الشيخ توفيق علوية
إن القالب المظهري الخارجي المحسوس عند سائر البشر هو من جملة الاختيارات في نطاق عملية الاقتداء الفسيحة بالنبي أو الأئمة المعصومين عليهم السلام، وكما ورد ضرورة التأسي بهم و في مجالي الفكر والممارسة، فقد ورد ذلك في الصورة الخارجية ومستلزماتها على سبيل "التجمل" و"التزين" وإظهار "النعمة" ومن ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "إن اللَّه تعالى يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمّل" ومن ذلك ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: "ليتزين أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة". والمظهر الخارجي كما عرفنا للإنسان عموماً يقع مورداً للتأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام في كل حيثياته، ولكننا سنخصص الكلام في "اللباس" عند النبي والأئمة و. وذلك من خلال أمور:
* مبغوضية التعري:
من المعلوم عدم حرمة كشف الجسد للرجل عدا ما يستثنى في أبواب الفقه، ولكن ذلك لا يعني التجرد عن الآداب، والتعري عن السنن وبالتالي عدم ملاحقة الحكم الشرعي من ناحية الإيجاب إلى النهاية ففي حديث المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه: "نهى عن التعري بالليل والنهار".
* عدم لبس الثياب الرقيقة واللينة:
لا بد للمؤمن من الالتصاق بمفهومي "الحشمة" و"العفة" ومما يحقق ذلك اتخاذ الثياب الكثيفة دون الرقيقة واللينة، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "عليكم بالصفيق (السميك) من الثياب فإنه من رق ثوبه رق دينه" ولعل ذم لبس الثوب الرقيق واللين لعلل منها:
أ - الطغيان: قال الصادق عليه السلام: "إن الجسد إذا لبس الثوب اللين طغى".
ب- الكبر: فعن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال لعبد اللَّه بن يعفور لما سأله عن حد الكبر قال: الرجل ينظر إلى نفسه إذا لبس الثوب الحسن يشتهي أن يرى عليه ثم قال: "بل الإنسان على نفسه بصيرة".
ج- الفخر: فقد ورد أن رسول اللَّه ا قال لأبي ذر: "يا أبا ذر البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكاً".
د- رقة الدين كما تقدم أعلاه.
* موارد ارتداء اللباس الخشن:
للباس الخشن موارد لا بد من مراعاتها بحسب ما كان يفعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام.
أ - موارد عدم ارتداء اللباس الخشن:
1- إظهار البؤس: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: "إن اللَّه جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويبغض البؤس والتباؤس".
2 الرياء: فعن الإمام الصادق عليه السلام لما عيّره عبّاد البصري على لباسه القوهي المغاير للباس علي عليه السلام الخشن قال لعباد: "لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا هذا، لقال الناس: هذا مراء مثل عبّاد".
3- الشهرة: أي أن لا يكون لباس شهرة فقد دخل عباد بن بكر البصري على أبي عبد اللَّه عليه السلام وعليه ثياب شهرة غلاظ، فقال: يا عباد ما هذه الثياب؟ فقال: يا أبا عبد اللَّه تعيب عليّ هذا؟ قال: نعم. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه اللَّه ثياب الذل يوم القيامة".
4- ملاحظة الزمان: فعن سفيان الثوري قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أنت تروي أن علي بن أبي طالب كان يلبس الخشن، وأنت تلبس القوهي والمروي. قال: "ويحك إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان في زمان ضيق، فإذا اتسع الزمان فأبرار الزمان أولى به" وعن الصادق عليه السلام في تعليقه على لباس جده علي د: "هذا اللباس الذي ينبغي أن تلبسوه، ولكن لا نقدر أن نلبس هذا اليوم، لو فعلنا لقالوا: مجنون أو لقالوا مراء، فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس".
ب- موارد ارتداء اللباس الخشن:
وهي غير الموارد التي ذكرت فعن الصادق عليه السلام قال: "خطب علي عليه السلام في الناس وعليه إزار كرباس غليظ، مرقوع بصوف، فقيل له في ذلك فقال: يخشع القلب، ويقتدي به المؤمن" وعن الصادق عليه السلام: "كان لأبي ثوبان خشنان يصلي فيهما صلاته، فإذا أراد أن يسأل حاجة لبسهما وسأل حاجته" وقال عليه السلام: "إذا أردنا أن نصلي لبسنا أخشن ثيابنا".
* نفي البأس عن ارتداء اللباس الغالي والجديد:
والعمدة في ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (الأعراف/32) وقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ (الطلاق/7) وذلك بما لا يتنافى مع "الزهد" و"العدل" و"التواضع" و"مراعاة الزمان والمكان" فعن البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال لي: "البس وتجمل فإن علي بن الحسين عليه السلام كان يلبس الجبة الخز بخمسمائة درهم، والمطرف الخز بخمسين ديناراً، فيشتو فيه، فإذا خرج الشتاء باعه وتصدق بثمنه، وتلا هذه الآية: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق﴾. وكذلك فإن تكثير الثياب لا يضر مع عدم الإسراف فعن إسحاق بن عمار قال: سألته عليه السلام عن الرجل الموسر المحتمل، يتخذ الثياب الكثيرة: الجباب والطيالسة والقمص ولها عدة يصون بعضها ببعض ويتجمل بها أيكون مسرفاً؟ قال عليه السلام: إن اللَّه يقول "لينفق ذو سعة من سعته"والمراد بالإسراف كما في بعض الأخبار وضع الثياب الجديدة في القذارة أو تعريضها لذلك أو العمل بها.
* ألوان اللباس:
من الألوان المختارة لدى النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام:
1- الأبيض: وهو الأفضل والأحسن. فعن الباقر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "ليس من ثيابكم شيء أحسن من البياض فالبسوه، وكفنوا فيه موتاكم" وعن الصادق عليه السلام عن علي عليه السلام قال: "البسوا من القطن فإنه لباس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ولباسنا".
2- الأخضر والوردي: فعن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لعلي وفاطمة عليهما السلام أن اللَّه عزَّ وجلَّ كساه وكساهما بثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي، وقال الصادق عليه السلام لأبان بأن اللَّه لما رفع عيسى عليه السلام إليه كساه بثوبين فهما أيضاً. قال أبان: جعلت فداك أخبرني بنظيره من القرآن؟ قال عليه السلام: "يا أبان إن اللَّه يقول: فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان".
3- العدسي: فعن محمد بن علي قال: "رأيت على أبي الحسن عليه السلام ثوباً عدسياً".
4- الأزرق: فعن سليمان بن رشيد، عن أبيه قال: رأيت على أبي الحسين عليه السلام طيلساناً أزرق.
5- الأحمر: ويظهر أنه لا يلبس إلا في عرس حيث أن الإمام الباقر عليه السلام علل للحكم بن عيينة لبسه للأحمر قائلاً: "يا حكم إني حديث عهد بعرس" وقال الباقر عليه السلام: "ما زال لبس الأحمر المفدّم يكره إلا بعرس" والمفّدم هو المشبّع بالحمرة.
6- الأصفر: فقد ورد أن الإمام علي عليه السلام خرج وعليه إزار أصفر.
7- الأسود: وهو مكروه إلا حزناً على الحسين عليه السلام. وقد ورد أن أمير المؤمنين عليه السلام خرج وعليه خميصة سوداء والخميصة كساء أسود (عباءة). وقد مر أنه يلزم مراعاة الزمان والمكان في لبس الثياب، لا أن نلبس في هذا الزمان نفس ما كان يلبسه الأئمة عليهم السلام في زمانهم بحيث يكون مورداً للتهمة والسخرية.
* تنظيف الثوب:
فعن الصادق عليه السلام عن أبيه د: قال من اتخذ ثوباً فليستنظفه" وعن الصادق عليه السلام: "غسل الثياب يذهب بالهم والحزن" وعن الرضا عليه السلام: "أن اللَّه يبغض من الرجال القاذورة" وعن الصادق عليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لما أبصر رجلاً وسخة ثيابه قال: من الدين المتعة" وقد ورد عنهم و ضرورة وضع الطيب على الثوب وضرورة طيِّه .
(1) ميزان الحكمة (ج2، ص77).
(2) الخصال (ج2، ص612 613).
(3) أمالي الصدوق (ص347).
(4) بحار الأنوار (ج30، ص164، ج31، ص524، 528، 529، 531).
(5) مكارم الأخلاق (ص130، 136، 137، 138، 139، 147، 148، 149، 155، 156، 158، 160).
(6) قرب الاسناد (ص70، 357).
(7) تفسير العياشي (ج2، ص14 15).
(8) رجال الكشي (ص392)