مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قرآنيات: أهل الكتاب في القرآن الكريم


سلمى رميتي


يتوجه القرآن الكريم في خطابه "لأهل الكتاب"، في عدد من الآيات، بحيث أتت بمعظمها في بداية الدعوة الإسلامية، وتأسيس دولة الإسلام. فمن هم أهل الكتاب الذين ذكرهم القرآن، وكيف تعامل معهم النص القرآني؟ من هم أهل الكتاب؟ في تحديد عام لمفهوم هذا التعبير "أهل الكتاب" نجد أنه يتناول اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، وذلك استناداً إلى الآية التالية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (الحج: 17) ذلك أن هؤلاء جميعاً من أرباب النحل السماوية، كون السياق القرآني يجعل هؤلاء بعامتهم في مقابل "الذين أشركوا"، أما المقصود ب"الذين آمنوا" فهم الذين آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وكتابهم هو القرآن(1).

وفي تعريف الذين هادوا على ما جاء في التفاسير أنهم المؤمنون بموسى ومن سبقه من الرسل، وكتابهم هو "التوراة"(2)، وقد أحرقها نبوخذ نصر ملك بابل عام 586ق.م. "ودمّر أورشليم والمعبد، وسبى اليهود إلى بابل، فبقوا هناك حتى عام 530ق.م، حيث احتل قوروش ملك الفرس بابل، وسمح لهم بالعودة إلى فلسطين، فرجع بعضهم إليها، وأعادوا كتابة التوراة من جديد"(3). أما الصابئة فهم جماعة "يعتبرون يحيى بن زكريا نبياً لهم، قدسوا الكواكب والنجوم"، أقاموا في "فلسطين" ثم هاجروا إلى "حرّان" حيث استقروا في جنوبي العراق وإيران من كتبهم "الكنزاربّا"، وفيه تعاليم النبي يحيى عليه السلام، وسيرته(4). والنصارى: هم المؤمنون بالمسيح عيسى بن مريم عليها السلام، ومن سبقه من الأنبياء وكتابا النصارى المقدسان هما: "التوراة" وهو العهد القديم، والإنجيل وهو العهد الجديد، وقد اعترفت الكنيسة بأربعة منها هي: إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا، ولم تعترف بإنجيل برنابا"(5) ومن الجدير ذكره أن جميعها ليست من إملاء السيد المسيح عليه السلام. وفي تعريف المجوس يذهب الباحثون إلى أنهم المؤمنون بزردشت، وكتابهم المقدس هو "إستا"، ويعتبر هؤلاء القوم أن النار جوهر شرف علوي لأنها لم تحرق إبراهيم، وكانت برداً وسلاماً(6). مقابل هؤلاء المؤمنين برسالات السماء، يبرز ﴿الَّذِينَ أَشْرَكُوا ، في الآية الكريمة الحج 17، وهؤلاء هم عبدة الأصنام، وأصول مذاهبهم الوثنية الصابئة(*)، البرهمانية، والبوذية، وقد كان هناك أقوام آخرون يعبدون الأصنام أيضاً، لكنهم لم يبنوا عبادتهم على أصل منظم ومن هؤلاء عرب الحجاز(7).

وبذلك نجد أن كل من تقدم ذكرهم، هم من الكتابيين، غير أن النص القرآني الذي تناول أهل الكتاب والذي جاء ذكره في القرآن ثماني وعشرين مرة، لم يكن دائماً يختص بجميع هذه الطوائف، ذلك أنه مرة كان يتوجه إلى اليهود والنصارى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (آل عمران: 65). وثانية: لليهود بخاصة: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ.. (البقرة: 109). وثالثة: كان يعني النصارى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ... (آل عمران: 64). غير أن الملاحظ أن أكثر الآيات تشرك اليهود والنصارى معاً في الخطاب، ولعل سبب ذلك هو رجوع الطائفتين إلى "مبدأ واحد وهو شعب إسرائيل الذين بعث إليهم موسى وعيسى عليه السلام"(8).

أهل الكتاب بين الكفر والإيمان:
تقدّم معنا أن اللَّه تعالى نسب إلى "أهل الكتاب" الإيمان، ووضعهم في مقابل المشركين، كونهم آمنوا برسله، والكتب التي جاؤوا بها كما أنهم آمنوا باليوم الآخر، والحساب ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً (البقرة: 80)، ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى(البقرة: 111) على أنهم في إيمانهم لم يوافقوا الحق بوجه، كقولهم المسيح ابن اللَّه، وعزير ابن اللَّه، فكانوا بذلك يتساوون مع الذين كفروا من المشركين الذين اعتبروا "أن من الآلهة من هو إله أب وهو إله ابن إله"(9). ذلك أن عدم الإيمان باللَّه، أو باليوم الآخر هو كفر، كما "أن الكفر بأحد الأمرين معاً هو كفر باللَّه، والكفر باللَّه كفر بالأمرين جميعاً"(10). وبذلك نرى أن أهل الكتاب لهم شبه بالمسلمين من جانب، وشبه بالمشركين من جانب آخر، ولذا فإن اللَّه تعالى منع من قتالهم، فيما أجاز قتل المشركين الذين يقفون بوجه المسلمين ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة: 36)، في حين أن القرآن سمح بالعيش مع أهل الكتاب، في صورة ما لو احترم أهل الكتاب الإسلام، ولم يتحركوا بالمؤامرة ضده أو يكون لهم إعلام مضاد"(11).

من كل ما تقدم يتبيَّن أن أهل الكتاب هم اتباع ديانات السماء آمنوا باللَّه ورسله، وكتبه، بعضهم انحرف عن خط اللَّه، فأباحوا المحرمات، ودعاهم اللَّه إلى الإيمان بالإسلام فمنهم من آمن، ومنهم من أعرض، فاستحق الحرب والقتال، وإن استسلموا فُرضت عليهم الجزية كي لا يشيعوا المحرمات في المجتمع، ويحبسونها بينهم وبين أنفسهم.


(1) الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1974- 1394، م، ط5، ج9، ص237.
(2) م.ن، ج14، ص392.
(3) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الرياض، 1409ه، ص228.
(4) م.ن، ص228.
(5) الطباطبائي، محمد حسين، م.س، ج14، ص392.
(6) محمد، حسين علي، قاموس الأديان والمذاهب، دار الجيل، بيروت، 1419ه، ص210.
(7) الطباطبائي، محمد حسين، م.س، ج14، ص392.
(8) م.س، ج5، ص129.
(9) م.س، ج9، ص238.
(10) م.ن، ج9، ص238.
(11) الشيرازي: ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل، مؤسسة البعثة، 1413هـ، ط1، مج5، ص531.
(*) الإمام الخامنئي حفظه اللَّه يثبت في بحثه أن الصابئة من أهل الكتاب الذين كانت تعنيهم الخطابات القرآنية: "يا أهل الكتاب".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع