ايفا علوية ناصر الدين
لا أقرأ الأبراج لكن أحياناً أقصد الإطلاع عليها لرصد ما تكتبه من تحليلات للحالة النفسية التي يعيشها صاحب كل برج من الأبراج الاثني عشر، وما تشتمل عليه هذه التحليلات من ذكر للتفاصيل في الجوانب الشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية والعاطفية إلى درجة يشعر معها من يصدِّق بالأبراج أن هناك من يستطيع تسجيل كل المشاعر والأحاسيس التي تتفاعل في أعماقه، وحتى معرفة كل المواقف التي يتعرض لها، والأحداث التي يعايشها فتراها تقول: رأسك مليء بالمشاغل، الثرثرات تزعجك، عدائيتك لا حدود لها، تواجهك صعوبات حالياً، وغيرها كثير...
وتُستتبع هذه التحليلات عادةً بالتوقعات التي تتنبأ له بحصول الجيد والسيء على السواء مثال: سيطرأ تغيير على حياتك، تزول عقبة من أمامك، أزمة مالية بانتظارك... إلى ما هناك من تحليلات وتوقعات عامة يمكن تطبيق مفرداتها على جميع الناس ويمكن حصولها مع أيٍّ كان، وقد يقول البعض ممن لا يؤمنون بالأبراج إن الهدف الأساسي الذي تحمله هذه الأبراج ما هو إلا محاولة لتسلية القارئ أو المشاهد من خلال مغازلة أحلامه وطموحاته وأمانيه، ويضعون هذه الأبراج في خانة التسالي، على قاعدة أنها لا تضر ولا تنفع وغاية ما في أمرها أنها قد تصيب أو لا تصيب إلا أن هؤلاء لا يلاحظون أنها لم تعد أخيراً تتوقف عند هذا الحد بل صارت تركِّز على الدعوة إلى العبثية والفراغ واللاهدفية كما هو مكتوب في أحد الأبراج على سبيل المثال لا الحصر "مهنياً، صحيح أن المثل يقول لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد لكن طنِّش يا عزيزي واخلد إلى الراحة ولا تهتم...".
وهذه العبارة لا تحتاج إلى جهد لتفسير ما تتضمنه من دعوة إلى الكسل والخمول والإهمال. وهذا ما يجرُّنا لتفسير ما يقف وراءها لتصنيفها في إطار المحاولات وما أكثر أساليبها وأشكالها في الإعلام اليوم لخلق الإنسان الفاشل العابث اللاهي وخصوصاً في ظل الضغوطات والمسؤوليات المنوطة به في هذا العصر، والتي هو بأمس الحاجة معها لبث روح النشاط والاستعداد فيه واستثمار جميع الوسائل الجدية والمسلِّية لتعزيز فاعليته وحثَّه على الجد والاجتهاد بدل دعوته إلى ما يسمى بالتطنيش. ومع وجود الإنسان المطنِّش اللامبالي يمكن عندها بسهولة تغيير جميع المُثُل في حياة المجتمع بل وأيضاً الحِكَم البالغة والتي منها طبعاً: "كذب المنجِّمون ولو صدقوا".