مع الإمام الخامنئي | يا شعب لبنان الوفيّ نور روح الله | الوعي بوصلة المؤمنين قيم علوية| انشغل بعيوبك! تسابيح جراح | لن يقرب اليأس منّي أولو البأس | الخيام مقبرة غولاني الشهيد على طريق القدس عارف أحمد الرز («سراج)» تشييع السيّد يومٌ من أيّام الله طوفان المحبّين على العهد لن تأخذوا أسرارنا من صغارنا تذيع سرّاً تسفك دماً

أول الكلام‏: بذرة... تحكي أسرار النبيين‏

الشيخ يوسف سرور

 



كان الناس يقدمون نماذج من البشرية، لشخصيات تحيط بها هالات من الاحترام والتقديس، على أنها هامات لا يُبلغ كنه أسرارها، ولا حتى تفسير الكثير من سلوكياتها، حتى غدت رموزاً وألغازاً يستحيل استشراف أبعادها، واستشفاف أستارها. وهكذا، تحول الأنبياء والرسل إلى دائرة هائلة من الأسرار تُحاط بشرانق من الأسئلة التي لا تعثر على أجوبتها.

بهذا، نكون قد حبسنا هذه النماذج الإلهية التي أراد اللَّه أن يكون كلٌّ منها أسوة تحتذى وقدوة تُقتدى في سجن من الإرباك في النظرة، وخلف سدودٍ وحواجز من الفهم العقيم. ثمة عندنا من استفاد من هذا الفهم وهم كثرة ليبرر ضعفه أمام تسويلات النفس ووساوس الشيطان، وليبطّن تقصيره في مواجهة استحقاقات الحياة الداهمة، التي تجري في دفقٍ لا يعرف الانتهاء إلا حين تأزف ساعة الرحيل، ويقف المرء في مواجهة استحقاقات الآخرة مهيض الجناحين، عاجزاً عن تبرير ارتكاسه في حركة الحياة الدنيا، مرتداً على نفسه غير قادر على استيعاب مدى الطفرة السلبية الهائلة التي جعلته يرى ما قطف من ثمار الخيبة، على مفاسد محصّلة ومصالح مفوَّتة. وهذا هو ديدن الآدميين في التعبير عن العجز أمام الأثمان المطلوب تقديمها، في سبيل ارتقاء سلّم الكمال المُعدّ من قبل ربّ الممكنات وخالق الكائنات. عصفت بالمخلوقين رياح التغيير وأنواء المخاضات المتنوعة، لا ليرسو عالمهم على بر الأمان والطمأنينة، إنما لتظل أمواج الحياة تتلاطم سفن نجاتهم وأشرعة مراكبهم الوانية. في زحمة هذا الخضم المحموم، وعلى خلاف انسياب مجرى الأحداث والوقائع، "جاء من أقصى المدينة رجل يسعى" جعل كل حركة من لدنه، وكل صوت يصدح من أعماقه تشير إلى المعنى المأثور في الآي المذكور "يا قوم اتبعوا المرسلين"؛ وقف بإزاء عوامل القهر المغروسة في أرضنا الحزنة، المشدودة إلى أوتادٍ مثقلة بأكداس هاماتنا المطروحة واحدةٍ فوق أخرى، جاء ليجهد في تقويم تضاريس حياتنا، ومل‏ء تجاويف أيامنا، حيث عملت فيها أيادي العبث، تبديداً وتمزيقاً، وتفكيكاً وتطويقاً... حتى لَظَن البعض استحالة الإصلاح فضلاً عن إمكانية التغيير.

جاء من أقصى المدينة رجل يسعى، ليقول لنا: إن هامات المخلوقين التي بعثها اللَّه إلى هذا العالم، أراد لها أن تكون مرفوعة؛ وإن النفوس التي جهدت قوى اليأس في احتزاز كل نماءاتها، واجتثاث أي قيام فيها إن هذه النفوس لجديرة بامتطاء جياد العزم وخيل الاندفاع؛ حيث ما اعتُقد استحالته على الآدميين من اقتفاء آثار النبيين، في سمو الروح وصفاء النفس، وتوطين الذات على البذل والعطاء والصبر والإباء، من تغيير العالم تمهيده ليصبح هلاماً، قابلاً لتلقي كلمة اللَّه من لسان بقية اللَّه كل هذا أصبح بهمة روح اللَّه واقعاً تصفه ألسنة المعاصرين، وفعلاً تعبّره عزيمة المجاهدين في كل يوم، وعملاً تحكيه إرادة أهل العزم في كل محفل، وحكمة ترددها شفاه القادة على كل منبر، وموعظة تتردد على ألسنة العلماء في كل مسجد، وأنشودةً للعشق ترنم آهاتها، وترتل أناتها إيقاعات العارفين، المشدودة قلوبهم نحو المحبوب الأوحد والمعشوق الأول. روح اللَّه، أبدى لنا ما كان في عرف الآدميين أسطورة، من مثابرة نوح وعزم إبراهيم، إلى آيات موسى ونقاء عيسى... إلى رحمة بعثها اللَّه للعالمين، كلمة، بذرة غرسها اللَّه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع