مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فرحة عيد الأضحى في تلبية الروح‏

هناء نور الدين‏

 



إنه نداء السماء يتعالى، يوقظ القلوب من جديد بعد أن علاها الرين والصدأ يحثها على السعي والمسير والإلتحاق بركب العبودية التي حملت قوافل الحجيج جماعات ووحداناً آمِّين البيت العتيق بهتاف "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك"... معلنين التلبية الحقَّة... ما أروعها! وما أجلَّها من كلمات! تحفر في قلوب قائليها مسار حياة معبَّد بأحرف نورانية، يمتزج معها القول بالعمل فترتقي إلى علِّيين مرددة: "إلهي، هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك"(1).

وأيُّ قدسية أعز وأبهج من أن نحلق في سماء العبودية وأن نفتح باب المعرفة لنقترب من عرش الطاعة والأمل وأن نتذوق حلاوة الإيمان كي لا نروم عن اللَّه بدلاً... لكن العروج إلى اللَّه صعب عسير، "لا يدرك إلا بامتطاء الليل" وعلى أجنحة الإيمان والتلبية لتفرح الذات وتقيم أعياداً بانتصارها على دنيا الملذات... إنه العيد الآتي، وقبل أن يأتي هتف المحبون والموالون شعارات التلبية وأعلنوا الولاء والطاعة وكان الفرح يزهو في نفوسهم وتمتلئ بهجة بأعيادهم. إنطلاقاً من هذه النفحات الوجدانية والمفاهيم الإلهية، كيف يمكننا أن نجسد مفهوم العيد في حياتنا؟ وكيف نظر الإسلام إليه؟ وما هي معاني ودلالات عيد الأضحى؟ قال تعالى في محكم تنزيله: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (المائدة: 114).

* رؤية الإسلام للأعياد
لقد أولى الإسلام الأعياد اهتماماً عظيماً، لما ترمز إليه من دلالات وتحمله من أبعاد تزخر بالمناسبات والأحداث والانتصارات الإسلامية التي تغذي شرايين الأمة على امتداد تاريخها، وتحييها بعد يباسها بالرغم من الفاصل الزمني بين اليوم والأمس البعيد، كما وتعيد لها حضارتها ومجدها المتألق الذي يربطها بخط الدعوة المباركة وبالإسلام المحمدي الأصيل... وذلك لما تحدثه هذه المناسبات من يقظة جماهيرية وتعبئة ثقافية وجهادية تتغلغل بعمق في النفوس المؤمنة فتستيقظ بعد غفلة... نذكر على سبيل المال، عيدي الغدير ويوم الجمعة، يوم دحو الأرض والمباهلة، بالإضافة إلى ذكرى ولادات الأئمة عليهم السلام... ومناسبات احتفت بها الأشهر القمرية هذا فضلاً عن الأعمال المستحبة والأوراد والأذكار الخاصة بهذه الأيام والتي تمثل بمجملها رياضة روحية وفكرية للإنسان تدفعه إلى التفكر باللَّه تعالى والخضوع له. بيد أن هناك عيدين عظيمين ارتبطا بركنين أساسيين من أركان الإسلام وهما الصيام والحج، فارتبط عيد الفطر بانتهاء الصوم، وعيد الأضحى بانتهاء فريضة الحج، ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة، بل شاءت الحكمة الإلهية ذلك، لتحقيق أهداف الإسلام، وقد أكدت السنة النبوية الشريقة على أهمية الاستعداد والاحتفاء بهما لأنهما يمثلان رمزاً إسلامياً ومدماكاً عبادياً وحضارياً على مستوى تطلعات الأمة وأهدافها. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله في كيفية الاحتفال بالعيدين قوله: "زيِّنوا أعيادكم بالتكبير" "زينوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس" وذُكر في صفة النبي أنه كان يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير لأن فيه إذاعة وانتشار أمر الإسلام وتمجيد اللَّه وحمده والثناء عليه وهي تعد من أفضل العبادات...

* رحلة الإنسان إلى اللَّه:
في شهر الحج يجتمع المسلمون من جميع أقطار العالم بجوار بيت اللَّه الحرام، ويعقدون المؤتمرات واللقاءات ويحيون الشعائر الإسلامية ومناسك الحج، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿َأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات (الحج: 27). وسمي الحج بهذا الاسم لأن المسلم يقصد مكة، والبيت الحرام، والأماكن المقدسة الأخرى كعرفات ومنى، والمزدلفة ليؤدي فيها المناسك والشعائر والهدف هو الإخلاص للَّه تعالى وتوحيده وقطع النظر عما سواه وقد اعتبره القرآن حق اللَّه على العباد وركناً أساسياً من أركان الدين. وقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "الحاج والعمار، وفد اللَّه يعطيهم ما سألوا، ويستجيب دعاءهم، ويخلف نفقاتهم"... وعن الصادق عليه السلام: "لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة". إذن، نستنتج من هذه الروايات وروايات أخرى أهمية التركيز على هذه العبادة لأن معاني الحج كثيرة، تزرع في الحاج أنواعاً من القيم ومكارم الأخلاق في كل فعل ونداء ومناجاة، فالإحرام، والتلبية، والطواف، والسعي والوقوف بعرفات... كلها أفعال ترمز إلى معانٍ ودلالات وأبعاد ورموز تُلخَّص في العبودية والتلبية والسير على الصراط المستقيم. من هنا كانت آثار الحج التكاملية على النفس والسلوك، وقد كشف لنا أئمتنا الأطهار عن كثير من المعاني الرمزية والأبعاد التربوية في كل عمل من أعمال الحج مما يوحي بأن مدرسة قائمة على الخضوع والعبادة. لذلك، اعتبر الحج هجرة الإنسان المؤمن إلى اللَّه حباً له، وشوقاً إليه، وتضرعاً وأملاً، ورجاءً، واعترافاً بالذنوب ويترجم هذا الحب والولاء بالعمل وتأدية المناسك كي تسمو روحه وينفتح عقله على الخير كله وقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إنما فرضت الصلاة، وأمر بالحج والطواف، وأشعرت المناسك لإقامة ذكر اللَّه".

وعندما يذكر اسم اللَّه عالياً فذلك من تحقيق شعائر الإسلام على مستوى العالم، حيث يزداد المسلمون وحدة وتمسكاً بكتاب اللَّه تعالى الذي أنزل في شهر رمضان المبارك... وفي هذا يقول الإمام الخميني رضي الله عنه: "ليس حجاً ذلك الحج الخالي من الروح والتحرك والقيام، والفاقد للبراءة والوحدة، وغير الداعي لهدم الكفر والشرك"(1) ويقول أيضاً: "لقد أقيم هذا البيت العظيم من أجل الناس، ومن أجل قيامهم"(2). والقيام للَّه وفي سبيل اللَّه يؤدي إلى معرفة اللَّه واليقين به والسير إليه... إذن حق على المسلمين أن يفرحوا بعدما أدُّوا الحج والعمرة، وبعد أن انتصروا على ذاتهم وهزموها وجاهدوا أنفسهم وعاهدوا اللَّه تعالى بقولهم "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك"... لقد اعترفوا بالعبودية والتوحيد، والحمد والتمجيد والملك والنعم الخالصة للَّه تعالى وخرجوا بلباسهم الأبيض وهو تحاكي قلوبهم الطاهرة لتِقترن العبادة بالسلوك والقول بالعمل...


(1) المناجاة الشعبانية، الإمام زين العابدين عليه السلام.
(2) الكلمات القصار.
(3) الكلمات القصار
.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع