أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مؤسسات تنبض بالحياة رغم همجية العدوان‏

تحقيق: لنا العزير



عام مضى على العدوان الإسرائيلي على لبنان بكافة أراضيه. وكل من تابع سير العدوان يرى أنه كان عملية إبادة لمجتمع المقاومة، إنطلاقاً من قصف المراكز الطبية والمؤسسات الإنسانية بهدف كشف ظهر المقاومة أثناء الحرب، فلما لم تكن للعدو الغلبة عمد إلى تدمير كل المؤسسات التي بمقدورها النهوض بالوطن من بعد ويلات الحرب. وكعادتها، ودون مراعاة لأي اعتبارات دولية، قصفت إسرائيل المؤسسات الإنسانية والثقافية والتربوية متجاهلة كل القوانين الدولية، وهذا ليس غريباً عنها، فمن يقصف المدنيين ويدمّر قراهم بأسلحة محظورة وبتغطية دولية من ناحية وعربية من ناحية أخرى، لن يرحم المؤسسات. وفي هذا التحقيق كانت لنا إطلالة موجزة على النهضة التي شهدتها هذه المؤسسات كنوع من لغة التحدّي لآلة الدمار الصهيونية.


*مجمع سيد الشهداء*
سمع اللبنانيون أنباء استهدافه المتكررة، "لا لم نصدّق أن هذا المجمّع قد نالت منه أيادي الغدر!" قالتها عبراتهم دون عناء.. "إنه من أكبر المجمعات الثقافية التي أنشئت في الضاحية الجنوبية لإحياء مختلف المناسبات السياسية والإجتماعية والدينية والثقافية" هذا ما قاله الحاج أبو مصطفى المسؤول الإعلامي للمجمع، "وقد تم إنشاء هذا المجمع منذ خمس سنوات، وأقيمت فيه أنشطة مختلفة وهامة من مراسم عاشوراء، إلى الزواج الجماعي واللقاءات السياسية واحتفالات الشهداء واستقبال الأسرى، فضلاً عن كونه يُشكّل منبراً رئيسياً لسماحة الأمين العام السيد حسن نصر اللَّه حفظه اللَّه".
من هنا كان استهداف مجمع سيد الشهداء ومن هنا أيضاً كانت قوة التحدّي بعودة المجمع لتنبض فيه حياة روّاده. وكالعادة روح التحدّي تُوجِد الأفضل، فقد أُضيفت بعض التعديلات التي تساهم في تقديم الراحة لزوار المجمع، لكنه بالمجمل لم يفقد شيئاً من ميزاته، وعلى رأسها المنبر الهاشمي الذي أنِس دوماً باتّكاءة الأمين عليه. هكذا عاد المجمع "ملتقىً ثقافياً لمختلف الأنشطة إذ شهد مؤخراً معرض الكتاب الدولي الذي أقامته "جمعية المعارف الإسلامية الثقافية" وحفل تخريج لأكثر من 1700 طالب وطالبة تربويين، تشجيعاً من القيمين عليه على مزيد من التعلّم والتثقّف". وكما هطلت العبرات عند قصفه، فقد امتزجت العبرات بالفرحة عند عودته كعربة إرسالية لامتداد الحضارات والثقافات، يمتطي صهوة فرسها فارسٌ أنسى بطلّته مأساة فقدان الأحبة، هو ذاك الخطيب يصعد لمنبر بات طوعاً له حانياً، مع حناجر رجّت حنايا المجمّع "لبيك يا نصر اللَّه".

*قناة المنار*
لم يأت العدو بجديد يوم استهدف مراكز الإعلام التي كانت منبراً يخطّ دروباً لأجيال المقاومة الممهدين. قُطع البث لثوان تجمّدت معها الدماء في الشرايين كأنها فقدت نبضها، ثم عاد ذاك النبض، ذاك الصوت الصامد قائلاً "لنكون معكم عُدنا مجدداً رغم إرادة العدو". "لا شك بأن العدوان على قناة المنار والذي أدى إلى تدمير مبناها الرئيسي بشكل كامل كان عملاً إرهابياً بامتياز" هكذا يعبّر الحاج عبد اللَّه قصير مدير عام قناة المنار لمجلة بقية اللَّه، معتبراً أن العدوان يدل على همجية هذا الكيان، "وإن كنا لا نبرئ المجتمع الدولي من هذه الجريمة، كونه لم يتخذ موقفاً حازماً وواضحاً تجاه هذا الاعتداء والإنتهاك الصارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية".

إن كان اللبنانيون ترقبوا مراحل القصف المركّز لقناة المنار، التي كانت تستمر ببثها لتدهش بصمودها عجز "الصواريخ الذكية"، فلا بد وأن معظمهم كان يتساءل من أين وكيف يُعقل كل هذا، ولا شك أن الإسرائيلي نفسه طرح بساط ضعفه على خريطة من الإستنكارات "فهذا العدوان وإن نال من الحجر ومن التجهيزات والمعدات إلا أنه لم ينل من عزيمة العاملين في المحطة. بل زادهم إصراراً وتصميماً على متابعة رسالتهم الإعلامية في أقسى الظروف، فبقيت المنار مشعة على الدوام في أدائها الإعلامي المقاوم في مواجهة آلة الحرب والعدوان.

وكما كانت هذه الإرادة واضحة وجلية أثناء الحرب كذلك استمرت بفعالية بعد الحرب لمواصلة البث بطريقة أفضل وأفعل". ومن يراقب يعرف أنه أن تقفَ من جديد أمرٌ صعب، ولكن أن تقف على هياكل العدو فيه من الروعة ما يكفي لأن يقول المعلّقون الصهاينة إنهم "يرفعون القبعة" للعاملين في المنار، "واليوم يتم العمل فعلياً على إعادة رفع المستوى الفني، للوصول بالقناة إلى الموقع المميز الذي تحتله دائماً لدى المشاهد العربي، والذي يرى فيها صوتاً مميزاً في رفع لواء العزة والكرامة والحرية في وجه مشاريع التسلّط والغزو والإحتلال".


*إذاعة النور*
بين صمت دولي مطبق على حقوق الأبرياء، وظلمة فرضها جور السلطة ليُضفي على النزوح غربة في وطن، اجتمعنا إلى مذياع صغير رافقنا رحلة التهجير، وإذا بصوت يتهادى، أدفأ القلوب وأنار البصيرة وأدخل السرور في النفوس: "الآن في عمق البحر البارجة الحربية العسكرية التي اعتدت على بيوتكم، أنظروا إليها تحترق". أجل صرخات كانت وابتهاجات. ولكن! أكان هذا ذنب إذاعة النور لتقصفها إسرائيل؟ أم أنه ثأر محقون لكلمة حق صدحت فيها دوماً، ووقفت منذ نشأتها جنباً إلى جنب مع المقاومة؟! حتماً هو ذا "فقد استهدفت إذاعة النور منذ اليوم الثاني لبدء العدوان الإسرائيلي على لبنان"، ورد هذا في تأكيد نائب المدير العام في إذاعة النور السيد يوسف نور الدين معتبراً أن "إسرائيل عمدت إلى استهداف وسائل الإعلام والصحفيين، بهدف طمس حقيقة جرائمها وعدوانها، وقد استمر قصف إذاعة النور حتى آخر يوم من العدوان، مما أدى إلى تدمير الإذاعة بشكل كلي".

ورغم ذلك: "فقد بقيت إذاعة النور تبث أخبار المقاومة كما البرامج المعتمدة عن النازحين طيلة فترة العدوان دون أن تتوقف يوماً رغم القصف الهمجي الذي استهدف بناء الإذاعة كاملاً مع بعض محطّات الإرسال". "وبعد العدوان سعينا إلى تأمين أماكن بديلة لمتابعة العمل وذلك بجهد جميع العاملين في المؤسسة، الذين لم يتوانوا حتى أثناء العدوان من مراسلين وتقنيين وعمال، والذين لم يسلم بعضهم من جروح جراء قصف مبنى الإذاعة" يعود الدم لينبض وتشمخ الهمم "لتحصّن موقفها على ثغور المقاومة ودائماً تكون العودة بالشكل الأفضل والأتمّ، لما تفرضه التطوّرات على صعيد التقنيات كما على صعيد الكادر البشري".

*جهاد البناء*
تشعّبت تعريفات الجهاد، فمنها مقاومة تحمي وتردع، ومنها قلم يُزكي، ومنها أيادٍ تُعيد ما هدّمه العدوان من منازل وزراعات وغيرها، ليصح بذلك أنها "جهاد البناء". "USA تدمّر وجهاد البناء تعمّر" وغيرها من العناوين التي اعتمدتها مؤسسة جهاد البناء في حملتها ضد الدمار الذي كاد لا يترك قرية في لبنان إلا ونالها بجولة، فتلك يافطة شكر وامتنان وهذه مواثيق وعد. "(وعد) ذاك العنوان الذي أطلقه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كتتمة لانتصار الوعد الصادق، هو عبارة عن مشروع يعمل على إعادة بناء وتجديد الضاحية الجنوبية التي ستعود أحسن حتماً حسبما وعد سماحته" هذا ما أكّده المسؤول الإعلامي في مؤسسة جهاد البناء السيد عادل الأحمر.

وبعد عام على الحملة الصهيونية لإبادة بعض المناطق اللبنانية، وبينما لا تزال الحكومة اللبنانية تبحث في إحصاءاتها عن ثغرات تمنع المواطنين حقوقهم، نجد "جهاد البناء" سارعت لوضع الإحصاءات كافة "لتمكين الأهالي النازحين من العودة اللائقة لديارهم، من خلال برامج الإيواء والترميم لما يزيد عن مئة وعشرين ألف حالة في طول لبنان وعرضه". وحين هاجمت وحشية صهيون الأبرياء وعوائلهم وبيوتهم والبنى التحتية وخلّفت القرى خالية من ضروريات الحياة من مياه وكهرباء.. انبرت مؤسسة جهاد البناء "لتعين من صمدوا في أرضهم على متابعة المسير، وذلك بجهود العاملين في المؤسسة الذين لم يتوقفوا حتى أثناء العدوان عن تأمين المساعدات العينية للنازحين وتأمين مراكز إيواء لهم".

وفي خضم الدور الناشط بمختلف الإتجاهات، يسهو المرء عن أن يسأل يد الإعمار عن مبناها، الذي تحوّل إلى كومة من ركام، إذ انتفضت "جهاد البناء" وسط الدمار وعلى الأطلال لا لتبكي، بل لتعلنها حملة تطوّع جمعت المئات من الشعب اللبناني بمختلف مشاربهم في لباسٍ موحّد هو ثوب التكافل والتضامن، وضمن عناوين مختلفة: مهندسين، عمال، تقنيين وبدوامات أكثر من كاملة، الأمر الذي أذهل العالم بهذا الكم من التضامن الأهلي مع المقاومة وشعب المقاومة. "فقد دُمّر لجهاد البناء المركز الرئيسي في الضاحية الجنوبية بالإضافة إلى مراكز فرعية منها مركز "دورس" في البقاع، هذا المركز الذي لطالما عمل على سدّ ثغرات إهمال الدولة بحق المزارع في البقاع كما في الجنوب، ولكن اليوم مراكزنا جميعاً عادت لتضجّ‏بالنشاط لتأدية مهامها وبشكل أكبر من السابق".

هذا ولم يتوقف العمل على العودة بالحجر، إنما نجد أن المؤسسة "تصدّت لأكثر من خمسين مشروعاً لمكافحة التصحّر تستهدف تحريج خمسة ملايين شجرة خلال سبع سنوات، بالإضافة إلى مشروع أسواق موسمية بهدف اختزال الحلقات بين الزارع والمستهلك، وما في ذلك من حماية حقوق للطرفين". هكذا أرادتها "جهاد البناء" عودة خضراء، عودة ملوّنة بألوان الحياة، لأن كما قال المدير العام للمؤسسة المهندس قاسم علّيق "التنمية أن تكون مع الناس والشعب ليكونوا أكثر التصاقاً بقضاياهم، وأن لا تنمية مستدامة وشاملة بالمفهوم العصري للكلمة إلا بزوال الغدّة السرطانية إسرائيل من الوجود". ومن غرائب الزمن أن يصبح الإعمار إرهاباً، بينما تنتهك حرمات الشعوب وكراماتهم كل يوم تحت عنوان الديمقراطية الصهيوأميركية، على مرأى ومسمع العربان النشامى، أعراب القصور المتعاظمة على جماجم الأبرياء.

*الهيئة الصحية الإسلامية*
"الهيئة الصحية الإسلامية" اسمٌ منذ 1984 تصدح به صافرة سيارات الإسعاف التي لا يهدأ أفراد طواقمها عن الترحال، ينثرون ترياقاً هنا، ويضمّدون آلاماً هناك، قدّموا الشهداء.. ولكن استمروا.
كان سؤالنا للحاج عباس حب اللَّه المدير العام للهيئة الصحية عن مدى تأثر الهيئة بعدوان تموز من حيث الدور والفاعلية من جهة والأضرار المادية من جهة أخرى وأجاب:
"العدو الإسرائيلي خلال تموز 2006 كان همجياً ومأساوياً، فقد دمّرت لنا عدّة مراكز كدار الحوراء (ع) للعناية بالأم والطفل في بئر العبد، حيث دمّر المبنى وتضرّرت مختلف الملحقات التقنية فيه.
هذا في بيروت أما في الجنوب، فقد طاول القصف مستشفى الشهيد صلاح غندور في بنت جبيل المستشفى الوحيد ل 54 قرية محيطة، وقد تضرّر بشكل بالغ وأصيب من جرّاء قصفه أحد الممرضين، بالإضافة إلى المراكز الإدارية للهيئة".
"وبرغم الدمار والأضرار التي أحدثها في مراكزنا. إلا أننا وبحمد اللَّه، مؤسسة متمرّسة بالعمل سواء في الحرب أو في السلم، فأوجدنا البدائل المؤقتة من أجل متابعة خدمة الناس". وإن كان الدمار يعيق حركة المؤسسات الإدارية، إلا أن من اعتاد البحث عن المخاطر لم يتوقف عن العمل: "يوماً واحداً، ففور حصول العدوان الهمجي، تم وضع فريق العمل في جهوزية تامة وفقاً لخطة موضوعة، خاصة أن الخبرة كبيرة في مجال الطوارئ، حيث اكتسبناها جراء العمل في الحروب التي مرّت على لبنان. فقد قسّم الفريق إلى أقسام للاهتمام بالنازحين وعيادتهم وتأمين الاستشفاء لهم من ناحية، ومن ناحية أخرى للتواصل مع الجمعيات الأهلية والدولية من أجل الحصول على المعونات والهبات، كما كان هناك فريق من مشرفين صحيين للاهتمام بالمشاكل الصحية التي استجدّت في مراكز النزوح. ومن الجدير ذكره أن الهيئة منذ أن بدأ العدوان بادرت إلى فتح الصيدليات التابعة لها لتأمين الدواء بشكل فوري ومجاني".

وهنا لا تقف المهمة، فبعد الطوارئ لا بد من حالة استقرار طبي يعيشها المريض الذي يأمل من الهيئة جودة الطبابة، فاليوم وإلى حين الإنتهاء من إعداد المركز الرئيسي الجديد للهيئة، تقيم الهيئة في مركز بديل "مؤلف من 3 طبقات مجهزة بشكل مناسب يليق بمجتمع المقاومة الوفي، مجهّز بعيادات لمختلف الإختصاصات: جراحة، طب قلب، أمراض نسائية، أمراض أطفال، جراحة عظم، وقسم التصوير الصوتي، بالإضافة إلى قسم الأشعة، والصيدلية، وقسم أدوية الأمراض المزمنة. وهناك قسم المختبر الذي جُهّز بأحدث الآلات.

ولا بد من الإشارة إلى دور الهلال الأحمر الإيراني، الذي تكفّل مشكوراً بتقديم كافة التجهيزات المطلوبة". أما مستشفى "الشهيد صلاح غندور" التي لم يرحمها العدوان الصهيوني، فقد أعيد تشغيل قسم الطوارئ فيها بعد توقف العدوان بشكل سريع لتقديم كافة المساعدات فيه لأهلنا الصامدين، وأُعيد العمل في المستشفى كما قام عدد من أطباء المستشفى بالمشاركة في المستوصفات النقالة في عدد من القرى الجنوبية".
عجيب زمن فيه هذا الكم من الظلم والإستبداد، أن نجد فيه بالمقابل هذا الكم من العطاء، فمسك الختام: "لا بد من ذكر ثمانية من الهيئة الصحية سقطوا شهداءاً ليسموا بهذه الأمة صموداً وبقاءاً".

*جمعية مؤسسة الشهيد الخيرية الاجتماعية*
"اقتلونا فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر"، قد لا تكون لدينا كلمات تُكرّم من قدّم نفسه فداء لوعي الشعوب، فلما كانت الشعوب لا تستفيق إلا بموتها، هبّ أولو عزمٍ ليفدوا أمة ويحتضنوا الشهادة بين أضلعهم مطمئنين إلى أن قيامة الأمم آتية لا ريب فيها. أمراء أهل الجنة، يمضون مخلّفين عيالهم وأطفالهم لأيدٍ حملت الوصية وخدمتها بأشفار العيون..

لم يكن سهواً أن هزم تموز 2006 إسرائيل. لا، إنه فعل الإرادة من المجاهدين الذين (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) وقد تاقت الأنوار إلى نور الشهادة المتصلة بين الأرض والسماء، وضمّت إلى عوائل الكرامة مزيداً من رياحين العزة، لينضموا إلى ركب مواكب الوفاء في مؤسسة الشهيد، والتي اعتبرت على لسان مديرها العام السيد جواد نور الدين، أن: "عوائل الشهداء تمثّل أولى أولويات عمل جمعية "مؤسسة الشهيد الخيرية الإجتماعية"، وفاء للشهداء الذين ضحوا بحياتهم صوناً للوطن وتحرير أرضه وحفاظاً على سلامته وأمنه. ومنذ انظلاق عملها بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وحتى اليوم عملت المؤسسة على تأمين احتياجات أكثر من 1800 أسرة لبنانية سقط لها شهيد أو أكثر".

ولم يكتف اعتداء تموز باستهداف المدنيين في مختلف الأراضي اللبنانية، بل صبّ جام غضبه على المؤسسات التي تؤازر من آذاه العدوان بعزيز أو قريب، "فمراكز "مؤسسة الشهيد" تعرّضت للتدمير الكامل خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وتم استهداف مركزها الرئيسي في حارة حريك بالقصف الجوي ثلاث مرات، كما تعرّضت مراكزها في مناطق بيروت والجنوب وبعلبك للتدمير. ورغم ما ذكرنا من استهداف لمراكز المؤسسة، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على حركة عمل طواقمها الإدارية والميدانية، حيث كثفت المؤسسة خلال العدوان وبعده نشاطها لتوفير الإمكانيات اللازمة للعوائل من دون أي تأخير، فشكّلت مجموعات عمل لتفقّد عوائل الشهداء في الأماكن التي نزحت إليها في مختلف المناطق وتولّت تأمين التقديمات والحاجات المطلوبة واللازمة".

وقد استمرت المؤسسة في عملها طيلة فترة العدوان، كما قدّمت الدعم اللازم لكل أسرة فقدت أحد أفرادها خلال هذا العدوان، في مختلف المناطق اللبنانية ومن مختلف الطوائف. وبعد أن لملمت الحرب أذيالها وتركت البلاد كأنها عبثت بها أعاصير من الهمجية، عادت المؤسسة لتنشط: "كما أثناء الحرب في السعي لتأمين مساكن للعوائل في إطار برنامج الإيواء كمرحلة أولى". وبعد انتهاء العدوان: "تم العمل وفق منهجية متقدّمة أخذت في عين الإعتبار الجوانب الإجتماعية والأسرية، حيث طوّرت المؤسسة برامجها الرعائية في المجال الإرشادي والثقافي، واستطاعت بموجب هذه المواكبة استيعاب العدد الكبير من عوائل الشهداء، حيث تكفّلت المؤسسة أيضاً برعاية أسر وأهل المضحّين من المدنيين".

ولكل يوم تجدُّده، فطفل الأمس أضحى رجلاً يعرف بسمة الحياة كما ذاق مرّها، ويأمل بغد مشرق تنادت لصباحاته أنوار الشهادة. لذا، فالمؤسسة "لا تترك مجالاً رعائياً تحتاجه العوائل إلا وتسعى لتوفيره، من كافة الإحتياجات المادية والمعنوية، دون أن تغفل الجوانب الترفيهية والتركيز على الجوانب الإرشادية، بهدف تأمين البيئة الإجتماعية والتربوية السليمة لأبناء الشهداء، سواء في محيط أسرتهم أم في المجتمع ككل، وصولاً إلى بلورة النموذج الراقي والفرد الفاعل في النسيج الإجتماعي العام".

*جمعية الإمداد الخيرية الاجتماعية*
غاراتُ هاجمت مراكز الإمداد تبحث عن كرسي إعدام لنشاطها، لكنها أبت أن تكون أطلالآً لخير تنهل منه العوائل التي غابت عنها رعاية الدولة، تلك المناهل ما لبثت أن استأنفت نشاطاً لم يُعلّق أصلاً، حتى أثناء الحرب، متنقلة من مأوى إلى آخر، ليصل من فرّوا من القصف مصطحبين معهم العوز. من هنا كان لقاؤنا مع الحاج علي زريق المدير العام "لجمعية الإمداد الخيرية" التي صمدت حسبما قال السيد زريق وكأنْ لم يطاولها قصف.

وإذا كانت هذه المؤسسة تعتبر المعيل الرئيسي "والراعي والأب الحنون للعوائل التي تمدها بالمساعدات الصحية والغذائية والتربوية والمالية"، فإن دمارها قد يصوّر للبعض انتفاء عامل الإعالة التي "كانت بأبرز أوجهها أثناء العدوان، لكن هذا لم يقعدنا عن دورنا، بل عملنا على توسيع نشاطنا ليشمل مختلف العوائل المهجّرة فضلاً عن العوائل التي كانت تعتمد في معيشتها على تقديمات المؤسسة، فلم نكن نألو جهداً بأن نقدّم لهذه العوائل كل ما تحتاجه لتبقى عزيزة كريمة، لأن واجبنا أولاً وأخيراً هو خدمة هؤلاء العوائل".

مراكز تساقطت تحت الركام، منها الإدارة المركزية للجمعية في الضاحية الجنوبية، كما مركز قرية حاروف والنبطية، فقد "عملت المروحيات الإسرائيلية على تدمير هذه المراكز ظناً منها أن تدمير الحجر يوقف نشاطنا، ما فاتها أننا نحن بنينا هذه المؤسسات، نحن الموظفين والمتطوّعين من ناحية والعوائل من ناحية أخرى، وكما بنينا أوّل مرة، لسنا بعاجزين عن إعادة الكرّة وبشكل أفضل". والأفضل يتناول في مكنوناته المعنى الهندسي والمعنوي والبشري، فقد عادت المؤسسة بكادر بشري معزّز وأداء إداري وعملي، "وقد أضافت هذه الحرب للجمعية ثلاثمئة متطوّع ومتطوّعة، يدعمون المؤسسة بجهدهم العملي كما المعنوي. ونحن نعمل اليوم على زيادة العاملين، إذ إن الواقع الذي خلّفته الحرب، أضاف إلى الفقر عوائل، ولا بد أن يُضيف لنا تطوّراً في الأداء وتوسّعاً في التقديمات".

والتطوّع الذي أفضته روح التضامن في الحرب علّه لا يعوّض عن المجهود الفعلي الذي يجب أن تكرّسه ضرورات العودة الجدية، "فنحن نعمل على إنشاء أبنية جديدة للجمعية في مختلف المناطق وباستحداث تقنيات جديدة، كما نعمل على توسيع كادرنا البشري والتعاون مع مجموعة المتطوّعين الذين يقدّمون عملهم تضامناً مع عوائل لبنان، فالحرب أرخت علينا أوزارها، ونحن كنا ولا زلنا على استعداد لمجابهة جورها برفع الحيف عن عوائلنا، وسيزيدنا العدوان استعداداً". هكذا أيادي الخير تمتدّ لتكون سنداً للعوائل التي تهدّمت مصالحها فتقدّم لها قروضاً ميسّرة لتستعيد موارد رزقها وتنفض عنها ثوب مذلة أرادتها لنا إسرائيل، فألبستنا المقاومة من أثواب عزها وكرامتها ومجدها.
وأخيراً يقول الحاج زريق "قد تكون الحرب دمّرت من جمعيتنا الحجر لكنها دون شك عمّرت النفوس".


*مؤسسة الجرحى*
أولو الجراح ما عافتهم إسرائيل من غدرها، أصابتهم في عمق الألم، لكنهم سقطوا إلى الأرض شامخين رؤوساً لم تنحنِ، لم تتأوّه، إنهم وحسب تبسّموا للمنون فعانقوا السماء... أضافت حرب تموز 2006 إلى خزائن وزارة الشؤون الإجتماعية في لبنان دينارات ودولارات استجدتها الحكومة اللبنانية لنجدة البلد، الذي أعلنته منكوباً، لبنان، لكنها لم تُضفِ سوى مزيد من الجراح والآلام لتلك العوائل التي رفضت المهانة والتباكي على عتبات الذل الدولي. فقد ارتفع ثمانية من جرحى "مؤسسة الجرحى" شهداء على يد "مصاص الدماء" الإسرائيلي المتعطّش للدماء، الذي لم يكتف بالجراح التي سببها لهم أول مرة، كما أضاف المزيد والمزيد من الجرحى إلى عائلة "مؤسسة الجرحى"، كما تعرّضت المؤسسة إلى تدمير 6 مراكز لها بين إدارية وإجتماعية حسبما روى لنا الحاج علي جواد مدير عام "مؤسسة الجرحى". وقد توزع العاملون على هذه المراكز لتأمين الرعاية للجرحى القدامى.

واليوم وقد غادر العدوان دون آثاره نرى أن "مؤسسة الجرحى" التي أخذت على عاتقها رعاية جرحى المقاومة والمدنيين على حد سواء "وقد استطاعت أن تنهض بهؤلاء الجرحى وتؤمن أماكن بديلة للمؤسسة للقيام برعايتهم حيث هم بحاجة إلى برامج تأهيلية وتعليمية". وقد لا تقف العودة عند باب بناء جديد إذ "إن أعداد الجرحى تزايدت، لذلك كان لا بد من زيادة التقديمات وتطوير أداء العاملين ليقوموا بإعطاء الدعم النفسي والمعنوي لهؤلاء الجرحى، مع الأدوات العينية مثل: الكراسي، الووكرز، الأطراف الصناعية وغيرها من الحاجات التي تشكل عاملاً أساسياً في حياة الجريح اليومية".

كما أن الأمر استدعى تحرّكاً سريعاً لتأمين منازل بديلة إلى أن يتم إعادة بناء منازلهم، فقامت المؤسسة بتقديم مساعدات عبارة عن غرف نوم وأدوات مطبخية وغيرها.. من السهل أن يكتب المرء كلمة "وغيرها" أو أن يذكر المعدّات ويصف العمل لكن كل هذا يحتاج إلى عديد بشري فضلاً عن الدعم المالي الذي تحتاجه المؤسسة للقيام بكل ذلك "بعد الحرب وجدنا مجتمعنا الأهلي بمختلف فئاته واختصاصاته حاضناً لهذه العائلات، كما أن كثيراً من منازل الجرحى كانت عبارة عن تبرعات، فضلاً عن عديد المتطوّعين الذين انضموا إلى المؤسسة للقيام بخدمات كلٌّ حسب اختصاصه مثل معالجين حركيين، مختصي علم نفس، مختصي علاج فيزيائي وانشغالي".

بعد ما سلف يقولون دُمّرت المؤسسات فيقول "الحرب زادت فينا المناعة وزادت احتضان الناس للجرحى". وكما على لسان أحد الجرحى إبان "الوعد الصادق" يطلب "العمل على التسريع بمسألة تأهيله ليتمكن من الإنضمام لصفوف المجاهدين ومحاربة هذا العدوالذي لا يفقه معنى البشرية".
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.

*جمعية المبرات الخيرية*
ها هي آلة الغدر الإسرائيلية تُطارد أطفالنا إلى أسرّة يُتمهم فتهدمها، وصروح علمهم لتسوّد صفحاتها. ومن هنا دار الحديث مع السيد محمد باقر فضل اللَّه مدير عام جمعية المبرات الخيرية موضحاً كيف "برز جلياً في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان أن إسرائيل عمدت إلى إحداث انهيارات إجتماعية وإنسانية عن طريق ضرب البنى التحتية التربوية والإجتماعية والإنمائية. وفي هذا السياق، جرى الإستهداف المباشر لمؤسسات "جمعية المبرات الخيرية" ما هدّد مصير آلافٍ من الأيتام والطلاب والعائلات المستفيدة من رعايتها، مع ما خلفه هذا العدوان من مضاعفات إنسانية وإجتماعية خصوصاً، لجهة ازدياد حالات اليتم والإعاقة في مجتمع الطفولة ما رتب على الجمعية مزيداً من الأعباء والمسؤوليات لمواجهة آثارها وتراكماتها".

ومن قال إن الإستهداف العسكري كان للمقاوم فقط فليقرأ نتائج الدمار لهذه المؤسسات التي ما حملت سوى العلم سلاحاً، وما وجدت سوى البر كفالة، "فقد دمّر العدو 5 مراكز للمبرات تدميراً كاملاً، كما تضرّر 12 مركزاً بشكل جزئي على امتداد الأراضي اللبنانية. وقد تجاوزت نكبة مؤسسات الجمعية الحجر والتجهيزات إلى الأرواح، فالحرب أضفت لمحة يُتم في معظم العوائل اللبنانية، ومنهم أعزاء من أسرة المبرات التربوية، عاملين وتلامذة، إضافة إلى أولياء أمر".

ورغم ذلك يقول السيد فضل اللَّه: "إستطعنا بعون اللَّه تعالى أن نعيد فتح المؤسسات التربوية بشكل طبيعي في الجنوب وبيروت على حد سواء، ولم يتأثر المستفيدون من هذه المؤسسات بشكل من الأشكال بعدما عاد التلاميذ كافة إلى مدارسهم بشكل طبيعي، وذلك من جراء تصميمنا أن نبدأ عامنا الدراسي بشكل طبيعي، وشعارنا "ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النية". فقد تم إصلاح المدارس المتضررة جزئياً، أما في الجنوب فقد قدمت وزارة التربية مدارس بديلة عن مدرستي "الإشراق" و"عيسى بن مريم"، ونشير هنا إلى أن الرسالية والحيوية والدافعية لإدارات المؤسسات المدمرة والمتضررة والعاملين فيها هي التي جعلت العمل ينظم بسرعة قياسية".

"أيضاً الأضرار النفسية كانت موضع اهتمام الجمعية التي قامت بالتواصل مع منظمة اليونيسيف وأخصائيين نفسيين لدراسة كيفية تقديم الدعم النفسي والتربوي والمساندة النفسية للطلاب ما بعد الحرب، وقد اختارت اليونيسف "جمعية المبرات الخيرية" للإعداد لورش عمل لآلاف من المعلمات والمعلمين من مدارس متعددة حول تقديم الدعم النفس تربوي للتخفيف من آثار الحرب". "كذلك لم تتوقف الجمعية عن العمل حتى أثناء العدوان، فقد عملت على العديد من النواحي الإغاثية من تأمين حصص إغاثية، أدوية للمهجرين، مستلزمات طبية لبعض المستوصفات، تقديم مساعدات مالية لنازحين في منطقة الجبل، إعداد جولات عبر سيارات إسعاف لتأمين كشف صحي على المهجرين، وغيرها من المساعدات الغذائية".

للعدوان لغة للرد وللعود نهج للبقاء، فالبر في جمعية المبرات لا يزال "يترقب الوعود الدولية التي تكفلت بتقديم المساعدات لإعادة بناء المراكز التابعة للمؤسسة، ونحن نأمل خيراً. فالمساعدات التي وصلت إلى الجمعية لم تغطّ 30 % من إجمالي كلفة إعادة الإعمار والتشغيل بالنسبة لخسائر الجمعية التي تعاهد أهلها بأنها باقية على رسالتها ومصممة على تعزيز صمودهم إسهاماً منها في تعزيز النصر الذي تحقق للبنان، ببطولة مقاومته، وصمود شعبه، ووحدة مواطنيه".

*الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي‏*
لم تحمل المرأة بندقية أو مدفعاً، لكنها دون شك تنقّلت بين صواريخ الإبادة تحمل أجزاءها المتقطعة على جنبات الجهاد تهرول بحزمة أحلام وثقافة وعناوين تضامن، تبث شكواها أصداءً تقارع صمّ المجتمعات. وقفت المرأة اللبنانية تدق باب الحرية بأحشاء حمراء، مزّقت الصواريخ فيها الأعزاء، إنها ليست بواحدة، إنها خلاصة كل امرأة في لبنان. من هنا لا بد لنا من لقاء مع رئيسة الجمعيات النسائية الثلاث، "الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي" "جمعية الأمومة والطفولة" "جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية". إلتقينا الحاجة عفاف الحكيم كي تحدثنا في هذا اللقاء عن دور هذه الجمعيات وما تركته الحرب من دمار فيها على المستوى العمراني والنفسي ومدى الأثر السلبي لتوقف هذه الجمعيات عن العمل. وقالت الحاجة عفاف إن الجمعيات الثلاث تعمل على تقديم سكن جامعي لخمسين فتاة وما يعنيه ذلك من عناية واهتمام بهن، فضلاً عن القيام بنشاطات إجتماعية وثقافية ودورات تقوية مستمرة وندوات ومحاضرات بيئية وصحية ودينية.

وأن تقول إن العدوان دمّر هذه الجمعيات يعني ما يعنيه من تأثر المرأة في المجتمع: "لكننا جهدنا بأكبر قدر ممكن لكي لا ندع هذا الأثر يقع ثقيلاً على عاتق المرأة، فبعد تهدّم مباني هذه الجمعيات تحوّلت أعضاء الجمعيات الثلاث إلى فريق عمل واحد يساعد من خلال "سوق التكافل الخيري" وذلك إلى أن ينتهي العمل في المبنى". لم تترك هذه الجمعيات موقعها في ساح النضال أثناء العدوان، وعندما غرَب وجه الحرب عادت الجمعيات إلى عملها الميداني بشقيه الإجتماعي والثقافي، "فإلى جانب ( سوق التكافل الخيري) كان الإنتاج الثقافي يقوم بدورته، فقد صدرت للرابطة الثقافية ثلاثة كتب، ونعمل على إصدار سلسلة قصص جديدة تروي حكايات الصمود للأمهات اللواتي لم يفارقن ساح المواجهات في الجنوب أثناء عدوان تموز 2006".

وإن كانت الجمعيات لم تستقر في المبنى الجديد المعتمد لها حتى الآن، إلا "أننا قد وضعنا تصميماً يجعل من هذا التجديد قفزة بهذه الجمعيات إلى الأمام من حيث استحداث التجهيزات مع إضافة مرافق جديدة كنا نفتقدها سابقاً، فقد أضفنا إلى سكن الفتيات مرافق حيوية تساعد في تأمين الراحة لهن، كما استحدثنا مركزاً للمؤتمرات بحيث يمكننا استضافة المؤتمرات النسائية العالمية، كما نعمل على إيجاد مكتبة عامة كبيرة نفتح فيها باباً للبحث والتأليف إلى جانب إصدار مجلة "أسرتنا". كل هذا سيعتبر من الإضافات إلى الجمعيات التي ستعود بمختلف مرافقها إلى خدمة المجتمع من جديد".

"دمّرت الحرب مبنى الجمعيات، لكنها أعطتنا حافزاً أكبر لمضاعفة النشاط، وتفعيله محلياً، وعالمياً، فقوة التحدي أضحت أكبر، فالجمعيات ستكون أفضل من جميع الإتجاهات، وكما قال سماحة الأمين العام السيد حسن نصر اللَّه حفظه الله إنها "ستعود أفضل مما كانت" ليس بالحجر فقط، بل بالإنسان الذي يتحمل المسؤولية فيها وبالفعالية".

*جمعيَّة القرض الحسن*
"من الناس إلى الناس" ومن الميسور إلى المحتاج "عبارات ومشاريع يتوكأ عليها اللبناني الذي بات يعيش سياسة إقتصادية بعيدة كل البعد عن مفاهيم التكامل والتكافل، فلو سألت طفلاً أن يضع سياسة إقتصادية لأجاب ابتداء "الغني يعطي الفقير"، لكننا ضمن منظومة إقتصادية تعفي أصحاب رؤوس الأموال من الضرائب وتثقل بها كاهل المواطن الذي بات يبحث عن معيشته بين تزاحم العمالة الأجنبية من ناحية، والقوانين التي لا تحمي حقوق العاملين كضمان وغيرها من ناحية أخرى...".

"يقول المثل اللبناني "لو خليت بليت"، هذا هو مبدأ التكافل الذي تعمل به "جمعية القرض الحسن"، والذي يقوم على أموال المساهمين والمشتركين من أبناء هذا البلد، الذين كانوا وما زالوا واقفين جنباً إلى جنب مع أبناء بلدهم ممن لم ترحمهم الظروف الضيقة". هذا ما قاله الحاج حسين الشامي رئيس الجمعية الذي يؤكد "استحباب القاعدة التي أرساها اللَّه تعالى (من ذا الذي يقرض اللَّه قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة) ووضع الرسول(ص) هذه القاعدة في حركة بناء المجتمع ونهضته والاستفادة من كل عناصر القوة فيه، ووضعها في إطارها الصحيح الذي تتكامل فيه كل العطاءات ولا ترهق أو تستنزف وتضيّع فيه الإمكانات والقدرات حتى ولو كانت في حدها الأدنى".
فالقرض الذي يقوم على نقل المال من الميسور إلى من تعثّرت أوضاعه المالية بعيداً عن الربا والفوائد، أمر يحتاجه هذا اللبناني الذي تزيد أوضاعه تدهوراً مع كل حكومة جديدة، وبكل حفظ لكرامته، وقد بدأت الجمعية رحلتها الطويلة التي حاولت الإعتداءات المتكررة إيقافها أثناء العدوان الإسرائيلي المنصرم على لبنان، إذ "دمّر معظم فروع الجمعية على امتداد الأراضي اللبنانية، لكنها استطاعت نتيجة إيمانها الراسخ باللَّه والناس، الإستمرار في تحقيق أهدافها المتمثلة بمساعدة الناس وتعزيز روح التعاون والتكافل بينهم، فأعادت افتتاح مراكز جديدة بدل الفروع المدمّرة. وتعمل المؤسسة على استحداث برامج إقراضية جديدة تغطي من خلالها الكثير من الحاجات الإقراضية التي يحتاجها أهلنا وشعبنا في مختلف المناطق اللبنانية".

"فالجمعية قدّمت القروض سابقاً واليوم دورها يفرض عليها النهوض بالمجتمع المعتدى عليه. فالمؤسسة قدّمت أثناء عام 2006 أكثر من 30130 قرضاً في حين كان عدد القروض التي قدّمتها في العام 2005 يبلغ 26142 قرضاً".
ومن التدهور تولد النهضة، ومن الأزمات تخرج الحلول، هكذا كان وجود الجمعية الإبتدائي، وهكذا "ستستمر ولكن بزخم أقوى يمكنه أن يحيط بالأزمة الحالية، فإن المؤسسة التي نذرت نفسها لخدمة الناس ستبقى رائدة في هذا المجال بالاتكال على اللَّه سبحانه وتعالى وبالإدارة الحسنة لبرامج ومشاريع الجمعية المختلفة، معتمدين بذلك على قول الرسول الأكرم (ص) "لا أخاف على أمتي من الفقر، ولكني أخاف عليها من قلة التدبير".


*المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق*
إن كان الفكر العقائدي والمقاوم يشكّل سبباً لأنصار الاستسلام العالمي ليسكتوا عن قصف المراكز الثقافية، فبماذا قد يبرر هؤلاء دعمهم المتهوّر للغطرسة الإسرائيلية، حين يقصفون مركزاً يشكّل مرجعية للدراسات والبحوث، وكان "يخدم شريحة واسعة من اللبنانيين، فكان يرتاد المركز يومياً العشرات من الطلاب والباحثين والإعلاميين اللبنانيين والأجانب، بغض النظر عن مشاربهم الفكرية والطائفية، وبتكاليف زهيدة تقدّر ظروف الطالب". هذا ما عرضه لنا السيد عبد الحليم فضل اللَّه المسؤول الإعلامي في "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق" الذي اعتبر أن تدمير "حاضرة ثقافية هامة ومتميزة داخل الضاحية الجنوبية لبيروت، يؤكد من جديد أن من يجول العالم لينادي بمحاسبة أعدائه تحت شعار معاداة السامية هو في الحقيقة معادٍ للحضارة الإنسانية".

لقد أدى تدمير هذا المركز إلى "احتراق 46 ألف عنوان كتاب، 1000 خريطة، 150 كتاباً الكترونياً، 1500 وثيقة، 500 ألف صورة مايكرو فيلم، مليوناً قصاصة صحفية ممكننة، 150 وعاء متعدد الوسائط، قاعدة بيانات إحصائية حول لبنان وإطار إحصائي ورقي، و500 نسخة أصلية من التقارير والدراسات التي أعدّها المركز". وكما لكل مؤسسة خطتها للنهضة بعد الحرب، كانت نهضة مركز الدراسات قاعدة ومرجعاً كعادته تستند إليه كافة المؤسسات ذات الصلة للانطلاق بعملية الإصلاح بجميع مستوياتها "إذ منذ اليوم الأول لانتهاء الحرب وانتصار المقاومة، بادر المركز لأخذ دوره في عملية إعادة النهوض واستئناف واجباته ومهامه، بدءاً من إعداد مسح شامل لأضرار القطاعات الاقتصادية والزراعية جراء العدوان، وقد شمل جميع الأراضي اللبنانية ومختلف أنواع المؤسسات والوحدات الاقتصادية، وساهم المركز بشكل فاعل بمسح الأضرار التي لحقت بالمباني السكنية".

وبما أن المركز شهد دماراً لكونه من مجتمع المقاومة، لم ينسَ المركز هذه المقاومة فقد "بادر بالإعداد لمؤتمر ضخم لدعم المقاومة عقده في قصر الأونيسكو، وحضره المئات من الناشطين وأصحاب الفكر السياسي والإجتماعي والإعلامي والإقتصادي والقانوني من مختلف أرجاء العالم، وأقام ندوة حول التنمية في مجتمعات غير مستقرة بالإشتراك مع مؤسسة أنتراك الدولية". وكما أن لكل عائلة في لبنان جرحاً لم يندمل، كذلك فإن المركز "فقد أحد موظفيه مع عائلته في هجوم همجي استهدف المبنى الذي يسكنون به، فكانت هذه هي أحد عناوين التضحية لهذا المركز". أما في الجانب الذي يمكن التعويض فيه، فلم يتلكأ المركز في "نفض غبار الحرب والدمار عنه، ليعيد بناء نفسه وفق قاعدة أفضل باستعادة أكثر من 95% من بنك المعلومات وجزءاً كبيراً من دراساته، كما بدأ مشروع إعادة إحياء المكتبة التي ستكون وفق معايير رقمية وبمواصفات عالية".

وكلمة "لن نخضع" قالها المركز في كل الندوات التي نظمها، وفي جميع الدراسات التي أعدّها. لم يقلها تصريحاً، بل أكّدها في مشاركاته في المنتديات المناهضة للعولمة والمساندة لقضايا التحرّر والتنمية، قالها في كل حرف خطّه في الدراسات التي أكّدت ولا زالت تؤكّد أن الحرف قرين السلاح، فقد "أنجز عشرات الدراسات والتقارير والأبحاث التي عالجت، على نحو خاص، إدانة العدو أمام المؤسسات القانونية الدولية، التخطيط لإعادة الإعمار، مراجعة وتحليل السياسات الإقتصادية الحكومية (باريس 3 الموازنات الحكومية). ومذ كانت البذور تنمو على الركام، نجد أن بذور هذا المركز تزكو وتنمو مع كل محاولة لإخفائها، "فإن ورشة إعادة النهوض بالمركز لا زالت مستمرة، ويمكن في الواقع تسميتها "ورشة تطوير المركز"، وهو في وقت قريب سيعيد فتح أبوابه لاستقبال رواد المكتبة والراغبين بالاستفادة من بنك المعلومات".


*جمعيَّة المعارف الثقافيَّة الإسلاميَّة*
خلال وضع إسرائيل خارطتها للتدمير، ومن ضمن أهدافها كانت "جمعية المعارف الإسلامية الثقافية" التي تركت أثراً كبيراً على الساحة الإسلامية والعربية بمختلف تشعّباتها الثقافية، ولا سيما القاعدة الثقافية التي تشكّلها بالنسبة للمقاومة ومجتمعها. وهنا يشير سماحة الشيخ أكرم بركات مدير عام الجمعية إلى "أننا في الجمعية عشنا في الحرب، مع الحزن على ما جرى، سعادة بسبب ما لاحظناه من وعي لدى مجتمع المقاومة إضافة إلى المجاهدين، وهذا ما يعبّر بشكل واضح عن الخلفية الثقافية التي يحملها هؤلاء، وهو ما يشجّع الجمعية على الإستمرار في عملها التربوي والتثقيفي مهما كانت التحدّيات ومهما كانت الخسائر المادية، والتي كان منها فقدان الكثير من المكتبات التابعة للجمعية مع بعض المراكز الثقافية التابعة لها".

وعندما يستريح المقاوم، لا بد أن تأخذ الكلمة موقعها، "فمع وقف إطلاق النار استمرّت الجمعية بوتيرة جيّدة في نشاطها. فصحيح أن الحجر هُدّم، لكن الساعد بقي. وصحيح أن الحاسوب الآلي نالته صواريخهم، لكن القلم المنصاع في حركته للعقل الواعي لم ولن ينضب بإذن الله تعالى. فها هي الجمعية بمركزها الجديد تحكي كما ستحكي كل الضاحية الجنوبية وقرانا ومدننا التي نالتها صواريخ الإحتلال "سنرجع أحلى مما كنا". وكما شكّلت الحرب نصراً كبيراً للمقاومة وشعبها، كذلك كانت مبعثاً غزيراً للكتابات اللبنانية والعربية والدولية التي شهدها معرض المعارف للكتاب في "مجمع سيد الشهداء"، "وكل من زار المعرض أو شارك في أنشطته أو شاهد أو سمع بمزاياه، عرف بوضوح أن ثقافة الحياة التي تُحرّكنا لن يستطيع العدو الإسرائيلي أن ينال منها".

فالمعرض تنوّعت أبوابه، وساهمت دور النشر التي لم يرحمها الإعتداء بمشاركات ثقافية واسعة، بالإضافة إلى دور النشر الأخرى من لبنانية وعربية، كما كانت هناك الندوات التي جوهرت المعرض بطابعها الحيوي، ولا يمكن أن ننسى مباركة الثقافة من مرسّخ ثقافة المقاومة والتحرير والإستشهاد، سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. "كل هذه الجوانب فضلاً عن المشاركة الواسعة للبنانيين فيه تعبّر عن أن ثقافة المقاومة تطوّرت وزادت نصوعاً بعد حرب تموز، إذ هبّ مجتمع المقاومة سريعاً ليعبّر عن حيويته ورؤيته الثقافية التي كانت الأساس في انتصاره. وهكذا مجتمع وفيٌّ، شريفٌ، يستأهل منا كعاملين في الجمعية، كل جهدٍ من أجل رقيّه".

إن الجمعية التي تضم "معهد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه للدراسات الإسلامية"، ومركز الإمام الخميني قدس سره الثقافي، ومعهد سيد الشهداء لدراسة كيفية إحياء المناسبات الحسينية، لا تغيب عنها لغة الثقافة الأولى وهي الإعلام الذي لم يتوقف عن نشاطِه حتى أثناء الحرب.

*مجلة بقية اللَّه‏*
إنها "مجلة بقية الله" التي كانت تمسك، مع المقاوم يداً بيد، قلم الصمود والمواجهة، "فقد صدرت المجلة أثناء العدوان في عددها الخاص مع بداية شهر آب"، وذلك في موقف تحدّي القلم للقتل، والكلمة لزمجرة الطائرات.
وكذا العديد من الإصدارات التي كانت في مضمونها تلبي حاجات مجتمعنا الروحية والثقافية أثناء الحرب. وإن كانت "جمعية المعارف الإسلامية الثقافية" متمثلة بكل فروعها ومنها مجلة "بقية الله" التي صدرت أثناء الحرب من واقع الحدث، فمن الإجحاف الحديث عن عودتها لأن المبدأ يكفي عنواناً للبقاء.

*مركز الإمام الخميني الثقافي*
إذا أردت أن تدمّر بلداً فلا بد من أن تدمّر ثقافته، هذه كانت دوماً نظرية سياسة الإستعمار التي عمدت إلى طمس معالم الحضارات، ولا سيما الإسلامية، وذلك بتدمير المكتبات والمراكز الثقافية التأريخية لجميع تلك الحقَب السالفة. وفي حاضرنا، نرى العدو يتابع مسيرة الغابرين من أسياده، يقوم بقصف مجموعة من المراكز الثقافية إضافة إلى عشرات دور النشر التي أرّخت الثقافات للأجيال القادمة. وفي لقائنا مع د. علي الحاج حسن المدير العام لمركز الإمام الخميني، عرض لنا الأضرار غير المادية التي تعرّض لها المركز والذي دمّر بالكامل:
"إلى حدّ ما، يمكن لكل من يرى أن يعلم أن الإستهداف الإسرائيلي لهذا المركز كان منطلقه من هذه الأهمية التي يشكلها المركز وما يمكن أن يشكله غيابه من فراغ لدى رواده من أهل العلم والمعرفة".

وعندما نقول "فراغ" يعني ذلك أن المركز في حالة غياب عن الساحة الثقافية، أو أنه قد ترك الساحة مطلقاً، "ولكن دون شك هذا ما لا نراه فبعد انتهاء العدوان الصهيوني بدأ العمل على إعادة المركز إلى سابق عهده، طبعاً المهمة كانت صعبة وشاقة بعض الشيء، لذلك تم العمل بشكل تدريجي حيث يتم بناء مركز جديد يحتوي على مكتبة عامة تضع في متناول القراء مختلف المراجع والكتب القيّمة، إضافة إلى قاعة للندوات وصالونات للحوارات واللقاءات، وذلك لجعل هذا المركز الجديد مركزاً نموذجياً من حيث النوعية بشكل يسهل على رواده الإستعارة من صروحه تبعاً لبرامج أرشفة، وخدمات كمبيوتر وإنترنت بشكل أيسر من السابق، كما أننا في حالة إعادة استعداد وتجهيز الملفات العلمية، وقد كانت لنا بعد الحرب إطلالات واسعة من خلال النشاطات الثقافية في معرض جمعية المعارف للكتاب العربي والدولي".
وكما شعب المقاومة يفقه كيف تُقدّم التضحيات، كذلك عناوين ثقافته ستبقى تروي للمحافل كيف ترتقي الحضارات.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع