مبارك لكل المحرومين في العالم هذا العيد، عيد الأضحى المبارك. يوجد في الإسلام عيدان للمسلمين وهما: عيد الفطر الشريف، الذي هو عيد "ضيافة الله"، وعيد الأضحى المبارك، الذي هو عيد "لقاء الله". ويُعدّ عيد ضيافة الله مقدّمة للقاء الله.
*طريق أولياء الله
إن الأمر الموجّه لنبيّنا إبراهيم عليه السلام أن ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (الحج: 27) هو لأن هذا الطريق يجب طيّه من خلال وليّ الله، وعبر أولياء الله. والنبي إبراهيم عليه السلام كان وليّ الله في زمانه وهو الوليّ لكلّ الأجيال. والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو الوليّ الأعظم للعالم بأسره، ومن خلال سلوك طريق هؤلاء الأولياء يمكننا الوصول إلى غايتنا.
فبعد طيّه كل هذه المراحل قال سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ (الأنعام: 79)، في حين كان الخطاب للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ (النجم: 8-9). وهناك فارق بين هذين الخطابين رغم أن كِلا المخاطبَين وصلا إلى ذُروة الكمال.
*بركات إلهية
من البركات التي ننعم بها، بركات الأدعية المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام. فأدعية الأئمة عليهم السلام - كما القرآن الكريم - هي بمثابة مائدة مفتوحة للتنعّم منها لجميع الناس ومن مختلف الشرائح. وهناك آيات يستفيد منها الفقهاء العظام، والفلاسفة، والأولياء، وهناك آيات اختص الله بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ووصلت من خلاله إلى أناس جديرين بها.
كما يتضمّن القرآن آيات نزلت في هذا المجال يستفيد منها أهل العلم، من قبيل:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (النور: 35)، [التي] عندما وصلت إلى أيدي الناس العاديين فهموها بمعنى [مُنَوِّرُ السمواتِ والأَرضِ]، في حين أن معناها ليس هذا. ويصدق الأمر نفسه بالنسبة للروايات.
كما تمثّل الأدعية المأثورة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام مائدة مفتوحة يمكن لعامّة الناس الاستفادة منها كلٌّ حسب مقدار فهمه، كذلك الفلاسفة، والمثقّفون والعلماء، وعبارات خاصة بالأولياء الذين لا يمكن لغيرهم الاستفادة منها، مثل دعاء عرفات الوارد عن سيد الشهداء الحسين عليه السلام في عيد الأضحى. ومع أن هذا الدعاء يفهمه أكثر الناس، لكن يوجد بين سطوره عبارات أخرى من الصعب استخدامها حتى بالنسبة للضّالعين في العلم والعرفان.
فهذه نِعَم عظيمة أنعم بها الله على عباده، وكل شخص يمكنه استخدام ما يسعه منها. كما هناك العديد ممّن يتصوّرون أنهم استفادوا من هذه العبارات لكن الحقيقة صعبة جداً، أي أن بعض الأمور يسهل تصديقها لكن مجرد تصوّرها صعب على الكثيرين.
*عبر وليّ الله
فعيد الأضحى المبارك وما أراده الجميع أن ﴿أَذِّن فِي النَّاسِ﴾ (الحج: 27) ليأتوا إليك يا إبراهيم، وليأتوا إلى رسول الله عندما كان الرسول موجوداً، أو يتوجّهوا إلى وليّ الله عندما يكون حاضراً، فهم يأتون إليه، والتوجّه نحوه هو نفس التوجّه نحو الله. من هنا جاءت الدعوة إلى الناس ليذهبوا نحو الله، مصحوبة بتوضيح أن الطريق نحو الله هو هذا الطريق: عبر وليّ الله.
فالعيد لإبراهيم عليه السلام ولذبيح الله (إسماعيل) الذي هو ثمرة وجوده، يتمثّل في استعداده للتضحية بنفسه امتثالاً لأمر ربّه، وكذلك الأمر لرسول الله، لذبيح الله في هذه الأمة، حيث فسّرت كلمة ذبيح الله بكلمة (فدية) أيضاً، وأطلقت في بعض الروايات على سيد الشهداء (الحسين). فقد ذهب إبراهيم عليه السلام إلى حدّ التضحية بابنه، إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل له فدية (للتضحية بها بدلاً من ابنه). كما أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بلغ ذلك الحد وحقّقه على أرض الواقع حيث حصل الذّبح فعلاً (للإمام الحسين). وهناك نماذج وأمثلة لهذه الأمور متداولة بين الناس، لكن مع تفاوت كبير له صلة بدرجات المعرفة ومراحلها.
*تضحية الشباب وجرائم القوى العظمى
أنتم تشاهدون في العصر الحاضر، عدداً من الشباب يضحّون بأنفسهم، ويتوجّهون نحو الشهادة. فتضحيات شبابنا الأعزاء وتضحيات آبائهم وأمهاتهم هي من نفس النمط لتضحيات السّلف. فشبابنا يذبحون بالطريقة نفسها التي نحرت بها الضحية المرسلة لتذبح بدلاً من إسماعيل حسبما جاءت به الروايات. ولا بدّ لنا من القول إننا عاجزون عن تصور مدى التضحية التي يقدم عليها هؤلاء الشباب. ونحمد الله على ما أوجدته هذه التضحيات من عزّة ورفعة للإسلام، وهي ستبقى خالدة على مرّ التاريخ.
وفي مقابل هذا الإيثار وهذه التضحيات من أجل الإسلام، هناك في الجانب الآخر من العالم جرائم فظيعة ترتكبها الدول الكبرى بحق البشرية جمعاء.
فالكلمات فقدت مغزاها في عصرنا الحاضر، وعاد كل شيء إلى الوراء، وطرأ تغيّر على الألفاظ والمعاني.
*كلُّ شيء من الله
إن أتباع النبي إبراهيم عليه السلام هم المنتصرون، لأنهم قالوا له: "لبيك". وفي كل الأحوال علينا تلبية دعوة إبراهيم ودعوة رسول الله، وبهذه التلبية نقدم التضحيات للحفاظ على عزّتنا وصيانة عزّة الإسلام.
المطلوب من شبابنا وشيوخنا، ونسائنا ورجالنا وأطفالنا ومن الجميع، أن يقدّموا التضحيات في سبيل الإسلام، ومن أجل عزّة الإسلام وعزّة وكرامة وطنهم وعزّة القرآن الكريم. ومن هذه التضحيات تحاشي الخلاف فيما بينهم، والمبادرة لإزالة ومعالجة أي اختلاف هامشي يحدث هنا أو هناك. ونحمد الله أنّ الجميع متّحدون فيما بينهم، ويسيرون للأمام بهذا الاتحاد الذي ستكون ثمرته الانتصار إن شاء الله.
وعلينا الالتفات دوماً إلى أنّ كل ما لدينا هو من نِعَم الله وكل شيء موجود له وحده [ألِغَيرِكَ منَ الظُهورِ ما لَيسَ لَكَ]. فإذا استطعنا غرس هذا المفهوم من أن كل شيء من الله في قلوبنا وأفكارنا، عندها لن يعترينا أي خوف من الهزيمة ولا من أي شيء آخر.
*القيام لله
قوموا لله عملاً بالآية الشريفة ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ (سبأ: 46). فمن بين كل المواعظ اختار الله سبحانه وتعالى هذه الموعظة
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ﴾ لأن فيها كل شيء، حيث إن كل الأمور موجودة ومتضمّنة في القيام لله. فالقيام لله يتضمن معرفة الله، والتضحية له، والإيثار من أجل الإسلام. ولهذا السبب فالموعظة الوحيدة التي اختارها الله سبحانه وتعالى من بين كل المواعظ هي
﴿أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ (سبأ: 46)، أي القيام والثورة بشكل جماعي أو فردي. فالقيام الفردي من أجل بلوغ معرفة الله والقيام الجماعي للوصول إلى مقاصد الله. وإني أدعو الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا وعليكم وعلى كافة الشعوب بالتوفيق والتسديد للسير في هذا الطريق وإنجاز كل الأعمال في سبيله ومن أجله.
إن الشخص الذي لا يؤمن بالله، ولا يؤمن بالمعاد والآخرة، ولا يفهم القيم الإنسانية السامية، لا يمكن الاعتماد عليه أو الثقة به. إنهم يريدوننا أن نكون مع أمريكا، لكنهم لا يعرفون ماذا تريد منا أمريكا. هي لا تريد أن تنفعكم بشيء أو تحقق لكم أي مكسب. فهي تريد الاستيلاء على ثرواتكم. ليوقظِ الله سبحانه وتعالى الجميع من سباتهم ويجعلهم يعون حقيقة ما يجري ويبارك لنا هذا العيد السعيد. وإن اليوم المبارك لنا هو اليوم الذي يُقطع فيه دابر القوى العظمى، وأيادي الخونة والجناة ويتخلّص فيه المظلومون والعالم من هؤلاء. وأتمنى أن يكون ذلك اليوم قريباً إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.