السيد جعفر مكي
يقول الشيخ التستري رحمه اللَّه في كتاب الخصائص الحسينية أن الإمام الحسين عليه السلام استنصر الناس سبع مرات واستغاث سبعاً. ثم يقول رحمه اللَّه "إن التلبيات السبعة الواردة في زيارة الإمام الحسين عليه السلام (لبيك داعي اللَّه) إجابة وإشارة إلى هذه الاستنصارات والاستغاثات"(1) وسوف نستعرض طائفة من استنصاراته واستغاثته عليه السلام بالمسلمين منذ خروجه من المدينة إلى اليوم العاشر من المحرّم سنة 61 هجرية في كربلاء مع التعليق والإشارة إلى بعضها.
* استنصاراته في المدينة:
1- خرج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة متوجهاً إلى مكة ومعه من معه من بنيه وإخوته وبني أخيه الإمام الحسن عليه السلام وأهل بيته وكتب قبل أن يخرج من المدينة وصيته التي يستنصر فيها المسلمين وأودعها عند أخيه محمد بن الحنفية(2).
2- أيضاً استنصر الإمام الحسين عليه السلام عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب عندما طلب عبد اللَّه بن عمر من الإمام الحسين عليه السلام البقاء في المدينة(3).
* استنصاره عليه السلام في مكة والطريق منها:
1- كتب الإمام الحسين عليه السلام نسخة واحدة إلى رؤساء الأخماس بالبصرة(4).
2- خطب الإمام الحسين عليه السلام في المسلمين عشية خروجه من مكة خطبته الشهيرة والتي ينعى فيها نفسه ويستنصر المسلمين ويعلن فيها أنه خارج إلى العراق(5).
3- استنصاره لأهل الكوفة في كتاب أرسله لهم في جواب لكتاب مسلم بن عقيل وبعثه مع الصحابي قيس بن مسهر الصيداوي(6).
4- استنصار الإمام الحسين عليه السلام لزهير بن القين البجلي والذي كان غير مشايع له ولكن الماء جمعهم في مكان واحد يقال له زرود(7).
5- استنصاره عليه السلام لعبيد اللَّه بن الحر الجعفي(8) في قصر بني مقاتل.
6- خطبة الإمام الحسين عليه السلام بجيش الحرّ الرياحي(9). في منزل شراف.
7- خطبة الإمام الحسين في أصحاب الحر الرياحي في منزل البيضة(10).
8 وفي كربلاء دعا الإمام الحسين عليه السلام بدواة وبيضاء وكتب إلى أشراف الكوفة ممن يظن أنه على رأيه(11).
* الاستنصار في يوم عاشوراء:
وللإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء استنصاران واستغاثة ملقياً الحجج على جيش بن سعد وتبيان منزلته.
* دلالات الاستنصار الحسيني:
ومما قد يفهم من الاستنصارات الحسينية أن هناك العديد من الدلالات كان يتضمنها الخطاب الحسيني، أولى هذه الدلالات تعبئة وتحشيد الرأي العام ضد الطاغية ويمكن أن نعبر عنها بالمواجهة السياسية ضد نظام الحاكم الظالم.
والهدف السياسي من حركة الإمام الحسين عليه السلام هو إلغاء شرعية الخلافة الأموية وفضح يزيد وكسر هيبته ومن ثم توعية الناس وكسر حاجز الخوف وتحريك الناس وتثويرهم لإسقاط النظام الطاغي المفسد واستنهاض الأمة وإعادة إرادتها المسلوبة. وما كانت هذه الاستنصارات إلا دعوة إلى تطويق هذا النظام الأموي ومحاصرته وعزله سياسياً واجتماعياً وتحجيم دوره وإلغاء شرعيته. وأيضاً نرى أن حركة وممارسة الإمام الحسين عليه السلام في استنصاراته فيها حركة عملية وتخطيط ممنهج لهذه الحركة وذلك عبر الأطر التالية:
1- رفض البيعة ليزيد: وقد أعلن الإمام الحسين عليه السلام رفضه لبيعة يزيد عندما أرسل الوليد والي بني أمية في المدينة يطالبه بالبيعة بعد هلاك معاوية وامتناع الإمام عن المبايعة وقال: "مثلي لا يبايع سراً فإذا دعوت الناس دعوتنا معهم". إلى أن قالد بعد مشادة كلامية مع مروان ابن الحكم الذي كان حاضراً "... يزيد رجل شارب الخمور، وقاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله...".
2- إعلان الرفض: لم يتكتم الإمام الحسين عليه السلام برفضه البيعة وعرف الناس جميعاً أن الحسين عليه السلام ممتنع عن البيعة وأعلن أنه يرفض البيعة ويريد الخروج إلى مكة وترك وصيته إلى بني هاشم وكافة المسلمين عند أخيه محمد بن الحنفية كما مر سابقاً وغادر المدينة إلى مكة سالكاً الطريق العام الذي سلكه الناس ليراه كل الناس وفي مكة كان يختلف إليه أهل مكة ومن بها من المعتمرين وأهل الافاق وكاند دائم الإصرار أمام الجميع على رفضه لبيعة يزيد ويصارح الناس برأيه في يزيد وبيعته.
3- الخروج والثورة: أصر الإمام الحسين عليه السلام بعد ذلك أن يخرج من الحجاز إلى العراق لمواجهة بني أمية. ومع ذلك فإن الحقائق لم تكن تخفى عن الإمام عليه السلام عاقبة خروجه وأنه مقتول لا محالة وهذا ما عبر عنه في العديد من الاستنصارات والاستغاثات. فالإمام عليه السلام كان يقصد الخروج ويريده وهو على علم بكل لوازمه وتبعاته وعواقبه، فكان المطلوب هو الانتصار بالقتل والدم وهذه الوسيلة قد خفيت عن الكثير ممن نهاه عن الخروج ومتابعة تحركه. أراد الإمام الحسين عليه السلام إذاً أن يحدث هزّة بشهادته في الضمير الإسلامي الذي فقد حصانته أمام مؤامرات بني أمية، هزة عنيفة توقظ الأمة من سباتها وهذا ما رأيناه بعد ذلك من الثورات والوعي واليقظة السياسية في الأمة، هذه اليقظة الممتدة إلى عصرنا هذا ببركة تلك الدماء الحارة والزكية.
(1) الخصائص الحسينية، ص177 178.
(2) مقتل العوالم، ص54.
(3) اللهوف، ص17، وليراجع أمالي الصدوق، ص93 ومقتل الحسين للمقرم، ص139.
(4) تاريخ الطبري، ج6 ص200، واللهوف ص21 ومثير الأحزان، ص12.
(5) اللهوف، ص33، والمقرم، ص173.
(6) تاريخ الطبري، ج6، ص324، وروضة الواعظين، ص152.
(7) تاريخ الطبري ج7 ص290، واللهوف ص64.
(8) نفس المهموم، ص104، وأسرار الشهادة، ص233.
(9) مقتل الحسين للمقرم، ص195.
(10) تاريخ الطبري، ج6، ص229.
(11) نفس المهموم، ص207.