نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع‏: أيّ‏ُ مستقبل في بلاد الاغتراب؟

الشيخ محمد شقير

 



إن جملة من المفاهيم التي يتداولها الناس سواءً في موضوع الاغتراب وغيره هي مفاهيم سائدة بقوة، فرضت نفسها في الذهنية العامة وطبيعة التفكير المتداول في حين أنها تحتاج إلى كثير من التأمل وإلى إعادة صياغتها وإلى تشريحها بأسلوب نقدي للوقوف عند الآثار السلبية لها في واقعنا الاجتماعي والحياتي. إن ما نريده من تلك المفاهيم هو أن تلعب دوراً ايجابياً من خلال استحضار الغيب فيها وعدم فصلها عن أسس الاعتقاد الديني والرؤية الكونية الدينية، وهي بذلك تستطيع أن تنفخ في الذهنية العامة (الذهنية الجمعية) نكهة غيبية ومعنوية وبعداً روحياً تحتاجهما الحياة العملية للإنسان، ولهما عليه كثير الأثر على المستوى الديني والتربوي وغير ذلك. إن إعادة تشكيل العديد من المفاهيم وبث الروح الدينية فيها هي مهمة ليست بالسهلة لكنها مطلوبة، لأنه لا نبالغ إذا قلنا أن العديد من تلك المفاهيم يلعب دوراً تضليلياً في حياة الإنسان وفي مسيره إلى اللَّه سبحانه وتعالى، وهذا ما يتطلب منا أن نعاين بدقة كثيراً من تلك المفاهيم السائدة وخصوصاً في الذهنية الاغترابية.

* مفهوم تأمين المستقبل‏
إن من المفاهيم المتداولة كثيراً في هذا الإطار مفهوم «المستقبل»، حيث يبرر العديدون إقامتهم في بلاد الاغتراب بأنهم يريدون تأمين المستقبل لأنفسهم ولأولادهم، وهو أمر مقبول وعقلائي، لكن هل ينبغي أن نقبل بهذا المفهوم ونجعله حاكماً على تفكيرنا بشكل مطلق ودون حدود أو قيود؟ أم يمكن النظر إلى هذا المفهوم بمنظار آخر مما يتطلب أن يكون مقيداً بقيود تخفف من سلطته على الذهنية الجمعية بالشكل الذي هو عليه الآن؟ ويمكن القول بتعبير آخر أن مفهوم المستقبل لا يقتصر على الدنيا، بحيث أن الإنسان (المغترب) في حساباته لا يلحظ في استخدامه لهذا المفهوم إلا واقعه الدنيوي وكسبه المادي، فإذا كان يربح دنياه ويحقق من المال مبتغاه فهو يؤمّن مستقبله وإذا لم يكن الأمر كذلك فهو لا يؤمّن مستقبله؛ بل أن هناك جانباً آخر لا بد أن يكون حاضراً في تلك الحسابات وفي معايير الربح والخسارة، ألا وهو الجانب المعنوي، والمستقبل المتعلق بالآخرة، والمستقبل الديني، وما يمكن أن يكون له أثر على الواقع التربوي والروحي والاعتقادي.

* المستقبل الأخروي هو الأساس‏
وعليه، ليس من الصحيح أن نقصر فهمنا للمستقبل على جانبه الدنيوي والأقل قيمة، بل يجب أن نأخذ بالحسبان ما يمكن أن نصنعه من مستقبل لنا في الآخرة، فإن كان تحصيل المستقبل الدنيوي في بلاد الاغتراب على حساب المستقبل الأخروي سواءً بالنسبة إلى الأهل أو إلى الأطفال، فعندها لن يكون من خير في البقاء في بلاد الاغتراب، لأن المستقبل في الآخرة هو أهم من المستقبل في الدنيا، أما إذا أمكن تحصيل المستقبل الدنيوي مع تحصيل المستقبل الأخروي والحفاظ عليه، فعندها سوف يكون أمراً مقبولاً أخروياً ودنيوياً البقاء في بلاد الاغتراب، لأن المستقبل الأخروي الذي هو أساس في الموضوع يمكن الحفاظ عليه وصيانته. بالتالي يجب أن نطل من خلال مفهوم «المستقبل» على بعده الأخروي والغيبي لنجري حساباتنا في كل ما يرتبط بشؤوننا العملية والحياتية على أساس معاينة ذلك البعد، ليكون معياراً أساسياً في عملية التقييم، هذا المعيار الذي يساعدنا على ترجمة معتقداتنا الدينية وأصولنا الاعتقادية في حياتنا العملية وسلوكنا المعاش، أي أن المطلوب هو تسييل الأسس الاعتقادية لتصبح مفاهيم معاشة في سلوكنا العملي وواقعنا الثقافي، حتى لا تحشر تلك الأسس في زوايا ضيقة وحتى لا يعمل على إقصائها فلا تأخذ دورها وبعدها في الواقع الإنساني. إن العديد من مواقف الناس وقراراتهم وقناعاتهم تذهب ضحية لشبكة من المفاهيم المضلِّلة التي فرضت نفسها في الذهنية العامة والجمعية، بحيث لم يعد سهلاً تفكيكها أو تجنب تأثيرها، وهي مع كونها ترتبط بواقع الإنسان سواءً كان في بلاد الاغتراب أو في غيرها، لكنه لا شك أن يتأكد في بلاد الاغتراب العمل على فحصها وغربلتها باعتبار أن البيئة الاجتماعية تفرض مستوى أكبر من العناية بتلك العملية والدقة في آلياتها وممارستها. ومن هنا لا بد من القول أن جملة من المفاهيم المضللة تسهم في تعمية الرؤية الصحيحة على الإنسان، وفي خداع حساباته، كي تضل بالتالي قناعاته ورؤاه ومواقفه، ومن هنا أيضاً كان من الضروري العمل على معاينة تلك المفاهيم من خلال الأسس الاعتقادية التي نملك، حتى تتحول تلك المفاهيم من مفاهيم مضللة إلى مفاهيم تسهم في فعل الهداية والإرشاد وخصوصاً في الواقع الاغترابي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع