إن عيد الأضحى المبارك، العيد الإسلامي الكبير، يعيد إلى الذاكرة قصّة القربان الإبراهيمي الذي يعطي للإنسان والأولياء والأصفياء دروساً في التضحية والجهاد والفِداء في سبيل الله. وهذا العمل العظيم، لا يدرِك عمق أبعاده التوحيديّة والسياسيّة إلا الأنبياء العظام والأولياء الكرام (صلوات الله عليهم) ومن اختصّه الله بالكرامة، أيضاً.
*علّمنا إبراهيم عليه السلام
إنّ أبا التوحيد، إبراهيم عليه السلام، محطّم أصنام العالم، علَّمنا وعلّم الإنسانية جمعاء أن التضحية والفداء في سبيل الله، ذوا أبعاد سياسيّة واجتماعيّة قبل أن تكون لهما أبعاد توحيديّة وعباديّة.
لقد علّمنا أن نقيم الأعياد عند التضحية بأعزّ ما نملك في سبيل الله، وفي سبيل إقامة دين الله والعدالة الإلهية. علَّمنا إبراهيم عليه السلام وعلَّم البشريّة جمعاء أن (مكة) و(منى) مذبحا العشاق، وهما مكانان لنشر التوحيد ونبذ الشرك، لأن التمسّك بالرّوح والأعزّة هو نوع من الشرك أيضاً، وأنه للمضي على طريق الحق وإقامة العدالة الإلهية وقطع أيادي المشركين والطواغيت، في هذا الزمان، لا بد من التضحية بكلّ عزيز، حتى وإن كان مثل إسماعيل، ذبيح الله.
*الطواغيت أخطر الأصنام
إن المحطّم للأصنام، إبراهيم عليه السلام، وسليله الكريم سيد الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، علّما البشرية جمعاء أنَّه لا بد من تحطيم الأصنام أياً كانت، وأنّه لا بد أن يطهّر العالم بأسره، انطلاقاً من مكة - أم القرى - وحتى آخر نقطةٍ على سطح الأرض، وإلى قيام الساعة، من دنس الأصنام أياً كانت: هياكل، أم شموساً وأقماراً، أم حيوانات أم بشراً. فأيّ صنمٍ أسوأ وأخطر من الطواغيت على مرّ التاريخ؟
أليس هؤلاء المستكبرون أصناماً كبيرةً تدعو العالم لإطاعتها وعبادتها بالترهيب تارةً وبالترغيب والتزوير تارةً أخرى؟ فالكعبة المشرفة هي المركز الوحيد لتحطيم هذه الأصنام. وقد توالى الأنبياء على تنفيذ هذه المهمة(1)، منذ آدم، إلى إبراهيم الخليل، إلى محمد المصطفى عليهم السلام ، وإلى أن يقوم سليله المهدي الموعود (روحي فداه) فيحطم أصنام زمانه من الطواغيت والظلّام، وتشعّ الأرض بنور التوحيد والعدالة الإلهية، من مركز التوحيد مكة المكرمة.
*جميع نداءات التوحيد من مكّة
لقد خاطب الله نبيّه إبراهيم حيث قال: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (الحج: 27)، وقال أيضاً: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ (الحج: 26). هذا التطهير يشمل كلّ أنواع الرجس، وأكبرها الشرك. ونقرأ في سورة التوبة قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ (التوبة: 3). فالمهدي المنتظر وعلى لسان جميع الأديان، وباتفاق جميع المسلمين سينادي من الكعبة، ويدعو البشرية جمعاء إلى التوحيد.
فجميع نداءات التوحيد علت من الكعبة ومن مكة، وعلينا نحن بدورنا أن نتابع المسيرة ونرفع نداءات كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة من هذا المكان المقدّس، وأن نحطّم أصنام زماننا. علينا أن نطرد الشياطين ونرميها بالجمار في عقبات، وعلى رأسها الشيطان الأكبر أميركا، لنؤدي بذلك حجّ خليل الله، وحجّ حبيب الله، وحجّ ولي الله المهدي المنتظر، وإلّا انطبق علينا القول (ما أكثر الضجيج وأقلَّ الحجيج).
*أُدعوا الله مجتمعين
والأمل في حجّاج بيت الله الحرام، من أي فرقة كانوا أو مذهب، أن يرفعوا أيديهم بالدعاء، وبشكل جماعي، في هذه البقعة والمشاعر الشريفة، لينصر الله الإسلام على الكفر العالمي، وأن يلحّوا في الدعاء من أجل أن يستيقظ المسلمون وحكوماتهم، عسى الله وببركة هذه البقعة الشريفة، أن يستجيب دعاءهم ويتفضل على المسلمين بعودة مجد صدر الإسلام العظيم، وقطع أيادي ناهبي الشعوب من الأجانب عن بلادهم، وأن يرسل على جميع المسلمين غَمام رحمته وغفرانه، إنه عفوٌ غفور.
*وصايا لحجاج بيت الله
وأرى أن أتوجه ببعض الملاحظات والوصايا لحجاج بيت الله الحرام خاصة ولجميع المسلمين عامة:
أولاً: من أهم ما يجب على الحجاج المحترمين والعلماء المرافقين لقوافلهم أن يصرفوا أوقاتهم فيه، هو تعليم وتعلّم مسائل الحج(2). ومن الواجب على الحجاج أن يجدّوا في تعلّم هذه المسائل ولا يتوانوا أبداً في ذلك، ليؤدوا مناسكهم عن علمٍ ودراية.
ثانياً: جميعنا يعلم، وعلينا أن نعلم، أنّ ما جرى على المسلمين، وخصوصاً في القرنين الأخيرين، سببه غفلة المسلمين عن المسائل السياسيّة والاجتماعيّة للإسلام. وقد كان للمستعمرين وعملائهم من المتغربين والمتشرقين دور أساسي في ترسيخ ذلك من خلال دعايتهم الواسعة والقوية، لدرجة جعلت علماء الدين يصدقون، ولا يزال بعضهم كذلك، أن على المسلم أن لا يتدخل في الشؤون السياسية.
لقد سعى هؤلاء المخادعون وعملاؤهم إلى عزل الإسلام، وتشجيع المتنسكين للانشغال أكثر بالأوراد والأذكار، والشبان على الاستغراق أكثر بلهوهم وملذاتهم ليشلّوا أذهانهم عن التفكير بالأمور السياسية وقضايا المجمتع، وعن الاهتمام بأمور المسلمين. وقد نجحوا في ذلك نجاحاً كبيراً واستطاعوا أن يجعلوا بلاد المسلمين مستعمرات لهم، وراحوا ينهبون ويستغلّون ثرواتها.
*الوحدة سبيل الخلاص
إن السبيل الوحيد لخلاص كل مسلمي العالم، بل كل المستضعفين والمستعبدين مما هم فيه من الذل والضعف، يتمثل في الوحدة التي أكد عليها القرآن الكريم كثيراً، والتي تحتاج في تحقّقها إلى الدعوة والتبليغ الواسع والمكثف. ومركز الدعوة والتبليغ لها هو مكة المكرمة، عند اجتماع المسلمين لأداء فريضة الحج، هذه الحركة التي انطلق بها إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله وسيواصلها في آخر الزمان المهدي المنتظر، أرواحنا لمقدمه الفداء.
*ليشهدوا منافع لهم
فقد خاطب جلّ وعلا خليله إبراهيم أنِ ادعُ الناس من مختلف الأقطار والأمصار أن يأتوا إلى الحج، ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ (الحج: 28), منافع على مختلف الأصعدة، وليستلهموا منك أعظم دروس التضحية في سبيل الله، وليتعلموا منك كيف تحطم أصنام الشرك، وليتعلموا معنى التوجُّه الخالص إلى الله حيث قلتَ: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام: 79) فعلينا جميعاً أن نقتدي بأبي التوحيد عليه السلام وبأبي الأنبياء الكرام عليهم السلام .
(*) نداء الإمام الخميني قدس سره لحجاج بيت الله الحرام في 25 ذي القعدة 1403هـ.ق، في طهران، جماران.
1- صحيفة الإمام، ج18، ص80.
2- م. ن، ص81.