مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح اللَّه: تربية الإنسان والأنظمة الوضعية

هل رؤية الحكومات غير الإلهية تفي بمقدار سعة وجود الإنسان وقابلية رشده؟ هذا فيما لو فرضنا وجود أشخاص حريصين ويريدون خدمة الشعوب، ويتمكنون من ذلك، أم أن رؤيتها محدودة، ولو أرادت الخدمة حقاً فلا يمكنها تجاوز هذه الحدود؟ إن الإنسان له مراتب سير من الطبيعة إلى ما فوق الطبيعة حتى يصل إلى مقام الألوهية؛ إن السير من الطبيعة حتى الوصول إلى ذلك المقام الذي لا يشاهد فيه غير اللَّه هي مراتب الإنسان المعنوية، فهذا الموجود لديه القابلية لأن يسير من هذه الطبيعة، ويحقق جميع المعنويات في نفسه من خلال التربية الصحيحة، ويصل إلى مقام يفوق حتى ملائكة اللَّه.

فالإنسان ليس كالحيوان الذي يكون احتياجه هو الأكل والنوم؛ إنه كائن خلقه اللَّه تبارك وتعالى لتتحقق فيه بالفعل جميع الجهات الموجودة في العالم، والموجودة في الإنسان، ولكن بالقوة وعلى شكل استعداد. إن جميع الأنظمة غير الإلهية والتي أقيمت بواسطة غير الأنبياء لها رؤية محدودة لا تخرج عن إطار هذه الطبيعة. إنها قادرة على تحقيق الاحتياجات الطبيعية وبشكل جيد جداً، فسابقاً كان السفر يتم بواسطة الحمار والفرس والآن بواسطة الطائرة، وكان الطب ناقصاً، وأصبح الآن كاملاً، وسوف يكتمل أكثر من هذا. وكانت العلوم الطبيعية سابقاً ناقصة، والآن كاملة، وسوف تكتمل أكثر. فكل هذه حدود الطبيعة. وكل ما تصل إليه أيدي الناس هي ضمن حدود الطبيعة، وما ينظرون إليه بأعينهم ويدركونه بإدراكهم الناقص. وإن أيدي الإنسان قاصرة عما وراء الطبيعة، وإن التربية التي يريد القيام بها غير الإلهيين وغير الأنبياء الذين يقومون بالتربية بإلهام اللَّه هي هذه التربية الطبيعية؛ فالطبيب يعالج أمراضنا الجسمية بشكل جيد، لكن أمراض الروح لا ترتبط بهذا الطبيب، إنه لا علاقة له بها أبداً، ولا يمكنه التدخل بها لأنه لا يحمل معلومات عنها. وكلما ترقّت العلوم الطبيعية فإن الإنسان يتمكن من الحصول على ما يحتاج إليه من الطبيعة، إلا أن جميع هذه العلوم البشرية لا يمكنها أن تصل إلى ما وراء الطبيعة.

لو فرضنا أن الأنظمة البشرية صالحة في حين أننا نعلم أن أكثرها غير صالح فإنه يمكنها أن تدفع الإنسان إلى الإمام بمقدار رؤيتها، وحيث لا علم لها، فإنها لا تتمكن من دفع الإنسان. لذا نرى أن جميع الأنظمة الوضعية، وتلك التي لا ترتبط بمبدأ الوحي، لا تبالي بالإنسان، ولا تهتم الحكومات أبداً بما يختص بباطن الإنسان، بماذا تفكرون؟ وماذا تعتقدون؟ وما هي الملكات التي تمتلكونها؟ إنها لا تهتم سوى بالمحافظة على نظام عالم الطبيعة هذا وأن يسيطر النظام على أسواقهم، وأن يسيطر النظام على بلادهم، وأن يقفوا بوجه اللصوص، ويمنعوا الظلم. فهذا هو كل ما تهتم به الحكومات، ولا تهتم بالذي تفعلونه داخل منازلكم. نعم عليكم أن تحافظوا على النظام عندما تخرجون خارج البيت، إلا أنها أي الحكومات لا علاقة لها بداخل البيت، وبالعلاقة بينك وبين خالقك. فهذه الأنظمة لا تملك حتى قانوناً لذلك، ولا يهمها ذلك أصلاً.

فالنظام الوحيد والمدرسة الوحيدة التي تهتم بالإنسان منذ المرحلة التي تسبق انعقاد نطفته وحتى النهاية، و(طبعاً) لا نهاية له هي مدرسة الأنبياء. إن أية مدرسة غير مدرسة الأنبياء لا يهمها اختيارك للمرأة التي تقترن بها، ومن هو الرجل الذي تنتخبه المرأة؛ إنها لا تبالي بهذا الكلام، ولا يهمها ذلك أبداً، ولا يوجد في قوانينها كيف تُنتخب المرأة وكيف يُنتخب الرجل. ولا يوجد في قوانينها ماذا تعمل المرأة في أيام الحمل، وماذا تفعل في فترة الرضاعة، وما هي وظيفة المرأة عندما يكون الطفل في حجرها، ومسؤولية الأب في التربية. فالقوانين المادية والطبيعية وأنظمة غير الأنبياء لا تهتم بهذه الأمور أبداً. إنها تقف أمام مفاسد الإنسان عندما ينزل إلى المجتمع فقط؛ تلك المفاسد التي تؤثر على النظام، وإلا فإنها لا تهتم بمفاسد التحلل والإباحية والمعاشرة، بل وأنها تدعمها أيضاً، فلا تبالي ببناء الإنسان وتربيته. وبنظرها فإن الإنسان يختلف عن الحيوان، ويفترق عنه بذلك المقدار الذي هو متطور عنه في الطبيعة. فالإنسان يصنع الطائرة ولا يتمكن الحيوان من ذلك، ويصبح طبيباً ولا يتمكن الحيوان من ذلك؛ ولكن الحدود هي حدود الطبيعة. أما ذلك الذي له علاقة ودخالة في جميع الأشياء، ذاك الذي يهتم قبل أن يتزوج الإنسان، قبل أن يريد الزواج بأن يكون حاصل هذا الزواج إنساناً صالحاً، يجب أن يكون إنساناً، فعنده تعليمات ذلك، قبل أن تتزوج يرشدك إلى أية امرأة تختار، وأي رجل تختار هي. لماذا كل هذه التعليمات؟

كما أن المزارع والفلاح قبل أن يختار مزرعته ينتخب الأرض الصالحة للزراعة أي أرض هي، والبذرة التي يريد استخدامها يختارها بدقة، بذرة الحنطة الصالحة، ويلاحظ الأمور الأخرى التي يحتاجها في الزراعة حتى تكون هناك مزرعة ينتفع منها. وهذه هي نظرة الإسلام إلى الإنسان، فذلك الزوج الذي ينتخب زوجة ليخرج منهما إنسان صالح؛ تلك المرأة التي تنتخبها أنت أية امرأة يجب أن تكون ليخرج من هذين الزوجين إنسان، ثم ما هي آداب الزواج، وكيف تتم عملية الإخصاب، وما هي آدابها، وما هي آداب فترة الحمل، وآداب فترة الرضاعة. كل ذلك لأن المدارس التوحيدية وأكملها الإسلام إنما جاءت من أجل بناء الإنسان، وليس بناء حيوانٍ، غاية ما هنالك أنه يمتاز بإدراكات أكثر بقليل من حدود تلك الحيوانات وأهدافها؛ إنها لم تأت من أجل هذا الهدف، بل جاءت من أجل بناء الإنسان.
 

فالإسلام قادر على تربية الإنسان ليسير من مرتبة الطبيعة إلى المرتبة الروحانية، وحتى ما فوق الروحانية، وإن غير الإسلام وغير المدارس التوحيدية لا تهتم بما وراء الطبيعة أبداً. ومستوى عقولها لا يصل إلى ما وراء الطبيعة، ولا علمها؛ فالذي يصل علمه إلى ما وراء الطبيعة هو ذاك الذي أتى من طريق الوحي، ذاك الذي كون إدراكه إدراكاً متصلاً بالوحي، وأولئك هم الأنبياء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع