مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقيّة الله‏: ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه

الشيخ نعيم قاسم‏

 



ولد الإمام المهدي عجل الله فرجه محمد بن الحسن العسكري في مدينة سامراء في دار أبيه، ليلة الجمعة في الخامس عشر من شهر شعبان من سنة 255ه على أشهر الروايات. أمُّه جاريةٌ اسمها نرجس، وهي ابنة قيصر الروم، كانت قد وقعت في أسر المسلمين. ويُروى أنَّ اسمها مليكة. ولّدته عمته حكيمة، بطلب من والده الإمام العسكري عليه السلام، وقد استغربت ذلك ليلة استدعائها، لأنَّ الحملَ لم يكن ظاهراً ولا بارزاً على بطن أم المهدي عجل الله فرجه، لكنَّ الإمام العسكري عليه السلام بيَّن لها أنَّ مثلها مثل أم موسى عليه السلام التي لم يظهر حملها، لحماية موسى عليه السلام من فرعون وجنوده، الذين كانوا يتعقبون كل امرأة حامل لقتل جنينها، خوفاً من زوال ملك فرعون على يديه. وفي تعليلِ هذا الأمر، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "أمَّا مولد موسى عليه السلام، فإنَّ فرعون لمَّا وقف على أنَّ زوال ملكه على يده، أمر بإحضار الكهنة، فدلُّوه على نسبه، وأنَّه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولود، وتعذَّر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه السلام، بحفظ الله تبارك وتعالى إياه. كذلك بنو أمية وبنو العباس، لمَّا وقفوا على أنَّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منَّا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلى الله عليه وآله، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى الله عزَّ وجل أن يكشف أمره لواحد من الظلمة، إلاَّ أن يتمَّ نوره ولو كره المشركون"(1).

* التشكيك في ولادته‏
شكك البعض في ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه ولعلَّ السرية التي أحاطت مولده من ناحية، ورغبة بعض الجهات في إنكار ولادته لغايات عندهم من ناحية أخرى، كانت وراء هذا التشكيك، الذي أخبرنا عنه مُسبقاً رسول الله صلى الله عليه وآله. فعن الإمام الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام، عن الرسول صلى الله عليه وآله: "والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبنَّ القائم من ولدي بعهدٍ معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه، فليتمسَّك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه، فيزيله عن ملتي، ويخرجه عن ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإنَّ الله عزَّ وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"(2). وعن زرارة، عن الإمام الصادق عليه السلام:

"وهو الذي يُشك في ولادته، فمنهم من يقول: بات أبوه بلا خَلَفٍ، ومنهم من يقول: حِمْل (أي مات أبوه وهو حمل)، ومنهم من يقول إنَّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله عزَّ وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة. قال زرارة: قلت: جعلت فداك، إنْ أدركتُ ذلك الزمان، أيَّ شي‏ء أعمل؟ قال الإمام عليه السلام: يا زرارة، إذا أدركت هذا الزمان، فادعُ بهذا الدعاء "اللهم عرِّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرِّفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجَّتك، اللهم عرِّفني حجتك فإنَّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني""(3).

* خبر ولادته‏
وقد ورد تواتر خبر ولادته عجل الله تعالى فرجه في كتب السنة والشيعة، من عشرات المؤرخين، ومئات العلماء من مختلف الفرق الإسلامية(4). حرص الإمام العسكري عليه السلام على إخبار جماعة من المؤمنين الخُلَّص بولادته، ليكونوا شهوداً على ذلك، وتمهيداً لإمامته عليهم، فقد كتب لأحمد بن إسحاق بذلك قائلاً: "وُلد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فإنَّا لم نُظهر عليه إلاَّ الأقرب لقرابته، والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرَّك الله به، مثل ما سرَّنا به، والسلام"(5). كما نقل جعفر الفزاري، عن جماعة من أربعين رجلاً حضروا مجلس الإمام العسكري عليه السلام، وقد عرَّفهم على الحجة عجل الله فرجه، وأخبرهم بإمامته عليهم من بعده. فقد "روي أنَّ عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، قال للإمام العسكري عليه السلام في هذا المجلس: يا ابن رسول الله، أريد أن أسألك عن أمرٍ أنت أعلم به مني. فقال عليه السلام: إجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج. فقال عليه السلام: لا يخرجنّ أحد. فلم يخرج منَّا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح عليه السلام بعثمان، فقام على قدميه، فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم، يا ابن رسول الله. قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم. فإذا غلامٌ كأنَّه قطع قمر، أشبه الناس بأبي محمد، فقال عليه السلام: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمَّ له عُمُر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه"(6). ونقل الشيخ الصدوق الخبر نفسه بصيغة قريبة، عن جعفر الفزاري، عن جماعة منهم محمد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام ونحن في منزله، وكنَّا أربعين رجلاً، فقال: "هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلاَّ أيامٌ قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام"(7). تدل الروايتان على وجود هدفين من لقاء الإمام العسكري عليه السلام بهذا العدد من مناصريه: الأول: إخبارهم عن إمامة المهدي عجل الله فرجه من بعده. والثاني: تهيئتهم لغيبته لأنهم لن يتواصلوا معه كما كانوا مع الإمام العسكري عليه السلام. وقد اتضح من الرواية الثانية، تعريفهم على وكيل الحجة عجل الله فرجه عثمان بن سعيد العمري، كصلة وصلٍ بين الحجة عجل الله فرجه والمؤمنين.

* خبر الإمامة
أبلغ الإمام الحسن العسكري عليه السلام ولده بإمامته بعد موته، كما كان يُبلِّغ كل إمام مَنْ بعده، ويطْلِع المحيطين بالإمام والمؤمنين به على هذه الروايات الخاصة، فضلاً عن الروايات العامة المجملة عن الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، التي تتحدث عن الأئمة بمجموعهم وبأسمائهم. روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام وهو على فراش الموت، قوله لولده محمد بن الحسن عجل الله فرجه: "أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ولدك رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، صلى الله على أهل البيت، ربنا إنك حميد مجيد"(8).

 


(1) الشيخ الصدوق، اكمال الدين، ص‏354.
(2) المصدر نفسه، ص‏51.
(3) الشيخ الكليني، الكافي، ج‏1، ص‏337.
(4) المجمع العالمي لأهل البيت، أعلام الهداية، خاتم الأوصياء، ج‏14، ص‏113.
(5) الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص‏434.
(6) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص‏357.
(7) الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص‏435.
(8) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 272.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع