نلا الزين
إنّ كلمة "المجتمع" من الناحية اللغوية مأخوذة من "الجمع" وهي تعني "التَّجمُّع" وتطلق على الفئة التي تعيش في قارة أو دولة أو قرية أو مدينة. كما يمكن القول أيضاً أنّ كلّ مجموعة من الناس يعتبر بينها "وجه جامع" صح أن يطلق عليها لفظ "المجتمع". وهناك من يقول إنّ أفراد الإنسان إذا تعاشروا وترافقوا فإنّ أحاسيسهم وعواطفهم تختلط وتدغم في بعضها ولكن قد لا يلازم وحدتهم الوجودية. وتبقى التساؤلات قائمة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مرحلة ومنها:
هل من الممكن تصور الإنسان الفرد خارج نطاق المجتمع؟
وهل الفرد منفعل بالنسبة إلى المجتمع، أم أنه فعالٌ أيضاً؟
وهنا تتنوع الإجابات وتنقسم وفقاً لمعايير مختلفة، هناك من ينكر وجود الظواهر الفردية الصرفة ولا يتصور أن يعيش الإنسان خارج نطاق المجتمع وهناك من يؤكد على الخاصية الفردية، أما المجتمعات والفئات فإنِّها بذاتها ليس لها واقع أصلاً لأنها ليست سوى الأفراد والعلاقات بين الأفراد، فكما أنَّ العائلة مكوَّنة من الأب والأم والأولاد كذلك "المجتمع" أو "الأمة" تتكون من مجموع كلِّ أفرادها. واعتبر البعض أنَّ الحياة الفردية لا تذوب كلها في الحياة الاجتماعية لأنه يمتلك نوعين من "الأنا" "الأنا" الفردية و"الأنا" الجماعية. وهناك من يستشهد ببعض الآيات القرآنية للدلالة على وجود الفرد وفاعليته ووجود المجتمع أو الأمة، وتأثيرها على الفرد كما جاء في سورة الجاثية في الآية الثامنة والعشرين ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾. وفي سورة مريم الآية الخامسة والتسعين ﴿وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ وفي سورة الأنعام الآية الرابعة والتسعين ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾.
وهنا نستنتج هذا الترابط الإنساني بين الفرد ومجتمعه وما ينتج عنه من مسؤولية فردية وأخرى جماعية. وعندما ننتقل إلى واقع الأسرة التي تشكل اختصاراً لهذين العنوانين وتجسيداً لهما فإنَّ صلاحها أو فسادها ينعكس على الفرد والمجتمع معاً. لذا تكمن ضرورة الالتفات إلى الثقافة الإسلامية والرؤى التي تتبلور منها لترسيخها في ذاكرة الأجيال الجديدة التي تتواجد في خضم رؤى كثيرة ومتنافرة في أحيان كثيرة. سواء تواجد الأهل أو المربون في مجتمع إسلامي أم خارجه في بلاد الاغتراب لكي لا تضيع الأهداف في دياجير الأفكار وظلمات المادة.
ونستحضر قولاً ل "جورج برناد شو":
"لقد كان دينُ محمد موضعَ تقدير هام لما ينطوي عليه من حيويةٍ مدهشة وإنه الدين الوحيد الذي له مَلَكَةُ الهضمِ لأطوارِ الحياة المختلفة. وأرى واجباً أن يدعى محمدٌ منقذَ البشرية الإنسانية وإنَّ رجلاً مثله لو تولَّى العالمَ الحديثَ لنجح في حلِّ مشكلاته". فالفرد والأسرة والمجتمع الإسلامي لهم الدور الحضاري في إنقاذ المفاهيم الرسالية والإسلامية من غبار عدم التطبيق تارة والإساءة لها تارة أخرى. ويكون ذلك على قاعدة: "أَنِرِ الزاوية التي أنتَ فيها". لأنَّ الإسلام نورٌ والله نور السموات والأرض. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾ كما جاء في سورة الرعد الآية الحادية عشرة. فكيف إذا تواجد الإنسان في مجتمع يختلف عنه قيماً وعادات وتقاليد ومفاهيم أخلاقية وإنسانية قد ينتج عن ذلك مشكلاتٍ عديدة تطال فرداً هنا وأسرة هناك ما يستدعي إبقاء الإسلام حيَّاً وقوياً في الكلمة والسلوك والعادات لا سيما الأسرة التي تحتاج إلى تحصين كبير من كلِّ الرياح التي تعصف على جدرانها وأبوابها ونوافذها. من خلال عمل جماعي مدروس يقوي العلاقات بين الأسر المهاجرة والأفراد وتأليف القلوب وشدها إلى جسد الجماعة وتأمين عناصر المناعة المضادة للتأثيرات السلبية، واختيار التربية الصالحة على مستوى المدرسة والأصدقاء والمعارف والتردد ولو بنسبة معينة إلى الأماكن التي تقدم غذاءً روحياً ورسالياً.
وعندما نقرأ هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ نجد ضرورة الالتفات إلى دورنا ومسؤولياتنا أفراداً وأُسراً ومؤسسات في الوطن والمهجر معاً. في كلِّ الحالات تعتبر الأسرة بناءً قوياً على الرغم من أنَّها اتخذت أشكالاً مختلفة خلال مسيرة طويلة من التاريخ الإنساني ولكنها بقيت تحتوي على الأهمية والاستمرارية بتحويل الأفراد إلى عناصر اجتماعية فاعلة. لأنَّ هؤلاء لن يرضوا عنَّا حتَّى نتبع ملَّتهم ولكن هدى الله هو الهدى... والحرص ضروري في مجال العشرة "قل لي مَنْ تعاشر أقل لك مَنْ أنت" هذا على مستوى الفرد والأسرة معاً. ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة والهدف هو سد الفراغ أينما وجد في ساحتنا الفردية والأسرية والجماعية وإيجاد العوامل التي تساهم في ذلك من خلال استثمار أوقاتنا بخير الأعمال وبحسن التخطيط لحاجاتنا والتحديات التي نواجهها وتحصين النفس من الهوى.
والختام يكون بتأمل هذه الآية المباركة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.