نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيات‏: القرآن سند الحقيقة أم أن الوقائع تصدِّق القرآن؟

الشيخ عمار حمادة

 



خاطب القرآن الكريم في الإنسان العقل والقلب كما الوجدان، ولكنَّه لم يغفل المجريات الواقعية التي يدركها الإنسان بالحس كأسلوب من أساليب الخطاب والهداية. لقد استفاد القرآن الكريم من قدرته على الإخبار بالمغيبات المتعلقة بوقائع تاريخية لا يعلم بها مجتمع نزوله لأجل إثبات إعجازه وكونه من عند اللَّه، كذلك استفاد من هذا الأسلوب في تبيين بعض المبادئ والمفاهيم الإيمانية لدى المتلقين لكلمات الوحي عبر الرسول صلى الله عليه وآله. جاء القرآن الكريم بقصص وأخبار الأنبياء عليهم السلام السابقين وأعلم (ببعض) مضامين رسالاتهم، مما صدَّقه لاحقاً أحبار اليهود ورهبان النصارى بالرغم من عدم انتشاره في محيطهم، بسبب سعي أولئك لإخفائه إمَّا جهلاً وإمَّا حقداً. ودفع بعض المشككين بالرسالة الإلهية الخاتمة منهم إلى اتهام الرسول صلى الله عليه وآله بأنَّه يأخذ العلم عن سلمان الفارسي أو ورقة بن نوفل أو ميسرة مولى خديجة، بل وصل بهم الأمر إلى نسبة كل هذا العلم إلى بحيرا الراهب الذي لاقاه النبي صلى الله عليه وآله في سفره إلى الشام مع عمِّه أبي طالب لفترة بسيطة جداً، فنزل في معرض الجواب على هذه الافتراءات: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل: 103).

فالوضوح والفصاحة والمعلومات الواردة في القرآن الكريم مما لا يستطيع أي بشر الإتيان به، خاصة إذا كان أعجمي اللسان. في هذا السياق، تأتي إشارات القرآن الكريم في طيات الآيات إلى بعض الحقائق العلمية، مما يصعب جداً إدراكه في عصر نزول القرآن، ويدل على إعجازه وكونه من عند اللَّه لكل من أدرك تلك الحقيقة العلمية. وهذه الإشارات مما يحسن الوقوف عنده، بالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى هذا المنحى التفسيري للآيات. فالمنتقد هو اعتبار القرآن كتاباً علمياً، وتفسير آياته كبيان للحقائق العلمية السائدة في العالم وحرفها عن مهمتها الأساسية المتمثلة بهداية الإنسان إلى الحق. أما المقدار المتفق عليه، فهو كون القرآن الكريم مرر بعض الحقائق العلمية كشواهد على أنَّه من عند اللَّه ولم يأتِ به بشر أو تعلمه الرسول صلى الله عليه وآله من أشخاص آخرين، إذ كيف يعطي الشخص ما يفقده! في هذه العجالة، نذكر بعض هذه الإشارات العلمية مما يقف أمامه العقل عاجزاً والقلب حائراً:

* الأولى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ ... فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (الأحقاف: 21- 25).
النبي هود عليه السلام هو أخو عاد، وعاد هم إرم ذات العماد قوم النبي هود عليه السلام الذي أنذرهم بالعذاب. وكان شكل هذا العذاب الإلهي هو الأحقاف أي الكثبان الرملية. فالحقفة، لغة، هي الكثيب الرملي، وتضيف الآيات أنهم حين العذاب أصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم أما هم، فقد غطتهم الرمال وذلك لأن مساكنهم عالية فهي ذات أعمدة مرتفعة. هذا الوصف القرآني جاء ما يؤيده أخيراً، وذلك عندما قالت وكالة الفضاء الأميركية (نازا) إنَّ أقمارها الاصطناعية اكتشفت في منطقة الربع الخالي آثاراً لأعمدة عملاقة مدفونة تحت كثبان الرمل، وهو مما لم يكن معلوماً لدى أحد حتى جاءت هذه الصور لتبين دقة التعابير المستعملة في الآيات للإشارة إليه.

* الثانية: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (التكوير: 8 9).
السؤال الذي أطلقه القرآن الكريم في فترة سميت بالجاهلية، بسبب الجهل العام المطبق على أهلها، والذي يستنكر بأبلغ أساليب الاستنكار قيام أهل تلك البلاد بدفن بناتهم حيّات، متصورين أنهم بذلك يتخلصون من العار الذي أكلهم بسبب هذا الفعل الشنيع، تصوَّر البعض أنَّ صداه خفت مع وصول الإنسانية إلى ذروة رقيها الحضاري، إلاَّ أنَّ ما قالته وزيرة المرأة وتطور الطفل في الحكومة الهندية (رينو كاتشودري) للصحافة أوائل عام 2007م يدعو لإعادة النظر في هذا التصوُّر، حيث صرَّحت طبق ما أوردته رويترز، أنَّ عشرة ملايين أنثى لقيت حتفها على أيدي آبائهنّ في الهند خلال الأعوام العشرين الماضية سواء قبل مولدهن أو في أعقاب خروجهن إلى الدنيا مباشرةً، واصفةً الأمر بأنَّه "أزمة قومية".

وكذلك، جاء في تقرير لصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، أنَّ نسبة المواليد الإناث في الهند تقل عن المتوسط العالمي بسبعة آلاف في اليوم، عازياً ذلك في الغالب إلى إجهاض الأجنة الإناث بعد معرفة النوع بالفحص، وكذلك إلى قتل المولودات حديثاً. وقد جاء في التقرير أيضاً، أنَّه في بعض الولايات الهندية تقتل الإناث عقب ولادتهنَّ بسكب الرمل عليهنَّ، أو تزريق عصارة التبغ في ثقوب أنوفهنَّ، أو وضعهنَّ في قدور وهنَّ حيّات ثم دفن القدور في التراب. فهل هذا إلا وأد بنات القرن الواحد والعشرين؟ أولسنا ما زلنا نحتاج إلى صرخة القرآن بوجه آبائهنَّ والمسؤولين كما منذ أربعة عشر قرناً: بأي ذنب قتلت؟

* الثالثة: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (النمل: 18).
في تقرير أذاعته قناة "ناشونال جيوغرافيك"، وهي قناة مهمة من الناحية العلمية، عن النمل وأسلوب حياته، ذكر العلماء أنَّ المادة التي يتألّف منها بدن النملة قريب جداً في تكوينه من الزجاج، وبالتالي فإنَّ تأثره بالعوامل المحيطة يقرب كثيراً من تأثُّر الزجاج بها. وهنا إذا تأملنا في استعمال القرآن الكريم لتعبير ﴿يَحْطِمَنَّكُمْ نجده عادةً ما يُستعمل في مورد الزجاج، أو الأصح أنَّه نادراً ما يستعمل في مورد الحيوان أو الحشرات، هذا مع تسليمنا بما هو معروف عن القرآن الكريم من الدقة في استعمال المصطلحات في مواردها المعتادة. فهل هذه إشارة إلى طبيعة تكوين بدن النمل القريب من الزجاج؟

* الرابعة: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (النبأ: 6- 7).
في هذه الآية إشارة إلى دور الجبال في جيولوجية الأرض. وقد استخدم القرآن الكريم تعبير "الأوتاد" والوتد هو المسمار، فالجبال تساهم في تماسك طبقات الأرض، كدور المسامير في جمع قطع الخشب المختلفة إلى بعضها البعض، حيث تصل القشرة الخارجية للأرض بالطبقات الداخلية لها بما يبقيها في حالة استقرار وتبعدها عن آثار الزلازل والانزلاقات والانهدام.

* الخامسة: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا (المرسلات: 25 - 26).
هذه الآية اعتبرت إشارة إلى قانون الجاذبية إضافة إلى دلالتها على وجوب دفن الميت وعلى قانون إحياء الأرض الموات، فالكفات هو الضم، والجاذبية هي تلك القابلية المعطاة للكتل الكبيرة في ضم الكتل الصغيرة إليها، وهذه هي بعينها الجاذبية التي يقول القرآن الكريم إنَّ اللَّه جعلها للأرض على صيغة سؤال، في إشارة ضمنية أيضاً إلى أنَّها نعمة من النعم، فهل تمكن الحياة لولا الجاذبية هذه؟! هذه إشارات علمية ومضت داخل النور الباهر لهداية القرآن الكريم، وقد وجدنا من المفيد الوقوف عندها قليلاً. وما زال الكثير من الإشارات يومض لنا. وإن لم نعتبرها ميزاناً في بناء عقائدنا في تصديق القرآن وما جاء به من عند اللَّه، إلاّ أننا نرى فيها وقائع تضاف إلى حقائق تثبت إعجاز القرآن، ونرى فيها علامات هادية وموقظة إلى الحقيقة العظمى التي تقول "إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" وهذا الإيمان منطلق من إيمان فطري ويقين اعتقادي بحقانية الرسالة المحمدية.

المورد إن صح دخل في جملة العلامات الهادية، وإن لم يصح لم يضر المبدأ الذي رسخ في عمق اليقين الذي كونه العقل وثبته القلب وأحكمت حيازيمه الأعمال.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع