مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أنقذوا زواج أبنائكم

الشيخ حسان محمود عبد الله

إنَّ العلاقة السليمة بين الأهل وأولادهم تنطلق من معرفة البِر وبالتالي حدود تدخل الأهل في زواج أبنائهم، فالله عزَّ وجلّ جعل عقوق الوالدين ذنباً كبيراً بعد الشرك وهذا ما يسبب الإشكال لدى بعض المؤمنين، لاعتقادهم أن عدم الاستجابة للوالدين في أي موضوع يكون عقوقاً، حتى ولو كان الموضوع يتعلق بحياة الأبناء الشخصية كاتخاذ الآباء القرار بالطلاق عن أبنائهم حيث يربك الأبناء ويخافون أن يكون رفضهم لطلب أهلهم في هذا الموضوع عقوقاً. فالبرّ ليس مطلقاً ليشمل هذه الحالة من أن تطيع والديك حتى لو أدى ذلك إلى ارتكابك الظلم الذي هو في حد ذاته ذنب عظيم. وقد أشار الله عزَّ وجلّ إلى ذلك بقوله
: ﴿
وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (العنكبوت: 7)

*دور الأهل في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (النساء: 35)
لقد استعمل الباري سبحانه وتعالى في هذه الآية تعبير ﴿حَكَمًا، والحكم هو الإنسان غير المتحيّز الذي يُعمل الحكمة في رأيه بعيداً عن عواطفه فيكون حكمه موضوعياً، بل تراه مع الطرف الذي لا ينتسب إليه برابطة النسب إن كان الحق معه وضد ابنه أو ابنته إن كان متجاوزاً للحق وظالماً.
ولكن المشكلة، في بعض الأحيان، تنحو باتجاه آخر وذلك من خلال تدخّل الأهل السلبي، عندما يعقّدون المشكلة بإصرارهم على الطلاق. فبينما تكون المشكلة بدايةً مع الزوجين إذ بها تتّسع لتشمل الأهل الذين يصعب إرضاؤهم، ولطالما سمعنا منهم قولهم: "أنت وجّهت إلينا إهانات في بيت فلان أو (فلانة)" أو يقول: "إن هي أرادت أن تعود إلى زوجها نكسر رأسها" أو يهددون ابنهم بالحرمان من الميراث أو بغضبهم عليه إن هو رجع إلى زوجته.
وكل ذلك يصعّب الحلّ وتصبح القضية بالنسبة للأهل قضية كرامة.
في أغلب الأحيان نرى أن تدخل الأهل يصل إلى مرحلة تزعج الزوجين اللذين يصلان إلى مرحلة التوافق والحل، فإذا ما دخل الشاب إلى القاضي ليحل مشكلته مع زوجته يطلب أن لا تدخل أم الزوجة، وأيضاً إذا ما دخل مع الزوج أمه تطلب الزوجة خروجها. ويكون الجواب دائماً القول: "المشكلة أصلاً بسببها، أو بسببه (الوالد)".

*الدور السلبي للأهل
وفي بعض الأحيان لا يكون لتدخل الأهل الدور الإيجابي في حل مشكلة أبنائهم، وتعود أسباب ذلك إلى أمور عديدة، منها:
1– إعمال العاطفة
إن تدخل الأهل في الكثير من الأحيان يحمل الطابع العاطفي وهذه العاطفة تدفعهم إلى التصرف بعصبية ما قد يؤدي إلى أن تقابل بعصبية أخرى من الزوج أو الزوجة فتتفاقم الأمور بدل الحل.

2– استقواء أحد الزوجين بأهله
إن وقوف الأهل مع ابنهم في خطئه كيفما كان يؤدي به إلى الاستمرار في الخطأ حيث إنه يجد من يناصره ويُزين له عمله ويصوره صواباً.
ومن ذلك، مثلاً، خروج الزوجة من بيتها نتيجة خلاف مع زوجها، قد يُستقبل بحفاوة من أهلها ويصرّون بالتالي أن يأتي الزوج إليها ويعتذر ويعيدها إلى بيتها فيما يرى الزوج من ناحية أخرى أنها خرجت وحدها فلتعد بنفسها إلى بيتها.
من الناحية الشرعية فإن خروج المرأة من البيت من دون سبب قاهر كالطرد أو الضرب أو التضييق الشديد غير المحتمل عادة، أمر غير مقبول شرعاً. والتعاطي من قبل الأهل مع الموضوع، بهذه الطريقة، أيضاً لا يحل المشكلة، بل يُعقّدها، والذي يجب البحث عنه هو الحل الموضوعي الذي قد يكون في بعض الحالات أن يتدخل أقارب الزوجين على قاعدة ﴿حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ويلتقيان بالزوج ويبحثان المشكلة ويضعان أساساً لحلها بالتراضي.

3 - عدم المبادرة إلى الحل
من المشاكل التي تظهر في موضوع الأهل أن لا يبادر هؤلاء إلى حل المشاكل الطارئة في حياة أولادهم الزوجية، وترك الأمور على ما هي عليه والتي تتفاقم وتكبر بتدخل الجيران والناس من كل حدب وصوب... كلٌّ يعطي رأيه في الموضوع بطريقة عشوائية وغير مدروسة، وقد يقوم بعضهم بنقل كل ما يسمعه، مع زيادات، إلى الطرف الآخر، ما يساهم في توتير الأجواء أكثر ويجعل الحل أكثر صعوبة.

4 - تدخل الأهل في شؤون لا تعنيهم
إن تدخل الأهل في الحياة الزوجية يجب أن يكون تدخلاً مضبوطاً فلا يتدخلون في كل شاردة وواردة كتغيير فرش البيت مثلاً، دون مراعاة الوضع الاقتصادي للزوج أو ترتيب الأولويات لديه في بعض الأحيان كأن يحصل خلاف بين الزوجين ناشئ عن أن الأم جاءت لزيارة ابنتها فوجدت أن غرفة النوم صارت قديمة ومُكَسّرة، فتنتقد زوج ابنتها، ويُفتح من تصرف صغير مشكلة تتسع لتشمل كل العائلة...
فهكذا نوع من التدخل هو تدخل غير مبرر، بل هو فتنة غير جائزة وبذرائع واهية (حرص الوالدة على ابنتها أو ابنها).

5 - عدم الرضى عن الزواج منذ البداية
من أصعب حالات تدخل الأهل تلك الناشئة عن كون الأهل غير راضين عن اختيار ابنهم منذ البداية، ويقوم الولد بالزواج من دون رضى الأهل، فإذا بهم يتحينون الفرص للانقضاض على هذا الزواج وإنهائه وبذلك لن يكون تدخلهم إيجابياً، بل سلبياً دائماً. وكثيراً ما نسمع أُماً تقول لابنتها التي تزوجت من دون رضاها لكن مع إذن أبيها عبارة: "لو بقي في عمري يوم سأُطَلّقك منه" أو العكس فيما لو تزوج الابن من زوجة لم يرتضوها منذ البداية. وهنا لا بد للأهل من أن يعرفوا أن ابنهم لم يعد ذلك الولد الصغير الذي يفرضون عليه رأيهم.

والزوج عندما يستنصحنا في هذا الموضوع نقول من الأفضل تأجيل موضوع الزواج إلى أن تستنزفوا كل الوسائل لإقناع الأهل. وفي نفس الوقت نحن نقول للزوجة: هل ترضين الزواج من دون رضى أهل الزوج؟
يجب أن يُدرس الموضوع بشكل دقيق جداً مع العلم أن الإسلام لا يمنع من الزواج من دون رضى أهله وليس من العقوق. نعم يستحب السعي لرضى الأهل من باب الإشفاق عليهم وتفادياً لمشاكل مستقبلية.
وأما الفتاة التي تخرج من دون رضى أهلها، وهي حالات تكثر في المجتمع، فإنني أدعوهن للتفكير ملياً قبل الإقدام على هذا العمل وحتى لا تضطر أن ترضى بالظلم وبالمعاملة السيئة إذا لا قدّر الله لم توفّق في زواجها. فالإنسان لا يقدر أن يتخلى عن أهله بهذا الشكل وبالتالي يفضل تحقيق رضى الأهل في العلاقات الزوجية.

*الدور الإيجابي للأهل
كما قلنا إن للأهل دوراً هاماً في حياة أولادهم. ولكي ينجح تدخّلهم لا بد من أن ينطبق عليه العناوين التالية:
1 - عدم التدخل إلا في المفاصل
إن الدخول المتكرر للأهل في حياة أولادهم يؤدي إلى فقدان هذا الدور قيمته، لذا لا بد من أن يكون التدخل، وبحكمة، في المفاصل الأساسية دون التفاصيل.

2 - الدعوة لحل المشكلة لا لتعقيدها
يجب أن يكون تدخل الأهل مع أولادهم في البداية بالدعوة للصبر والتحمل، واستنفاد كل الوسائل للوصول إلى حل حبي قبل اللجوء إلى ما يُعقد الموضوع ويذهب به نحو الطلاق.

3 - التركيز على الإيجابيات وتجاوز السلبيات
عندما يتدخل الأهل في مشكلة أبنائهم يجب أن يلتفتوا إلى إبراز إيجابيات كلا الزوجين للآخر والبُعد قدر الإمكان عن السلبيات خاصة تلك التي تؤدي إلى تأجيج الصراع وتوتيره ومحاولة إبداء المحبة التي يَكُنها كل من الطرفين للآخر والتأكيد على أن ما حصل إنما هو غيمة صيف عابرة.

4 - الاستفادة من الرصيد الذي يملكونه عند ولدهم ليتنازل عما يعيق الحل
يجب أن يعمل الأهل على استثمار المحبة التي يكنها لهم أبناؤهم والتأثير عليهم لمصلحة بقاء واستمرار الحياة الزوجية.

*الانعكاس السلبي للتدخل على الحياة الزوجية
قد يضطر الزوج أحياناً إلى السكوت على مضض أمام تدخّل أهل زوجته، إما لضعف في الشخصيّة أو حياءً منهما، وعندما يخرجان يبدأ بالضغط على زوجته وإفراغ ما تركه كلامهم من أثر سيئ لديه وهذا أيضاً قد يحدث بطريقة معاكسة مع الزوجة.
لذا، لا بدّ من رسم ضوابط وحدود لتدخلات الأهل خوفاً من انعكاس ذلك سلباً على الحياة الزوجية.

*تعامل الزوجين مع تدخلات الأهل
إن من أهم أسباب المشاكل التي تحدث بين الزوجين ما هو عائد لعدم تقدير كل منهما لعلاقة الطرف الآخر بأهله.
فعندما يكون الابن ساكناً في مكان بعيد عن أهله فالمشكلة تكون أقل تعقيداً، لأن الزوج لا بد أن يصل إلى حل مع زوجته ودون أي تدخلات تسمح للمشكلة أن تكبر وتتشعّب.
وفي الختام ننبّه الأزواج والزوجات إلى ضرورة مراعاة الأهل واحترامهم والتعامل معهم بلين ومحبة وحتى لو كان الزوج/ الزوجة يختلف معهم في الرأي والالتفات إلى الأمور التالية:
1– إلفات الأهل إلى أن بعض الأمور لا تُحل بتدخلهم وإنما هي خاصة بالزوج والزوجة وهما فقط ومن خلال الأسس التي تفاهما عليها من البداية يستطيعان حل المشاكل والخلافات بينهما.
2– وللزوج نقول: اتخذ في حياتك الزوجية بعض الإجراءات التي توفّر عليك مشاكل أنت بغنى عنها، كالسكن مثلاً بعيداً عن الأهل فتكون بذلك أقدر على حل خلافاتك الزوجية من دون أي تدخل أو مواجهة مع آراء الأهل.
3– على الزوج (أو الزوجة) أن يبدي منذ بداية الحياة الزوجية احترامه لأهل الطرف الآخر (زوج أو زوجة) وبالتالي يستطيع أن يطلب منه أو منها احترام أهله بالمقابل.
4– على الزوج والزوجة أن يتحلّيا بالروية والحكمة في حل المشاكل التي يحضر فيها الأهل، كأن يوافق الزوج مثلاً أهله على بعض آرائهم المخالفة لما تقوله الزوجة حتى يستطيع معارضتهم في أمور أخرى تسبب إزعاجاً حقيقياً لها، والكلام نفسه للزوجة.
5– وأخيراً للزوجين أن يطبقا مع الأهل سياسة "ادفع بالتي هي أحسن" مع المحافظة على الحقوق الزوجية. وهذا أمر ضروري لاستمرار الحياة المشتركة بين الزوجين مع الالتفات إلى مراعاة الأهل لكلا الطرفين على أساس برّهم ومودّتهم إلا أن ذلك لا يعني مجاراتهم في كل آرائهم، بل إظهار اللين والمحبة من جهة والتصرف بما يمليه الزوج مع زوجته وبالعكس. فلا مشكلة مهما كبُرت مع الزوج بحكمته والزوجة بصبرها والأهل بمراعاتهم لكلا الطرفين.


* رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين ورئيس المكتب التنفيذي لاتحاد علماء بلاد الشام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع