مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإسلام والديمقراطية تقاطع أم تباين؟




أن نفهم ما هو الإسلام من جهة كونه نظاماً للحكم، وما هي الديمقراطية، يعني أن نقف عند مسألة، تحتاج منا إلى المزيد من إمعان النظر... فالديمقراطية من الناحية النظرية تعتبر "الشعب" مصدر السيادة ومصدر الشرعية، وتعني الحرية المطلقة غير المقيدة بأية قيم أو مبادئ(1). وقد أنتجت هذه النظريات مؤسسات عديدة، ظلت تشكو في المجال التطبيقي كما مر من مطاعن ومثالب لم تنج منها البلدان المتقدمة، فضلاً عن البلدان التي تسير في ركابها... والسؤال الآن: ما هي طبيعة نظام الحكم في الإسلام؟ وما هي الأسس التي يرتكز عليها؟ وهل يمكن المقارنة اليوم، بوجه من الوجوه بين الإسلام وبين الديمقراطية، وبالتالي، هل يمكن الوقوع على مساحة من التقاطع بينهما؟ وكيف يمكن التعاطي مع هذه المسألة واتخاذ مواقف حكيمة تجنب الحياة السياسية في الساحة الإسلامية مغبَّة ما تتيحه وسائل العولمة من إمكانيات تسلل المشاريع الاستكبارية إلى عمق الواقع الشعبي الإسلامي؟

* طبيعة نظام الحكم في الإسلام:
"...الهدف من إقامة الحكومة الإسلامية هداية الإنسان للسير نحو النظام الإلهي "وإلى اللَّه المصير" كي تتهيأ الظروف المناسبة لظهور المواهب وتفتحها في سبيل نمو الأخلاق الإلهية "تخلقوا بأخلاق اللَّه"(2) ومن أجل تحقيق هذا الهدف "يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس الإيمان باللَّه... وتفرده بالحاكمية والتشريع، والإيمان بالوحي الإلهي، والمعاد والعدالة الإلهية والإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة وأخيراً بكرامة الإنسان وقيمه الرفيعة"(3)...

* الأسس العقائدية للنظام الإسلامي:
على عكس النظم الديمقراطية أو الليبرالية التي يفتقد فيها عقل الإنسان باعتباره، مصدر السيادة والشرعية، إلى أية قيم ثابتة تضمن عدم انحرافه بتأثير الأهواء والغرائز وجنوحه إلى الظلم والفساد، فإن النظام الإسلامي يعتمد الأسس العامة المستمدة من بنائه العقائدي ومشروعه الإلهي، وأهم تلك الأسس:

1- "السيادة والتشريع للَّه: فاللَّه تعالى هو خالق الكون والإنسان ومالكه الحقيقي، فمنه يستمد نظامه الحياتي، ومنه تكتسب السيادة والسلطة التي تقود المجتمع وفق مقرراته تعالى(4).

2- الولاية: وهي حق الطاعة للَّه تعالى، وقد جعلها سبحانه وتعالى للرسول وأولي الأمر من بعده وذلك بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ(النساء/59) وموضوع أولي الأمر من المواضيع العقائدية، وقد دلّنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله على أولي الأمر منا وهم الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام، وبهذا تكون الولاية حقاً للإمام الحجة ب، وفي حال غيابها تبرز مسألة ولاية الفقيه العادل، التي فصَّلها الإمام الخميني"قده" في كتابه "الحكومة الإسلامية" وتبنتها الجمهورية الإسلامية في إيران.

3- المساواة: فكل أفراد البشر عباد للَّه وقد خلقوا من نفس واحدة وتفرقوا قبائل وشعوباً، وليست بين اللَّه وبين أحدٍ منهم قرابة، وليس هناك شعب مختار وليس هناك أي تمايز عرقي أو طبقي أو عنصري أو وطني(5)، "إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم".

4- الهدفية في حياة الإنسان: فالإنسان موجود مستخلف على الأرض، وهذه حقيقة إسلامية بعيدة الغور في التصور الإسلامي للإنسان ووظيفته في هذه الحياة(6).

5- الكرامة الإنسانية: وهذا الأساس يترتب على الأسس السابقة فالإنسان المستخلف لا بد أن تكون له كرامة ويحظى بفضل من خالقه ومستخلِفِه، وهذا بطبيعة الحال ينعكس على طبيعة نظام الحكم وقوانينه(7).

* خصائص الدولة الإسلامية:
إذا كانت الدولة الديمقراطية تتميز بخصائص أهمها الليبرالية والعلمانية وما يتفرع عنها من فلسفات تتميز فيها القيم بمفاهيم النسبية مما يجعلها دائمة التغير، أو بعبارة أخرى دائمة النزوع إلى خلع لباس الفضيلة ومكارم الأخلاق واستبداله بقيم المنفعة والصراع والتنافس والاستهلاك والشهوات واللامبالاة، فإن الدولة الإسلامية تختلف عنها اختلافاً جذرياً حيث تتميز بالخصائص التالية:

أولاً: الدولة الإسلامية دولة عقائدية، وعندما نقول أنها عقائدية فإن ذلك يعني قيامها على أساس... تصور عام للكون والمجتمع، وربط كل تشريعاتها وحلولها للمسألة الواقعية به.
ثانياً: الدولة الإسلامية دولة إنسانية أخلاقية، بمعنى أنها دولة القيم الأخلاقية والفضيلة.
ثالثاً: الدولة الإسلامية دولة واقعية، ومعنى أنها واقعية، أي أنها تنسجم مع الواقع الفطري الإنساني، كما أنها تمتلك مبادئ مرنة تعالج بها الواقع المتطور لعلاقات الإنسان والطبيعة، وتراعي تطور العقل البشري وتطور الوسائل والأدوات التي يمكن أن يستخدمها في إقامة حكم اللَّه في الأرض.

* الإسلام والديمقراطية:
وهكذا يتضح أن كلام الإسلام عن الحرية والكرامة والاحترام للإنسان يختلف عن مفهوم الديمقراطية وقيمها لتلك المفردات، بحيث يصبح الحديث عن تقاطع أو تشابه بين النظم الديمقراطية، والإسلام خارج توجهات وأهداف المشروع السياسي الإسلامي، ومن هنا نفهم موقف الإمام الخمينيه المعارض لإطلاق مصطلح الديمقراطية على المشروع السياسي لثورته المباركة حيث يقول: "اطلب من الجماهير أن يحافظوا على هذه النهضة إلى أن تؤسس حكومة العدل الإسلامية... سوف تستمر النهضة إلى إقامة الحكومة الإسلامية، الذي يريده شعبنا هو: "الجمهورية الإسلامية" لا "الجمهورية" فقط ولا "الجمهورية الديمقراطية"(8). ومن هنا نفهم أيضاً مدى جدوى القول أن نموذج "الحكومة من أجل الشعب... المعمول به في الجمهورية الإسلامية يتطابق مع النموذج الديمقراطي"(9). ولا يتسع المجال لمناقشة هذا الكلام بيد أن ذكر خصائص الحكومة الإسلامية يوضح التباين الواضح بين الحكومة الإسلامية والحكومات الديمقراطية، حيث أن النظام الإسلامي يحمل مشروع هداية يهدف إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور. وهو بذلك يتضمن منظومة عقائدية وتشريعية تعنى بكافة شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وفي هذا الإطار تعتبر الحكومة الإسلامية وسيلة من جملة وسائل هذا المشروع. فهل تكون الأمّة الإسلامية جديرة بتقديم المشروع الإسلامي في الحكم بديلاً عن أنظمة الحكم المادية التي ما برحت تغرق الإنسانية بالأزمات والأمراض والمشاكل البيئية والجرائم السياسية؟ لا شك بأننا كمسلمين معنيون بذلك.


(1) راجع د. محسن الحيدري، ولاية الفقيه تاريخها ومبانيها، دار الولاء بيروت 2003، ص‏42.
(2) دستور الجمهورية الإسلامية، المقدمة، ص‏11.
(3) دستور الجمهورية الإسلامية المادة الثانية (باختصار).
(4) محمد علي التسخيري، الأسس المهمة في النظام الإسلامي، دار الحق، بيروت 1993، ص‏27.
(5) الأسس المهمة، ص‏28.
(6) (7) المصدر السابق.
(8) د. محسن حيدري، ولاية الفقيه، ص‏55، نقلاً عن صحيفة نور، ج‏3، ص‏369.
(9) محمد خاتمي، الديمقراطية وحاكمية الأمّة، ترجمة سرمد الطائي، دار الفكر 2003، ص‏18.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع