إعداد: عبد الحليم حمود
ولد هنري تولوز لوتريك عام 1866 في إحدى قرى فرنسا، وكان منذ طفولته يعاني من المرض، ولحسن الحظ كانت أمه تتفهم أحوال صحته العليلة وتوليه دائماً حنانها ورعايتها ومساندتها. عندما كان تلميذاً، أمتع أصحابه برسوماته في كتب الدراسة، ولكن قلق أمه على صحته دفعها لإخراجه من المدرسة في عام 1874، ومما زاد من معاناته تعرضه في خلال السنوات الخمس التالية إلى كسر فخذيه وتأخر نموه الطبيعي لإصابته بضمور وضعف العضلات. وبتشجيع من والديه وأصدقائه انغمس تماماً في رسوماته لكل ما رآه بحثاً عن النسيان والمتعة ويبدو أن حركة الجياد والطيور في لوحاته كانت عزاءه عن ضعف بنيان جسمه وعجزه.
عام 1882 سافر لوتريك إلى باريس، وتتلمذ هناك على يد رسامين كبار واتسعت دائرة معارفه من الفنانين، ورغم تأثره بأساليب أساتذته إلا أن رسوماته خاصة الصور الشخصية، كانت رائعة وتحمل سمة مميزة. كان يعرف كل المدارس الفنية، ولكنه كان يأخذ منها ويعدل فيها بحيث تنبع لوحاته من ذاته وعبقريته وتحمل بصمته، ومثل عظماء الفنانين فقد كون رؤية شخصية له. في مرسمه بحي مونمارتر كان هنري يجلس وهو ينظر بعينين دامعتين إلى ساقيه الملتويتين، متمنياً لو استطاع أن ينتزعهما من جسده ويلقي بهما في قاع السين، فيتخلص من عذابهما إلى الأبد... لم تترك له ساقاه فرصة ينعم فيها بما ينعم به الناس من حرية الحركة والإستمتاع بالحياة. من أروع أعماله لوحاته عن مقهى الطاحونة الحمراء وكذلك صوره الشخصية التي رسمها، خاصة لوحته عن "فان غوخ".