الإمام الصادق عليه السلام والمفضل
* أول نشوء الأبدان: تصوير الجنين في الرحم
قال المفضّل: صف لي نشوء الأبدان ونمّوها حالاً بعد حال حتى تبلغ التمام والكمال، قال عليه السلام: أول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين ولا تناله يد، ويدبره حتى يخرج سوياً مستوفياً جميع ما فيه قوامه وصاحه من الأحشاء والجوارح والعوامل، إلى باقي تركيب أعضائه من العظام، واللحم، والشحم، والعصب، والعروق والغضاريف. فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمو بجميع أعضائه وهو ثابت على شكل وهيئة لا تتزايد ولا تنقص إلى أن يبلغ أشدّه إن مُدّ في عمره، أو يستوفي مدته قبل ذلك. هل هذا إلا من لطيف التدبير والحكمة.
* الحواس الخمس وأعمالها وما في ذلك من الأسرار
انظر الآن يا مفضّل إلى هذه الحواس التي خصَّ بها الإنسان في خلقه، وشرف بها على غيره، كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكن من مطالعة الأشياء، ولم تجعل في الأعضاء التي تحتهن، كاليدين والرجلين، فتعترضها الآفات ويصيبها من مباشرة العمل والحركة ما يعلَّلها ويؤثر فيها وينقص منها، ولا في الأعضاء التي وسط البدن، كالبطن والظهر وفي عسر تقلبها واطلاعها نحو الأشياء.
فلما لم يكن لها في شيء من الأشياء من هذه الأعضاء موضع، كان الرأس أسنى المواضع للحواس. وهو بمنزلة الصومعة لها، فجعل الحواس خمساً تلقي خمساً لكي لا يفوتها شيء من المحسوسات. فخلق البصر ليدرك الألوان، فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركها لم تكن فيها منفعة، وخلق السمع ليدرك الأصوات، فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها، لم يكن فيها إرب، وكذلك سائر الحواس ثم هذا يرجع متكافياً، فلو كان بصر ولم تك الألوان لما كان للبصر معنى، ولو كان سمع ولم تكن أصوات، لم يكن للسمع موضع.
فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضاً، فجعل لكل حاسة محسوساً يعمل فيه، ولكل محسوس حاسة تذكره، ومع هذا فقد جعلت أشياء متوسطة بين الحواس والمحسوسات، لا تتم الحواس إلا بها، كمثل الضياء والهواء فإنه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون، ولو لم يكن هواء يؤدي الصوت إلى السمع، لم يكن السمع يدرك الصوت، فهل يخفى عليه من صحّ نظره وأعمل فكره أن مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس والمحسوسات بعضها يلقى بعضاً، وتهيئة أشياء أخر بها تتم الحواس، لا يكون إلا بعمل وتقدير من لطيف خبير.