الشيخ إسماعيل حريري
درجت أغلب محطات التلفزة الفضائية والأرضية اللبنانية والعربية في نهاية كل سنة ميلادية على ترويج توقعات علماء أو عالمات الفلك كما يسمّونهم.
وفي مطلع كل سنة ميلادية تصدر عن بعض المؤسسات العربية عشرات الكتب لهذا الفلكي أو ذاك والتي تتوقّع حصول هذا الأمر أو ذاك في هذه المنطقة أو تلك لهذه الشخصية أو تلك.
ولعلَّ البعض يعتمد في يومياته على إرشادات تلك التوقعات بناءً على انعكاس العالم الفلكي على الأرض والعالم البشري.
ومن ذلك ما يعرف بالأبراج التي لا تكاد تخلو صحيفة يومية أو مجلّة من ذكر توقعاتها للمواليد الذين يحسبون أنهم ولدوا في هذا البرج أو ذاك.
وحتى نسلّط الضوء على هذه الظاهرة وانعكاساتها ورأي الدين الإسلامي فيها، ولو بشكل مختصر ومجمل، لا بد من التعرّض للنقاط التالية التي تبيّن الموضوع والحكم في المسألة:
* البروج والأبراج:
أنه مما لا شك فيه عند أهله أنّ هناك في السماء ما يسمّى بالبروج والأبراج. قال الطريحي في مجمع البحرين ما لفظه: "قوله تعالى: (والسماء ذات البروج) (البروج: 1)، قال الشيخ أبو علي في تفسير هذه الآية:
البروج: المنازل العالية، والمراد هنا منازل الشمس والقمر والكواكب وهي إثنا عشر برجاً. يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث، وتسير الشمس في كل برج منها شهراً..." إلى أن قال: "والبروج التي للربيع والصيف: الحمل، والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة، وبروج الخريف والشتاء: الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والسمكة"(1).
وفي أيامنا هذه يذكرون بدل "السنبلة" "العذراء"، ويعبّرون عن "السمكة" بالحوت.
وهذه البروج الإثنا عشر يقطعها القمر في شهر، كل يوم 13 درجة و3 دقائق و54 ثانية، ولذلك يتم دورته في 27 يوماً و7 ساعات و43 دقيقة.
* قالوا في علم الفلك:
إنّ الأبراج الفلكيّة ترتبط بالكواكب على أساس أنّ كل برج يتحكم فيه كوكب واحد أو عدّة كواكب. فمثلاً برج الحمل يتحكّم فيه كوكبا المريخ وبلوتو، وبرج الدلو يتحكم فيه كوكبا زُحل وأورانوس. وهذه الكواكب تتحكم وتؤثر تأثيراً قوياً في أبراجها الخاصة بها مهما كان وضع هذه الكواكب في السماء وفي كل وقت. وحين تسبح هذه الكواكب داخل الأبراج التي تتحكم فيها تكون لها مكانة خاصة وتأثير قوي.
وهم يعتبرون أن الكواكب والنجوم مؤثرة في حياة الناس وتتحكم فيها بشكل ايجابي أو بشكل سلبي.
* رأي الإسلام:
أولاً: لا بد من الإشارة بشكل مجمل إلى أن النظر في النجوم أو ما يعرف بعلم النجوم، ويسمّى اليوم بعلم الفلك، ليس مرفوضاً بالكامل، بل أصله جائز لا إشكال فيه. بل دلّت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنه من علوم الأنبياء وأن أول من تكلم في النجوم هو النبي إدريس على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام(2).
إذا توضح ذلك، نقول:
إنّ النظر في النجوم والكواكب يمكن أن يتصوّر بعدة كيفيات منها:
1 - أن يُنظر إليها على أنها المؤثرة استقلالاً بعيداً عن إرادة اللَّه تعالى ومشيئته، بحيث يكون المؤثّر التام في الحوادث الحاصلة في حياتنا هو الأوضاع الفلكية الحاصلة بين الفلكيات بعضها مع بعض مستقلة عن مشيئة الباري عزَّ وجلَّ.
وقد صرّح العلماء بأنّ هذا كفر وباطل بضرورة الدين. وعلى هذا المعنى المحرَّم حُملت الروايات المحذّرة من علم النجوم والنهي عن الاعتقاد بصحته كما في قول علي عليه السلام: "أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يُهتدى به في بر أو بحر..."(3).
2 - أن يُنظر إليها على أنها تفعل الآثار التي تنسب إليها من حرّ أو برد أو مطر ونحو ذلك، والمؤثر الأعظم هو اللَّه تعالى.
وقد حكم العلماء ببطلان هذا الاعتقاد لأنه يجعل النجوم حيّة فاعلة مختارة، بل نسبوا قائله إلى الكفر والخطأ. قال الشهيد الأوَّل في القواعد: "ومن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها، واللَّه سبحانه هو المؤثّر الأعظم، فهو مخطئ، إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي أو نقلي"(4).
3 - أن يكون ربط الحركات الفلكية بالحوادث الحاصلة في العالم من قبيل ربط الكاشف والمكشوف، بمعنى أن الحركات الفلكية تكشف عن الحوادث الحاصلة وتكون علامات عليها لا أنّ لها تأثيراً كما في الصورتين المتقدمتين.
وقد التزم جماعة من العلماء بأنه لا مانع من هذا الاعتقاد وحُملت الروايات الواردة في صحة علم النجوم وجواز تعلّمه على هذا المعنى.
وقد ذكر السيد ابن طاووس ذلك والتزم به ولكن يجوز للقادر الحكيم تعالى أن يغيّر هذه الحوادث بالبرّ والصدقة والدعاء وغير ذلك من الأسباب. وجوّز تعلّم علم النجوم والنظر فيه والعمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة(5).
وقد عارضه آخرون لجهة أنه لا يحيط إحاطة تامة بما تبتني عليها الحوادث الحاصلة إلا الأوحدي كما ورد في الرواية عن الصادق عليه السلام حيث قال: "إنَّ أصل الحساب حق ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق"(6).
أقول: والذي يظهر من كلامهم المنقول في النقطة الثانية أنهم يعتبرون الكواكب التي تتحكم بالأبراج الإثني عشر هي المؤثرة والمتحكمة بحياة الناس وجوانبها كافة، وهذا ينطبق على الصورتين الأولى والثانية. وقد ذكرنا أن الاعتقاد بها باطل بل صرّح العلماء بكفر من يعتقد بذلك، هذا من حيث الاعتقاد.
وأمّا من حيث الإخبار فمن جهة المُخبر لا يجوز له الإخبار على نحو البت والجزم بذلك، وهذا ما يقع في إخباراتهم عن حال الأبراج حيث يخبرون عن مستقبل صاحب البرج من جهات عدة العاطفية والمهنية والصحية وغير ذلك.
وقد ورد في استفتاء لسماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) حول الأبراج ما لفظه: "إذا كانت إخباراً قطعياً عن الغيب أو المستقبل فلا تجوز"(7).
وأما من جهة القارئ فإنه وإن جاز له قراءة تلك التوقعات لكن لا اعتبار ولا حجية شرعية لها حتى يعتمد عليها ويرتّب الأثر في سير حياته على أساسها، بل قد لا يجوز في بعض الموارد كما لو أدّى إلى حرامٍ أو مفسدة.
* توقعات خيالية:
وفي الختام يحسن الإشارة والإلفات إلى أنَّ المطّلع على ما يكتب في الصحف اليومية من توقعات حول الأبراج يدرك زيف وخداع هذه التوقعات وأصحابها، حيث إنّ أدنى مقارنة بين توقعات في يومين متتاليين تثبت أنها توقعات خيالية من نسج الخيال وتأليف من بنات أفكار أحدهم. ولو أردنا أن نأخذ صورة عن حال صاحب برج معيّن خلال أسبوع لا أكثر لوجدناه إنساناً متقلباً مضطرباً مريضاً متأرجحاً بين هذه الحالات، ومتنقلاً من حالة إلى أخرى، ففي يوم هو صديق لشخص وفي آخر يليه هو عدو له وخصم، وهكذا.
فكيف إذا تصوّرنا إنساناً ذا عمر مديد يسيّر حياته على أساس هذه التوقعات التي تخالف بديهيات الحياة البشرية التي تطمح إلى الاستقرار والأمن والصحة؟
والحاصل: أنّ الإسلام لا يرى فائدة عملية ولا يرى وجهاً عقلائياً لهذه التخمينات التي قلّما تصيب وغالباً ما تخطئ.
فلا يليق بالعاقل أن يهدر وقته وعمره في النظر إلى هذه التخمينات إلا من باب التسلية وتمرير الوقت من حين لآخر. على أنّ التوكل على اللَّه تعالى والعمل بأحكامه هو الذي يرسم المستقبل المشرق والجميل لكل النَّاس. هذا ما يمكن إجماله في المقام وللتفصيل محل آخر والحمد للَّه ربّ العالمين.
(1) مجمع البحرين، ج2، ص276 277، مادة برج.
(2) راجع في ذلك ما ورد في بحار الأنوار، ج55، ص236، ح15 وح16، وص245، ح26، وص250، ح35، وغيرها.
(3) نهج البلاغة، شرح الشيخ عبده، ج1، ص124.
(4) كتاب المكاسب، ج2، ص331.
(5) فرج المهموم، ص114.
(6) وسائل الشيعة، ج12، ص102، ح2، باب 24 من أبواب ما يكتسب به.
(7) رقم الاستفتاء: 92712، تاريخه: 4 تشرين الأول 2006م.