الشيخ نعيم قاسم
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الأمل رحمة لأمتي، ولولا الأمل، ما رضّعت والدة ولدها، ولا غَرَس غارسٌ شجرا (1). الأمل دافع للإنسان للاهتمام بقضاياه ودنياه وآخرته، إنّه الرغبة التي تشده إلى الحياة وإعمار الدنيا، إنّه حالة نفسية يعيشها الفرد منّا فتؤثر على مساره وأدائه بحسب ما تكوَّن لديه من آمال وطموحات. لكنَّ الأمل لا يوصل إلى نتيجة واحدة، وله اتجاهان متعاكسان:
1ـ أملٌ نبيلٌ وشريفٌ ومشروعٌ ونافع.
2ـ وأملٌ مخادعٌ وزائف ومنحرف وضار.
الأوّل يتوجّه إلى الصلاح واستثمار الدنيا في طاعة الله تعالى مهما كانت الصعوبات، أملاً بحلاوة الطاعة في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة، وتحقيق رضوان الله تعالى. والثاني يغرق في الفساد وزينة الحياة الدنيا من دون أن يتوقف نَهَمُهُ فيها، أملاً بالأكثر من المال والموقع واللذة العابرة لأنّه لا يرى غيرها، وقد عمى على قلبه فتلهَّى بالمتاع الزائل عن المتاع الدائم والخالد، قال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾(الحجر: 3). أحد مفردات الأمل الإيجابي هو الأمل بالخلاص بقيادة صاحب العصر والزمان القائم المهدي عجل الله فرجه: "وإنّما سُميَّ القائم مهدياً، لأنّه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه، وسُميّ بالقائم، لقيامه بالحق" (2)، ونحن بحاجة إلى الهداية الحقيقية، والقيام بالحق، لسعادتنا في الدنيا والآخرة، إنّه أملٌ حقيقي غير زائف يختلف عن الكثير من الآمال المزيفة التي يُفاجأ الإنسان بنتائجها، إنّه الوعد الإلهي الذي لا يتخلّف: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5). إنّه طريق الخلاص، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا تقوم الساعة، حتى يقوم قائم الحق منَّا، وذلك حين يأذن الله عزَّ وجلَّ له، ومن تبعه نجا، ومن تخلَّف عنه هلك.. الله الله عبادَ الله، فأتوه ولو على الثلج، فإنَّه خليفة الله عزَّ وجلَّ وخليفتي" (3). إنّ الأمل بالخلاص يحقق أهدافاً كثيرة أبرزها:
1ـ إعطاء قوة دافعة للإنسان ليتحرك باستمرار، ويسعى من دون كللٍ أو تعب، وهو يأمل بالنتيجة التي سيحصل عليها، بأن يكون من جنود الإمام المهدي عجل الله فرجه، أي في طريق الخلاص ومع جيش المخلّص، هذه القوة الدافعة تطرد اليأس فلا مكان له عند المتأملين، وتملأ القلب بحالة معنوية مطمئنة وواثقة ما يشكل زخماً وحيوية في حياة المؤمنين، وتُقنع العقل بمسار الأحداث الذي يتغير باستمرار، وما دام تقدير الله تعالى لقيام دولة العدل على الأرض فلا قدرة لأحد أن يمنع قيامها لأنّها حتمٌ إلهي، وتهذب النفس فتسمو لتترفّع عما يشد الناس إلى اللحظة الحاضرة التي غرقوا فيها. فتعيش النفس بأعلى مقام مهما تدنّى المحيطون بها،: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139). إنها القوة التي تُشعر المؤمن بسعادة الانتظار واللهفة إلى وقت الظهور وتفاصيل الأحداث والتمتع بقيادة ووجه صاحب الأمر الإمام المهدي عجل الله فرجه.
2ـ تجاوزُ العقبات والصعوبات والابتلاءات مهما بلغت، وتصنيفها في دائرة الاختبار الإلهي، ليميز الخبيث من الطيب، ويعرف الصابرين المجاهدين الذين تكون لهم البشارة بالفوز: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155). فما قيمة خسارة المال والولد وبعض زخارف الحياة الدنيا إذا كان القائد يتهيأ للظهور ونحن نتهيأ لنكون تحت إمرته؟ وهل تُقاس اللذة العابرة التي تبقى آثارها المحرّمة مع اللذة الدائمة في سعادة قيام دولة العدل الإلهي لنكون من أفرادها وجنودها وحماتها؟ وهل يستطيع أحد في الدنيا أن يهرب من الاختبار الدنيوي الذي يقع على المؤمن والكافر على حدٍ سواء؟ لكنّ الفرق بينهما: نجاح المؤمن في الاختبار، وفشل غيره في نتائجه. أنّ المتأمل بالخلاص يرى مرور الزمن مقرباً له من المهدي عجل الله فرجه، وكثرة الاختبارات منقّية له من شوائب الانحراف والفساد، وصموده أمام الباطل خطوة إلى الأمام نحو الإمام.
2ـ تشكيل الحصانة الكافية عند المؤمن ليكون ثابتاً في مواقفه، فهو مع الحق ولو قلّ ناصروه، وهو يريد تحقيق أهداف الإسلام ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون، وهو لا يبيع دينه بدنياه ولا بدنيا غيره من الظلمة، وهو لا يقبل تضييع الأمل بالخلاص من أجل المكتسبات والإغراءات الآنية والزائلة. هذا الأمل بالخلاص قوة لموقفه، فما يتأمله مضمون النتائج، وما يِعِدُهُ به الآخرون لا استقرار له. ما الذي يدعو بعض الناس إلى التنازل عن المبادئ والحق؟ ما الذي يجعلهم لا يثبتون على رأي أو موقف ويتزلزلون أمام الضغوطات والتحديات؟ ما الذي يجعلهم متواطئين مع الظالمين؟ إنّه ضعف إيمانهم من جهة وعدم اطمئنانهم إلى إمكانية التغيير نحو الأفضل أو الوصول إلى نتيجة جيدة في نهاية المطاف من جهة أخرى! لكن المتعلق بالمهدي عجل الله فرجه يجد نفسه باتجاه طريق الخلاص، وما هي إلا عقبات في الطريق، لا يصل إلى نهايتها إلا إذا تجاوزها بثبات وجرأة وصبر، ولذا نراه لا يتراجع عن طاعة الله تعالى، ولا يسلك درب الانحراف والفساد، وهو يتقبُل المعاناة بسبب التزامه، وقد لا يحقق إلا نزراً يسيراً من أهدافه، لكنّه يتأمل بالنتائج النهائية فيثبت على خط الإسلام باطمئنان وفعالية.
4ـ الاطمئنان إلى النصر في نهاية المطاف، قال تعالى: ﴿وكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: 47). فالنتيجة عند المؤمن بالمهدي عجل الله فرجه أن دولة العدل ستتحقق مهما كانت الصعوبات. وهو لا يرى مسار الأحداث بمعادلة مادية بحتة، فمع أن أمريكا دولة كبرى تهيمن على العالم وتحاول السيطرة الآحادية عليه. وتملك من القوة ما يساعدها على أن تتقدّم باستمرار باتجاه أهدافها، لكنّه يتوقع أن تسقط هذه القوة بعد حين، وأن تنهار من القمة إلى الهاوية، وأن تعيش ابتلاءات تؤدي إلى تراجعها، وها هي تجربة الاتحاد السوفياتي ماثلة أمام الجميع. ومع أن إسرائيل مدعومة من العالم وتتوسع في احتلالها وتزداد في تسلحها وقوتها وعدوانها، لكنّه يتأمل زوالها مع قدوم النصر النهائي. ومع انتشار الظلم والفساد العالمي فإن الأمور متجهة إلى الانفجار الذي يطيح بهذا الفساد مع الظهور الذي يُحل الفضيلة محلّه. هذا الاطمئنان يؤثر على العمل الذي ينطلق من الأمل على الرغم من الضعف والعقبات الكثيرة، فهذه تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان قد تجاوزت كل الحسابات المادية لتحقق نصراً على طريق الخلاص، ولتطرح معادلة مغايرة تماماً لما يسود في أوساط العالم، فكيف إذا اتسعت التجربة وتمَّمت. إن الأمل بالخلاص يعطي زخماً لحركة الإنسان، المؤمن، ويغيِّر الكثير من مفاهيمه وحساباته لمصلحة السعي الواثق بالنصر وتحقيق أهداف الإسلام.
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 74، ص 173.
(2) الإرشاد للشيخ المفيد، ج 2، ص 283.
(3) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق، ج 1، ص 65.