مع إطلالة شهر محرم الحرام تُفتتح أبواب الأحزان الكبرى، ويسترجع المؤمنون ذكرى مأساة الطف العظيمة ليعيدوا قراءة التاريخ، فيكونوا شاهدين عليه مع أمم ممن قبلهم.
ذلك أن التاريخ في الإسلام امتزج بعمق التشريع وجوهر الحقيقة، وليس هو مجرد تراث للماضين أو أمجاد يفخر بها الحاضرون، فمن خلاله يحكم المسلمون على قواعد يأخذون منها أحكام دينهم، وعلى أثره يرتبون كثيراً من ثوابت عقائدهم.
ومن هنا كان للتاريخ دوره الحساس، وفي عمق التاريخ كانت كربلاء لأنها شكلت منعطفاً خطيراً في حياة الإسلام، ولولا لاختلط علينا كل شيء ولغرقنا في لجج الشرك ومستنقع جاهلية ثانية.
وما أجمل ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، حين يقول: "إن بني أمية علموا الناس التوحيد ولم يعلموهم الشرك حتى إذا حملوهم عليه لم يقوموا عليهم". لأن بني أمية سمحوا بمرور التعاليم الإسلامية ولكنهم حاربوا كل إشكال الحديث عن الطاغوت والحكومات الظالمة التي هي أبرز مصاديق الشرك. ومن خلال هذا الحديث تعرفنا على أم الكبائر في حقيقة الأمر وقد كنا نظن أن الشرك ليس إلا عبادة الأصنام.
أما ثورة كربلاء فقد علمتنا معنى التوحيد الخالص في نفي كل شرك أو طغيان، وكانت أعظم مدرسة يدرك المؤمنون من خلالها حقيقة الطاغوت ولولاها لبقوا مشركين أبداً.
لقد نهض سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام وأظهر بثورته العظيمة حقائق التوحيد في كل مراتبه، في توجهه الخالص لرب العالمين وسفره الملكوتي إلى ساحة العبودية الحقة ورفضه لكل الأهواء الباطلة، وصبره العظيم أمام أعظم وأفجع واقعة في تاريخ البشرية.
لقد ثار سبط الرسول صلى الله عليه وآله ليحفظ الأهداف الإلهية التي عمل الطاغية يزيد ومن قبله على طمسها وتحريفها وكان يعلم تماماً أن شجرة الإسلام العظيمة تتطلب سيلاً جارفاً من الدماء الزكية، ففجر بشهادته الكبرى ينابيع الفداء وأصبح ملهماً لكل الثوار في العالم الذين أدركوا معه أن كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.
والسلام