الشيخ كاظم ياسين
(وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) (الأنعام: 59)، (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير وما مسّني السوء) (الأعراف: 188). (ولا أقول لكم عندي خزائن اللَّه ولا أعلم الغيب) (هود: 31). (لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللَّه) (النمل: 65).
هذه الآيات الكريمات تصرح بأن علم الغيب يختص بالله سبحانه. ولكن يوجد في القرآن الحكيم أيضاً آيات أخرى تصرح بأن الله تعالى يتفضل على بعض عباده الصالحين من علم الغيب الذي عنده.
والعلم بالغيب، بالتفضل من الله تعالى، هو أحد المعجزات والخوارق التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليه السلام وهي لعدة أغراض:
فهي للتحدي، وإثبات الوحي والنبوة والإمامة، وهي إكرام للأنبياء والأولياء وتشريف لهم، وهي مما تقتضيه قواهم الروحية ومكانتهم النفسية وتعلقاتهم الغيبية، وهي من أجل حماية الله لهم أو حماية أنفسهم من الأخطار من أجل خدمة الرسالة.
* إخبارات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
فقد أخبر رسول الله المسلمين أنهم سوف يفتحون قصور كسرى وقيصر(1).
وأخبرهم بالفئة التي سوف تقتل عمار بن ياسر فعن حذيفة، قال: عليكم بالفئة التي فيها ابن سميّة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية(2).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إنكم ستقاتلون بني الأصفر، ويقاتلونهم الذين من بعدكم، حتى يخرج إليهم روقة الإسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ويفتتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير، فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها(3).
وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حروب علي عليه السلام بعده وأنه سوف يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين(4).
وأخبر علي عليه السلام بكيفية شهادته: فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: أخبرني الصادق الصدوق أني لا أموت حتى أُضرب على هذه، وأشار إلى مقدّم رأسه الأيسر، فتخضب هذه منها بدم(5).
وأخبر الإمام الحسين بصفات قاتله: فعن محمد بن عمرو بن حسين قال: كنا مع الحسين بنهر كربلاء فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال: صدق رسول الله! قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كأني إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي! وكان شمر أبرص(6).
وأخبر رسول الله عن المغول، فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين عراض الوجوه، كأن أعينهم حدق الجراد كأن وجوههم المجانّ المطرقة. وحتى يقاتل المسلمون الترك قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر ويمشون في الشعر(7).
وأخبر أيضا عن قتال المسلمين لليهود: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله(8).
* نماذج من إخبارات أمير المؤمنين عليه السلام:
ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه فقال: إن علي بن أبي طالب ألف كتاباً يسمى بالجفر الجامع، فيه علم كل شيء من خواص الأشياء وأسرار الخلق وآثار الحروف والأسماء وتأثيرات العوالم العُلوية والسفلية وكل ما كان وما يكون إلى قيام الساعة ولا يطّلع على ذلك الكتاب أحدٌ سوى أولاده الأحد عشر الذين حازوا درجة الولاية وتوصّلوا إلى مقام ورتبة الإمامة وقد وصلهم الكتاب وفهمه وعلمه بالوراثة.
كما وأشار بل صرح أيضاً باختصاص علم الجفر والكتاب الجامع بالإمام علي عليه السلام وأبنائه الأئمة المعصومين عليه السلام الحافظ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة.
عنه عليه السلام "لما عزم على حرب الخوارج وقيل له: إن القوم عبروا جسر النهروان": مصارعهم دون النّطفة(9)، والله لا يُفلت منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة(10).
* إخباره عليه السلام عن قاتل ولده الحسين عليه السلام
وروى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أخباراً كثيرة تحكي علم الإمام علي عليه السلام بالأمور الغيبية، فقال: روى ابن هلال الثقفي في كتاب الغارات عن زكريا بن يحيى العطار عن فُضيل عن محمد بن علي قال: لما قال علي عليه السلام: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها، قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر! فقال له علي عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكاً يلعنك، وأن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يُغويك، وأن في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله، وكان ابنه يومئذ طفلاً يحبو وهو سنان بن أنس النخعي(11).
* إخباره عليه السلام عن عاقبة خالد بن عرفطة
وذكر ابن أبي الحديد في نفس الجزء والصفحة، فقال: وروى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن سويد بن غفلة أن علياً عليه السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين! إني مررتُ بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له، فقال عليه السلام: والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن عمار؛ فقام رجل آخر من تحت المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين! أنا حبيب بن عمار وإني لك شيعة ومحب! فقال عليه السلام: أنت حبيب بن عمار؟ قال: نعم، فقال له ثانية: والله إنك لحبيب بن عمار؟ فقال: أي والله! قال عليه السلام: أما والله إنك لحاملها ولتحملنّها ولتدخلن بها من هذا الباب وأشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة قال ثابت: فوالله ما متُّ حتى رأيت ابن زياد وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليه السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن عمار صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل!
قال ابن أبي الحديد تحت عنوان "فصل في ذكر أمور غيبية، أخبر بها الإمام ثم تحققت":
واعلم أنه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده، انهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلا أخبرهم به و... الخ. هذه الدعوى ليست منه ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة ولكنه كان يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك، قال ابن أبي الحديد: ولقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة.
كإخباره عن عبد الله بن الزبير وقوله فيه: "خب ضب، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قريش".
وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة أخرى بالزنج، وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان.
وكإخباره عن المملكة العلوية بالمغرب.
وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم: ويخرج من ديلمان بنو الصياد. وكان أبوهم صياد سمك، يصيد منه بيده ما يتقوت هو وعياله بثمنه، فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة ونشر ذريتهم حتى ضُربت الأمثال بملكهم(12).
وكذلك إخباره عليه السلام بأن ابن ملجم قاتله(13)!
* الأئمة عليهم السلام والغيب:
وأئمة أهل البيت يعلمون الغيب أيضاً: فعن عمار الساباطيّ قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام يعلم الغيب؟ فقال: لا، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك(14).
وسأل أبا الحسن عليه السلام رجل من أهل فارس فقال له: أتعلمون الغيب؟ فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: يُبسط لنا العلم فنعلم، ويُقبض عنّا فلا نعلم، وقال: سرّ الله عز وجل أسرّه إلى جبرئيل عليه السلام وأسرّه جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأسرّه محمد إلى من شاء الله(15).
ولما عرض المأمون ولاية العهد على الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وأخذ له البيعة، كتب كتاباً بخطه وقدمه للإمام حتى يوقّع أدناه ويختمه بخاتمه الشريف، فكتب فيما كتب خلف كتاب العهد: ... أن الخليفة عبد الله المأمون جعل إليّ عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده... وكتب في آخره: ولكن الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك، أي أنه عليه السلام لم يبق بعد المأمون بل يموت قبله(16).
(1) فروع الكافي، ج8، ص216. وهذا الخبر مما رواه الخاصّة والعامة بأسانيد كثيرة بل قد يُقال إنه من المتواترات.
(2) الظاهر أن الأخبار في هذا المعنى متواترة، فراجع كنز العمّال، ج11، ص724 إلى 727.
(3) كنز العمال، خ38419.
(4) المتقي في كنز العمال ج6 88 وقال أخرجه ابن عساكر ورواه عن طريق آخر في نفس الصفحة وقال أخرجه ابن جرير ورواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج3 297 ط إحياء التراث وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 235 وقال رواه الطبراني وأخرجه الحاكم في المستدرك ج3 139 عن أبي أيوب بطريقين وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج13 186 وأخرجه البغدادي أيضاً في ج8 340 بسنده عن خليد العصري.
(5) راجع كنز العمال، خ36576 خ36577 خ36580 خ36587 خ36590 أيضاً: تاريخ ابن عساكر، ج3، ص266 268 وص278 289.
(6) كنز العمال، خ 37714.
(7) كنز، خ38407. كنز، خ38405.
(8) كنز، خ 38417.
(9) قال الشريف: يعني بالنطفة ماء النهر، وهي أفصح كتابة عن الماء وإن كان كثيراً جمّاً.
(10) قال ابن أبي الحديد: هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة لاشتهاره ونقل الناس كافة له، وهو من معجزاته وأخباره المفصلة عن الغيوب نهج البلاغة، خطبة 59 شرح النهج لابن أبي الحديد، ج5، ص3.
(11) في ج2 286 ط إحياء التراث.
(12) شرح نهج البلاغة ج7 47 ط إحياء التراث العربي.
(13) ابن الأثير في اسد الغابة، ج4 25.
ابن حجر في الصواعق المحرقة، ص80 ط الميمنية بمصر.
(14) أصول الكافي، ج1، ص257.
(15) أصول الكافي، ج1، ص256.
(16) رواه صاحب شرح المواقف في كتابه وقال: هكذا رواه العلامة سعد بن مسعود بن عمر التفتازاني في كتاب شرح مقاصد الطالبيين في علم أصول الدين.