مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فنون‏: "بانوراما "وارثمشاهد عاشورائية بالصوت والضوء

عبد الحليم حمود

 



"وارث" هو عنوان البانوراما العاشورائية التي نظمتها وأنتجتها وحدة الأنشطة الإعلامية في حزب اللَّه.
المكان: قاعة حديقة بلدية الغبيري الجناح.
الزمان: من 25 آذار ولغاية 6 نيسان.
التوصيف: عرض بالصوت والضوء والرسوم والمجسمات.
الموضوع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء حيث واقعة الاستشهاد وأبرز محطاتها وعِبَرها.
الإخراج: هداية السنان.


* اللوحات‏
قبل الدخول إلى قاعة البانوراما، يستوقف الزائر لوحات تشكيلية عدة للفنان أحمد عبد اللَّه، مستوحاة من الحدث العاشورائي، في قالب تجسيدي تراجيدي يطغى عليه الحدث المأساوي بمفرداته: الدم، الموت، الدمع، الجياد المحنية الرؤوس، النساء الثكالى، السيوف والرماح والسهام المغروزة في الأجساد كما في التراب. لوحات نفذها أحمد عبد اللَّه بألوان الخشب والماء.

* مراحل التحضير
بعد الجولة على اللوحات جلسنا على الكراسي لمتابعة فيلم قصير يمثل مراحل التحضير للبانوراما العاشورائية من التقنيين إلى الفنيين والممثلين والمنشدين والموسيقيين، فالتحضيرات أخذت ما يقارب الشهرين من العمل الدؤوب ولا نبالغ إذا قلنا الشاق. التحقيق تضمن شهادات لبعض المشاركين في العمل حول المهام الموكلة إليهم. فنرى أيمن جابر وهو يحكي عن تصميم الديكور وجهاد الأطرش وهو يصف تجسيده للأصوات وأهمية العمل كما نشاهد أحمد عبد اللَّه وهو يرسم ثم يشرح كيفية وأسباب اختياره للزوايا المرسومة... لقد أظهر الفيلم مدى تداخل وتضافر الجهود في العمل وهو الشكل الذي يرتهن نجاحه بالمخرجة هداية سنان.

* عند مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله
ما هي إلاّ لحظات حتى دخلنا إلى قاعة البانوراما، المكان مجهول بالنسبة إلينا، فنحن لم نعرف ماذا ينتظرنا تماماً في الداخل، خطوات أولى أوصلتنا إلى غرفة مظلمة، ربما هي مرحلة تحضيرية للدخول في الحالة. خطوات أخرى، أدخلتنا إلى بداية البانوراما حيث القاعة مغطاة تماماً بالقماش الأسود، ثم نرى ضوءاً خافتاً ثم تتسع مساحته وترافقه موسيقى، ثم يتضح المشهد، إنه الإمام الحسين عليه السلام في المدينة المنورة عند مقام جده رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم 28 رجب عام 60ه. المشهد عبارة عن مجسم للإمام وهو يلامس ضريح جده فيخاطبه ويناجيه والإجابة نسمعها بالصوت الذي أقنعنا نظراً للحركة في الضوء والعمل على الصوت وصداه بمرافقة الموسيقى المعبّرة والمنفذة خصيصاً للعمل.

* الوصول إلى كربلاء
المشهد الثاني: يصور الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه من مكة المكرمة بعد أدائه مناسك الحج يوم 8 ذي الحجة عام 60ه، وهنا نلاحظ اختلافاً في اختيار زوايا المشهدية من خلال منظر واقعي مباشر يمثل الحجاج وجزءاً من الكعبة المشرفة. أما المشهد الثالث: فهو يمثل وصول الإمام إلى كربلاء في 2 محرم عام 61ه وسؤال أصحابه عن اسم تلك الأرض، وفي هذا المشهد نرى مؤثراً خاصاً يتمثل بالدخان الذي يتسلل إلى المكان لإعطاء بُعد جديد يبرر الدخول في التفاصيل التاريخية أثناء الشروحات عن المكان.

* حوارات‏
المشهد الرابع: يجسد الحوار بين الإمام الحسين عليه السلام وعمر بن سعد قائد جيش يزيد بن معاوية يوم 3 محرم عام 61هـ، في حين يمثل المشهد الخامس تجمع الإمام مع عدد من أصحابه حول موقد النار (اشتغلت بتقنيتي الهواء والضوء) وهي لحظة حوار الإمام الحسين عليه السلام مع أصحابه ليلة العاشر من محرم عام 61ه.

* هطول الدم‏
المشهد السادس: يظهر بداية المعركة واستشهاد أصحاب الإمام عليه السلام وهنا نرى بداية العلاقة البصرية بالحدث الرئيسي حيث التكثيف الفعلي للتاريخ وكأنه ذاب كلياً ليتجسد بهذه اللحظات الخاصة ليعيد التاريخ تكوين ذاكرته الجديدة بعمقها الرسالي وفلسفتها المتمردة على مألوف الأحداث حيث كان السيف ينتصر على الدم، بينما تشهد هذه اللحظات انتصار الدم على السيف. المشهد السابع: يحمل تصاعداً درامياً فهو يعبّر عن استشهاد علي الأكبر رضي الله عنه ابن الإمام الحسين عليه السلام والقاسم رضي الله عنه ابن الإمام الحسن عليه السلام، وهنا نرى أن جدلية الضوء والصوت والموسيقى قد تخضبت بالدم، الدم المباشر والدم الرمزي. استشهاد أبي الفضل العباس عليه السلام أخي الإمام الحسين عليه السلام يمثّل في المشهد الثامن، فنرى الكفين المبتورتين والجسم الممدد على التراب والدم الذي عانق الأرض والسهام المغروزة كأظافر في الجسد الطاهر.

* استشهاد "وارث"
المشهد التاسع: كان الوداع الأخير ففيه استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وطفله الرضيع عبد اللَّه، وفي هذا المشهد نرى الصمت قد خيّم على كل جوارحنا رغم صخب الحدث والضجيج الذي يفرضه المشهد ورغم أن الضرورات الفنية استحضرت الأصوات والموسيقى والضوء بتدرجاته من الأصفر إلى الأحمر ومن الأخضر إلى الأزرق. هنا الصمت كان في ما وراء المشهد وفي الحدث الذي ما برح يكبر ويعيد تمظهره وتمتين أدواته لتبقى العبرة حاضرة وبالقوة والحرارة التي تحاكي حرارة الدم في الصحراء.

* وارث النصر والشهادة
في المشهد العاشر والأخير: نرى الإسقاط على الحاضر قد تجلى بكل أدواته فنرى امتداد الثورة الحسينية من خلال مشاهد مصورة لعودة الإمام الخميني قدس سره إلى إيران لحظة قيامة الشعب للانتفاض والانقضاض على الطاغية، كما نشاهد الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله والشهيد السيد عباس الموسوي الذي نعود لنراه محمولاً في نعشه على الأكف بعد استشهاده وهنا نلمس الربط المباشر بين العاشر من محرم عام 61ه. وبين لحظة استشهاد السيد عباس بمعناه الجهادي والرسالي، وهنا نرى بأم العين خيط الدم الرفيع والمتين الممتد من صحراء كربلاء إلى ربوع جبل عامل.

* إعداد النص‏
على إعداد النص اشتغلت نسرين إدريس فنجحت في أماكن عدة في إيصال الخطاب بحرفيته دون تحوير وهو سيف ذو حدين، حيث أنّ اقتطاع عبارات قليلة من نص طويل قد يؤدي إلى هوّة في الخطاب وإيصال مدلولاته، وهو ما حصل في أماكن قليلة جداً. أداء الأصوات والموسيقى‏ لقد أبدع الممثل جهاد الأطرش في أدائه الصوتي واستطاع أن يعطي الزخم والعمق المطلوب للمشهدية، فحرك المشهدية الجامدة في أكثر من مكان. ومن الأصوات البارزة أيضاً نتوقف عند أداء علي قازان والشيخ حسن بحمد والشيخ علي سليم وباقر شحرور ورباب الحسن وعلي مدلج ومريم قبيسي. أما الموسيقى فشكلت عنصراً محورياً للانسجام مع العمل وغاياته فخاطبت الأحاسيس والوجدان مع العازفين: أيمن فواز، رضا نور الدين وناصر كلاس.

- الديكور
إذا نظرنا إلى الإمكانيات المتاحة والوقت المعطى والمساحة، نجد أن الديكور كان أكثر من موقف في إيصال الروحية التاريخية، وقد برع المصممان أيمن جابر وطلال الحاج حسن في إضفاء لمسات جمالية وتعبيرية مستمدة من الثقافة البصرية والذاكرة المتخيَّلة للماضي.

- الرسوم‏
في خلفيات كل المشاهد حضرت الألوان والخطوط مع أكثر من فرشاة فحضرت بصمات أحمد عبد اللَّه وطلال الحاج حسن ويوسف صقر، لتعطي للمشهدية تكاملها وعمقها البصري مع مراعاة للأبعاد والنسب والظل والنور.

- الإضاءة
شكلت الإضاءة مركز الثقل في البانوراما العاشورائية، فكانت مع المؤثرات رافعة هامة للعمل، مما أضفى عليه مساحة من التعبير والسحر الذي يغلف أحاسيس الزائر ويدفعه للدخول في مساحات الحدث، علماً أن الإضاءة والمؤثرات من تنفيذ حسين حسن. "وارث" عمل على سكة النضج وهو نقطة مفصلية في أساليب تقديم السيرة الحسينية وهو لا بد سينعكس إيجاباً على أفكار وأساليب أخرى ستتوالد تباعاً.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع