مقبرة من مقابر المسلمين أعطاه الله ثواب سبعين نبيّاً، ومن ترحّم على أهل المقابر نجا من النار، ودخل الجنّة وهو يضحك".
وفي كتاب النوادر: عن عليّ بن أسباط، عن عثمان بن عيسى، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إذا زرتم موتاكم قبل طلوع الشمس سمعوا وأجابوكم، وإذا زرتموهم بعد طلوع الشمس سمعوا ولم يجيبوكم"(9).
6- تأدية الواجبات عن الميّت: إنّ تبرئة ذمّة الميّت من حقوق الناس، كالديون، والغرامات، وغيرها، وكذا حقوق الله تعالى من الصلاة الواجبة، والصيام، والخُمس، والزكاة، وغيرها، هي من الأعمال الواجبة التي ينبغي لكلّ قريب للميّت أداؤها، قبل الإتيان بأيّ عمل مستحبّ.
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "يدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والبرّ والدعاء، ويكتب أجره للذي يفعله وللميّت"، و"من عمل من المسلمين عن ميّت عملاً صالحاً أضعف الله له أجره ونفع الله به الميّت"(10).
7- الأعمال الصالحة: إنّ الأعمال كلّها ينقطع ثوابها بعد موت الإنسان إلّا ثلاثة، وهي: صدقة جارية، أو علمٌ ينفع به غيره من النّاس، أو ابنٌ صالحٌ يدعو له بعد موته.
•أعمال تؤذي الميّت
1- الجزع الشديد: إنّ الصراخ والعويل يؤذيان الميّت، وقد ورد في الروايات أنّ ما كان من العين والقلب فهو من الله تعالى، وما كان من اليد واللسان فهو من الشيطان؛ فلا بأس بالبكاء الهادئ دون الصراخ، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "وإنّما نهيتكم عن النوح والعويل"(11).
2- غيبة الميّت: إنّ غيبة الميّت قبيحة جدّاً كما غيبة الحيّ، بفارق أنّ الميّت لا يملك دفعها عن نفسه؛ لذلك تزداد قبحاً، وقد نهت عنه الروايات، وحرّمها الفقهاء، بل من الآداب أن يُذكر الميّت بخير، وأن يستر عيوبَه المُغسّل، وأن يشهد المؤمنين بأنّهم لا يعلمون منه إلّا خيراً، وقد ورد أنّ الله تعالى يجيز شهادتهم، ويرحم بذلك الميّت.
ولا ننسى أنّ الميّت عبرة وعظة، ورحمة للحيّ.
(*) باحثة إسلاميّة وتربويّة.
1.نهاية الإحكام، العلّامة الحلّيّ، ج2، ص233.
2.وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج2، ص754.
3.(م.ن)، ج2، ص821.
4.ثواب الأعمال، الصدوق، ص292.
5.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج79، ص63.
6.مســتدرك الوســـائل، الميـــرزا النوري، ج2، ص113.
7.وسائل الشيعة، (م.س)، ج2، ص 881.
8.بحار الأنوار، (م.س)، ج99، ص300.
9.(م.ن)، ج99، ص297.
10.(م.ن)
11.ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج2، ص1675.
بغداد
حسن علي البياتي
2022-01-04 22:10:28
السلام عليكم كيف نعرف ان الصدقة التي نقدمها ونهديها الى الميت انها تصل اليهم كذالك بقية الاعمال من الدعاء وقراءة القران وشكرا لكم