نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الجن في القرآن الكريم‏

الشيخ حسين الطقش

 



إن عالم الوجود هو أوسع بكثير مما نشاهده ونحسه بحواسنا، فهناك عوالم أخرى غائبة عن حواسنا، وغير مشاهدة لدينا، وهذه العوالم منها ما فيه خواص المادة (كعالم الجن)، ومنها ما هو مجرد عن المادة وخواصها (كعالم الملائكة). وكلامنا في هذه المقالة عن عالم الجن من خلال القرآن الكريم، باعتبار أن الحديث عن عالم الجن وقع فيه الكثير من المبالغات بل حتى الأساطير، وهذا ما أدى بالبعض إلى الفهم الخاطئ عن هذا العالم. وهذا الأمر أدى إما إلى إنكار عالم الجن من أساسه وهذا معناه إنكار أمر قد ثبت من خلال الأدلة الثلاثة (القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع)، وإما إلى الإيمان به مع ما شابه من خرافات وأساطير، وهذا ضرره أشد من الأول. نعم من خلال القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وأحاديث العترة الطاهرة، نستطيع أن نكوّن فهماً صحيحاً عن عالم الجن من دون شائبة الخرافات والأساطير.

* من هم الجن؟
كلمة (جَنَّ) تعني في اللغة العربية استتر، ومن هنا جاءت تسمية هذه الموجودات بالجن، باعتبار أن هذه الموجودات مستورة عنّا، فلا يمكن مشاهدتها إلا من خلال تمثلها بصوَر بشر أو حيوانات أو ما شابه ذلك وهذا ما دلّت عليه الكثير من النصوص.

* مبدأ تكوُّن الجن‏
خلق اللَّه تعالى الجن من اللهب الخالص من النار: قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (الرحمن: 15). وقال تعالى: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (الحجر: 27). وهذا يعني أن الجن هو من الموجودات الماديّة، باعتبار أن النار من الأمور الماديّة، ولكن هنا يقع التساؤل وهو إن كان الجن من الموجودات الماديّة فلماذا لا يُرى؟ والجواب على ذلك هو أن الموجودات الماديّة تارة تكون ذات أجسام كثيفة كالموجود الإنساني والحيواني وغيرهما، وأخرى تكون ذات أجسام لطيفة كالجن، فإن الجن له جسم ولكنه جسم لطيف وهذا ما يجعل له القدرة على أخذ أية صورة من إنسان أو حيوان أو غيرهما، وكذلك له القدرة على التحرك والانتقال من مكان إلى آخر في سرعة قصوى. وهذا ما دلّت عليه الروايات الكثيرة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "وهم خلقٌ رقيق غذاؤهم النسيم، والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلاّ بسُلَّمٍ أو سبب"(1). ثم إن كان بدء خلقهم من نار السموم، فهذا لا يعني أن استمرارهم وتناسلهم على نفس المنوال، فإن الآيات القرآنية غاية ما تدل عليه هو بدء خلقهم، وأما استمرارهم وتناسلهم فالآيات القرآنية لم تبيّن ذلك.

* الجن مكلّفون‏
الجن كالإنس مكلّفون في عالم الدنيا، فإنهم مكلفون بالأصول كما بالفروع. فكما أنهم مكلفون بالتوحيد والإيمان، وبتصديق جميع الأنبياء عليهم السلام وحتى خاتمهم صلى الله عليه وآله، كذلك هم مكلّفون بالصلاة والصيام والحج وغيرها من الفروع. وهذا الأمر أكدت عليه الآيات القرآنية الكثيرة، فمنها: قال تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (الأحقاف: 29 - 32). وقال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (الجن: 1 - 2). وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56). فإن ثبت أنهم مكلفون فهذا معناه أن منهم من يختار طريق الحق، ومنهم من يختار طريق الباطل. قال تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (الجن: 11). وقال تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (الجن: 14 - 15). والجن لهم حشر وحساب يوم القيامة كالإنسان، فالمؤمن منهم يتنعم في جنات النعيم، والكافر منهم يتعذب في دركات الجحيم. قال تعالى: ﴿َأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًالجن: 13). وقال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (الصافات: 158). وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(الأنعام: 128).

* الجن الوسواس‏
الجن له القدرة في التأثير على الإنسان، ولكن ليس مطلق الإنسان، بل الإنسان الضعيف والذي عنده القابلية لذلك. قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين (الحجر: 39 40). الجن والأفعال التي تنسب إليهم: نسبت إلى الجن أفعال مبالغ فيها، بل إن بعضها يدخل تحت الأساطير، فمنها:

- التعوذ بالجن‏
وهو أن يتعوّذ الإنسان ويلتجئ إلى الجن من أجل حمايته، سواء من الجن أنفسهم، أو من الإنسان. وهذه الخرافة كانت سائدة عند جاهلية العرب، وللأسف لم تزل مستمرة إلى عصرنا الحاضر، ومنشأ هذه الخرافة هو الجهل والضلال.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (الجن: 6). ونتيجة هذا الالتجاء هو زيادة الخوف والضلال والذنب كما تحدثت عنه الآية الكريمة.

- الجن والعلم بالغيب‏
الكلام في العلم الغيبي يحتاج إلى بحث مفصّل والمجال لا يسمح بذلك، ولكن باختصار نقول: الغيب هو علم اختصه اللَّه لنفسه، ويعطيه من يشاء من عباده، قال تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (الجن: 26 27). وبالنسبة إلى الجن لم يرد دليل واحد على امتلاكهم علم الغيب، بل ورد عكس ذلك. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (سبأ: 14). فإن هذه الآية دلّت على أن الجن يجهلون علم الغيب، فإن نبي اللَّه سليمان مع أنه كان بالقرب منهم ويشاهدونه فإنهم لم يعرفوا بموته إلاّ بعد مرور مدة من الزمن. وعليه فإن كان الجن يجهلون علم الغيب فما يدعيه البعض من الاتصال بعالم الجن من أجل إخبارهم عن أمور غيبيّة فهذا غير صحيح.

- الجن والسحر
قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ... (البقرة: 102). إن هذه الآية الكريمة أكدت على تلك العلاقة الوثيقة ما بين السحر والجن (الشياطين باعتبار أنهم من الجن) إلا أن السحر الذي تعلّمه الشياطين للناس لا حقيقة له بل هو وهم وضلال، بل إن القضاء الإلهي هو الحاكم، وما من أحدٍ يستطيع أن يضر بأحدٍ إلا بإذن اللَّه تعالى (وهذا له بحث مفصّل).
 


(1) الاحتجاج، 185.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع