مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آداب الرئاسة والمسؤولية


عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهم إني أعوذ بك من(...) سوء الولاية لمن تحت أيدينا"(1)، هناك نقطتان أساسيتان تؤسسان لعلاقة الرئيس بالمرؤوس لا بد أن يلتفت إليهما الرئيس، وهما:

أولاً: إن كون المرؤوس يعمل في أمرتك فهذا لا يعني أنك أفضل منه على المستوى المعنوي بل لعله خير منك عند اللَّه سبحانه وتعالى، ولعلك تحتاج لشفاعته في الآخرة، بسبب كماله ونقصك.
ثانياً: أنت رئيسه لتنظيم العمل فقط ولست رئيسه بشكل مطلق، فليس من صلاحيتك استخدامه في الأمور الشخصية مطلقاً، بل حتى في الأمور غير الشخصية ما دامت خارجة عن إطار العمل ومسؤوليتك التي تتصدى لها تنظيمياً. عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إن عملك ليس لك بطعمة(2) ولكنه في عنقك أمانة وأنت مسترعى لمن فوقك ليس لك أن تفتات(3) في رعية"(4) إن أي استخدام شخصي له هو استخدام بغير حق ومحرم إذا كان بنحو الأمر والإلزام، بل احذر حتى من استخدامه بأسلوب الاستحياء، فإن المأخوذ حياء كالمأخوذ غصباً. وقد ورد في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فلا يستتبعن ولده، فإنه إن فعل ذلك كان حراماً ودخل غاصباً"(5) فلاحظ كيف أن الحياء غصب في الحقيقة.


* مخاطر الرئاسة
إنّ من يتولّى الرئاسة عليه أن يحذر فإن الرئاسة امتحان صعب يفشل أمامه الكثيرون، ولا يبقى لها إلا أولياء اللَّه المخلصون الذين لم تزلزلهم زخارف الدنيا وكثرة خفق النعال خلفهم، فالمسؤولية طريق لكسب رضا الباري ونيل الدرجات العلى، لا للسقوط في الدنيا واستصغار المؤمنين والعياذ باللَّه! ورد في وصية أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر رضوان اللَّه تعالى عليه: "ولا تقولن إني مؤمَّر آمر فأُطاع فإن ذلك إدغال(6) في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الغير. وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك اللَّه فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يُطامن(7) إليك من طماحك(8) ويكف عنك من غربك(9) ويفي‏ء(10) إليك بما عزب(11) عنك من عقلك"(12). لذا فعلى المسؤول أن يسعى دائماً لمراقبة نفسه وتأديبها بالخصال الضامنة له لجهة إنجاز التكليف وعدم الانحراف.

* الصفات الضامنة
إن لسلوك الرؤساء ونشاطهم وأساليبهم في التعاطي مع المرؤوسين أثراً أساسياً في العمل ينعكس بظلاله على فعالية الجهاز والمؤسسة كلها، فالرئيس يتحمل مسؤولية كبيرة في حث المرؤوسين على العمل وتفعيل طاقاتهم الكامنة، وتنسيق جهودهم وإيصالها إلى مرحلة قطف الثمار بأقصر طريق وأقل كلفة على المستوى المادي والمعنوي، ضمن الأجواء التي يرضاها اللَّه تعالى والتي رسمها لهم الإسلام العزيز، من هنا ينبغي على الرؤساء في أسلوبهم مع المرؤوسين أن لا ينسوا الإسلام والمفاهيم الإسلامية الأصيلة والصحيحة، ومن هنا عليهم التحلي بالصفات التالية:

1- القدوة:
فالمطلوب من الرئيس أن يكون قدوةً لمرؤوسيه، يتقدم أمامهم ويقدم لهم النموذج العملي ليشكل أسوة لهم يضعونها بين أعينهم لتنفيذ المخططات بروحية عالية وبأسلوب واضح، يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "يجب على القادة أن يكونوا في جميع تصرفاتهم لائقين وقدوة للآخرين، فَيُعَلِّموا بعملهم النظام والتقوى"(13). فالرئيس يجب أن لا ينه المرؤوسين عن قبيحٍ ويأتي مثله، ولا أن يطلب منهم أمراً حسناً قبل أن يلتزم به بنفسه، ولا يميز نفسه عنهم، إلا بكثرة الخدمة والإيثار والجد... فهذا ما يجب أن يسابقهم إليه. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تكن ممن يرجوا الآخرة بغير عمل ويرجِّي(14) التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأت، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ويبغض المذنبين وهو أحدهم"(15). ويقول عليه السلام: "من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه"(16). وهذه الطريقة هي الطريقة المؤثِّرة التي تبعث الحيوية في المرؤوسين، والاكتفاء بالتوجيهات اللفظية سيفقد العمل حيويته وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر"(17).

2- المساندة المعنوية:
إن الاستخفاف بالأخوة العاملين والاستهانة بهم والاستهزاء بأعمالهم واستصغارها والبحث عن الثغرات لتعييب العامل لا للإصلاح والمساندة، كل ذلك من الأمراض الخطيرة التي يجب أن يتفاداها الرئيس يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "(...) لا ينفع عبداً وإن أجهد نفسه وأخلص فعله أن يخرج من الدنيا لاقياً ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها: (...) يعُرُّ(18) بأمر فعله غيره"(19).

3- عدم العجب والمن:
"وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور الحق والخلف يوجب المقت عند اللَّه والناس، قال اللَّه تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(20). ولم يكتف الإمام عليه السلام بالمنع عن المن والتزيّد التي هي ممارسات وأفعال بل ذهب إلى النوايا التي تبقى داخل الإنسان أيضاً ولفت إلى خطورة حتى الشعور والإحساس بمثل ذلك، يقول عليه السلام: "إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن"(21).

4- إثابة المحسن‏
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تَضُمَّنَّ بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرنّ به دون غاية بلائه، ولا يدعُوَنَّك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيماً"(22). إن إثابة المحسن لها أثرها الكبير في حماس العامل ومبادرته بأعلى طاقة يملكها لسد الفراغات، هذه الإثابة التي تشعره بأن عمله هو بعين المؤمنين كما كان بعين اللَّه تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، يقول الإمام الخامنئي حفظه اللَّه: "من الأصول التي يجب على القادة أن يهتموا بها أصل رعاية الضوابط والمعايير داخل المؤسسة العسكرية، وأعني بذلك مسألة الترغيب والترهيب، فعليكم أن تمارسوا هذه المهمة بجدية"(23)، فالترغيب هو مهمة وتكليف بالنسبة لرئيس عليه أن ينفذه في حق المرؤوس، لأن الإنسان روح ذات مشاعر وأحاسيس وليست آلة صمَّاء، ولا بد من رعاية هذه الجوانب الإنسانية من خلال التشجيع والثواب الذي يستشعره معنوياً ويحثه على العطاء أكثر.

5- معاقبة المسي‏ء:
بالإضافة إلى الثواب هناك العقاب الذي ينبغي أن لا نغفله أيضاً لضبط الأداء والمحافظة على النظام وعدم حصول الفوضى والتهاون. وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تمنعنَّكُم رعاية الحق لأحد عن إقامة الحق عليه"(24)، وهذا أمر مارسه عليه السلام في أيام حكومته، يقول الإمام الخامنئي حفظه اللَّه في خطابه لقوات حرس الثورة: "... أمير المؤمنين عليه السلام عاقب ذلك الرجل الذي لم يطع أمره... وأنتم عليكم أن تفعلوا كذلك، فلا تقولوا أن فلاناً رجل حسن وجيد لهذا ينبغي أن لا نعاقبه على عمله السيئ الذي ارتكبه، وإذا لم تقوموا بهذا الأمر فسيقضي الحرس على نفسه بنفسه"(25). نعم إن التغاضي عن المخالفات خصوصاً الكبيرة منها سيكون لها تأثير سلبي جداً على العمل، يقول الإمام الخامنئي حفظه اللَّه: (أيها القادة، إذا لم تواجهوا الأخطاء والمخالفات داخل الوحدة التي تتولونها فستنكسر هذه الوحدة وتتلاشى((26). وهذا التصرف ليس غريباً عن الإسلام بل هو يعبر عن الإسلام العملي الذي يعيش الواقع ويشرّع ليصلح شؤون الأمة، يقول الإمام الخامنئي حفظه اللَّه: "عندما يأمر القائد أحد عناصره بالذهاب لمل‏ء دلو بالماء تحت دوي القذائف التي يطلقها العدو، ويقول له يجب عليك أن تذهب وتعود راكضاً ولا يحق لك أن تستريح إذا تعبت وسط الطريق، وإذا فعلت ذلك سأعاقبك، فإذا فعل القائد ذلك فلا إشكال، فهذا النوع من النظام الشديد والانضباط الخشن يمكن استخدامه، وليس فيه تصرف طاغوتي، وهو أمر إسلامي تماماً"(27).

6- منع الاهانة:
لكن كل ما ذكرناه من موضوع العقاب لا يعني سقوط حرمة المؤمن وإهانته، بل يجب مراعاة عدم الإهانة، والمحافظة على الجو الإسلامي الصحيح حتى في العمل العسكري وضمن التشكيلات العسكرية، يقول الإمام الخامنئي حفظه اللَّه: "في القوات المسلحة يجب قلع الإهانة، فالإهانة ممنوعة من أي شخص وضد أي شخص والذي يفعل ذلك يحاسب، وهذا لا يتعارض مع مطالبة شخص صدر منه خطأ، ولكن يجب أن يكون بعبارات مناسبة"(28). وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أحبَّ لعامة رعيتك ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك"(29).

7- التسامح:
الكلام عن معاقبة المسي‏ء لا يعني أن تتحول طبيعة العمل إلى مجموعة قوانين عقابية وأن تصبح القسوة هي الحاكمة في التعاطي مع المرؤوسين، بل ينبغي بقاء مساحة للتسامح واللين لا توصل إلى الفوضى ولكنها في نفس الوقت لا تلغي الليونة والفرصة الجديدة... يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك اللَّه، من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، واللَّه فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم"(30).


(1) الصحيفة السجادية، ص‏57.
(2) طعمة: بضم الطاء، المأكلة؛ خبيث الطعمة، أي ردي‏ء الكسب.
(3) تفتات: من الفوت، يقال: افتات فلان على فلان، أي إذا فعل بغير إذنه ما سبيله أن يستأذنه فيه، كأنه سبقه إلى ذلك الأمر أو الفعل.
(4) نهج البلاغة، ج‏3، ص‏6، من كتاب له إلى الأشعث بن قيس.
(5) الكافي، ج‏6، ص‏27.
(6) الإدغال: إدخال الفساد.
(7) يطامن الشي‏ء: يخفض منه.
(8) الطماح: النشوز والجماح.
(9) الغرب: الحدة.
(10) يفي‏ء: يرجع.
(11) عزب: غاب.
(12) من عهده عليه السلام لمالك الأشتر عندما ولاه مصر.
(13) جمهوري إسلامي 26 6 70.
(14) يرجِّي: يؤخِّر.
(15) نهج البلاغة، الحكمة 142.
(16) نهج البلاغة، الحكمة 73، ص‏16.
(17) نهج البلاغة، الحكمة 330.
(18) يَعُرُّ: عَرَّ، يَعُرُّ، عَرَّاً، أي عاب على غيره، لطِّخ غيره.
(19) نهج البلاغة، الخطبة 152.
(20) نهج البلاغة، رسالة 53.
(21) نهج البلاغة، رسالة 53.
(22) نهج البلاغة، الرسالة 53.
(23) جمهوري إسلامي 70 - 8 - 5.
(24) ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏659.
(25) نفس المصدر.
(26) جمهوري إسلامي 70 - 8 - 5.
(27) بيام انقلاب، عدد 112، ص‏54.
(28) ضميمة رويدادها، عدد 325.
(29) شرح نهج البلاغة؛ ابن أبي الحديد؛ ج‏6، ص‏72.
(30) نهج البلاغة، الرسالة 53.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع