نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

معالجة الآثار والتأسيس للمستقبل معركة أحد

د. بلال نعيم‏

 



من المعارك الكبرى التي خاضها المسلمون في صدر الإسلام وفي حضور النبي الأعظم صلى الله عليه وآله معركة أحد، التي تعتبر ثاني أهم معركة بعد بدر الكبرى، وقد حصلت معركة أحد في العام الرابع للهجرة بعد سعي الطرفين: الرسول صلى الله عليه وآله ومعه المسلمون من جهة والمشركون من قريش من جهة ثانية للاستعداد والتعبئة وتحضير الأنفس لمعركة كبيرة على إثر الهزيمة التي مني بها المشركون في بدر. فبعدما حضّر المسلمون أنفسهم لرد انتقام المشركين وهيأ المشركون أنفسهم للثأر من معركة بدر ولمحو آثارها والثأر لقتلاهم فيها، وعلى مسافة سنتين من معركة بدر، كان الموعد في جبل أحد على مقربة من المدينة المنورة، وكانت المعركة الضارية التي خاضها الطرفان، وكانت بوادر النصر فيها تلوح للمسلمين إلى أن حصل ما أصبح معروفاً في التاريخ وهو عصيان بعض المسلمين لأوامر النبي صلى الله عليه وآله واستعجالهم النتيجة والغنيمة، فحصل أن استغل المشركون الثغرة الهامة التي تركها المرابطون في سفح الجبل وانقضّوا منها على جيش المسلمين فكانت هزيمة كادت تودي بحياة النبي صلى الله عليه وآله الذي تلقّى بعض السهام وتعرَّض للجراح في هذه المعركة.

* النتائج الأولية لمعركة أحد:
أ - الهزيمة غير النهائية لجيش المسلمين، لأنه طالما بقي القائد وبقيت معه ثلة من المجاهدين الأساسيين فهذا يعني أن الهزيمة ليست نهائية.

ب - إحساس المشركين بالنصر مما جعلهم يفكرون بالتخطيط من جديد لشن معركة ضارية ضد المسلمين للقضاء النهائي عليهم تأسيساً على نتائج معركة أحد، وتجييشاً لكل الجهات المعادية للإسلام وللمسلمين (ولعل ذلك من الألطاف الإلهية التي أوقعت قريش وجماعة المشركين والمنافقين في شرك مكرهم وكيدهم).

ج - مجموعة الدروس والعبر التي يفترض أن يتعلم منها المسلمون على وقع الهزيمة ومنها مراجعة الحسابات وتحليل المعطيات وفهم الأسباب التي أدت إلى هذه الهزيمة ومنها وعلى رأسها مخالفة الأوامر للقيادة الإلهية المفترضة الطاعة وعدم الصبر والثبات.

د - الجراح التي تعرَّض لها النبي صلى الله عليه وآله بما يثبت على نحو من اليقين قيادية هذا النبي صلى الله عليه وآله وأنه ليس مجرد زعيم يحرِّك الجيوش ويحرِّض أتباعه على القتال ويبقى هو في قصره ومحل إقامته يتابع الأخبار عن بعد. فقد برزت شجاعة منقطعة النظير للرسول صلى الله عليه وآله عبّر عنها الإمام علي عليه السلام: "كنّا إذا اشتد الوطيس لذنا برسول اللَّه صلى الله عليه وآله".

* تحليل النتائج للإفادة منها:
إن ما يجب الالتفات له هو أن النصر في بدر كان نصراً إلهياً وأن الهزيمة في أحد كانت بأسباب بشرية، مما يعني أن التدخل الإلهي لا يحصل كيفما اتفق وكيفما كانت المقدمات ومهما كان السلوك والأداء من قبل المسلمين فالنصر الإلهي مبني على قواعد وأسس أهمها:
- الإيمان باللَّه والتوكل عليه.
- الطاعة والولاية.
- الصبر والثبات.
- الاستعداد بحسب الإمكانيات المتاحة.

ومع تهيؤ الأسباب والمقدمات المعنوية والمادية فإن النصر يتحقق لا محالة. وليس من المنطقي أن يجرّ اللَّه النصر للمسلمين لمجرد أنهم مسلمون أو لأنهم أتباع الإسلام، بل إن ذلك مخالف لسنن اللَّه وداع إلى التقاعس والتخاذل والدعة والاستكانة. فلو أن المسلمين مكتوب لهم النصر على كل حال فما الذي سيلزمهم بالسعي لتوفير الأسباب والعلل، وبناء على هذه المقدمة واستفادة مما حصل في معركة أحد فإن النصر لم يتحقق في المعركة لأن بعض المقدمات لم يتم توفيرها إلا وهي الطاعة والولاية، فمخالفة النبي صلى الله عليه وآله في الفعل هي مصداق للنكوص عن الولاية وللخذلان والعصيان ومن المعادلات الصحيحة والملازمات البديهية أنه عند انتفاء أحد أسباب العلة التامة فإن خللاً سيصيب النتيجة فلا يجعلها تتحقق. فاللَّه سبحانه يقول: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (المائدة: 56). فاتصاف حزب اللَّه بالغلبة ونيلهم لها مبني على مقدمة الولاية الحقيقية لله وللرسول وللذين آمنوا ومن دون الولاية لا يمكن أن يحصل ويتحقق النصر أو الغلبة بالمعنى الإلهي أي الذي لا يرتهن في حصوله إلى كل المعادلات المادية.

* معالجة النتائج تأسيساً للمواجهات القادمة:
من الأمور الهامة التي عمل الرسول صلى الله عليه وآله على متابعتها وعلى معالجتها وعلى تعميق ثقافتها في الأمة عند بداية تشكلها في المدينة المنورة أمر الولاية والطاعة للوالي حتى قال بأنه ما أُمر بشي‏ء ولا دُعي بشي‏ء مثل الولاية. وهو في معظم الغزوات التي تلت معركة أحد قدّم الإمام علياً عليه السلام وصدّره وأعطاه الراية وسلّمه زمام القيادة العسكرية ووضعه في موضع الخليفة والوزير والنائب الذي تجب طاعته وبقي حتى لحظات عمره الشريف الأخيرة ينادي بهذه الولاية لأهمية هذا العنصر في تحقق المقدمات اللازمة لانتظام الأمة ولقيمومتها ولسلامتها ولانتصارها. وبالإضافة إلى الولاية عمل الرسول صلى الله عليه وآله على تعزيز مفهوم وثقافة الصبر والثبات وأن الصبر في البأساء والضراء وحين البأس هو رأس الإيمان ومن أركانه الأساسية، لأنه بالصبر تُبلغ الذرى والمعالي. فإذا تمت المعالجة ولو الجزئية لهذين الإشكالين اللذين برزا بشكل جلي في معركة أحد فإن النتيجة التي أفضت إليها معركة أحد لن تتكرر في المستقبل خصوصاً أن المتوقع للمعارك القادمة أن تكون أكثر شراسة وأعظم خطراً على الإسلام، لأن نفوس المشركين ستسوّل لهم بعد النصر البسيط الذي حققوه في "أحد" أن يشنّوا هجوماً ساحقاً على الإسلام في المدينة المنوّرة للقضاء عليه والتخلص من مخاطره. وعليه لا يمكن التسامح ولا التساهل في المرة القادمة مع أي خلل يمكن أن يطال المقدمات الضرورية لتحقيق النصر، لأن الهزيمة بعد "أحد" ستكون آثارها وخيمة وعظيمة وكارثية على مستقبل الإسلام والمسلمين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع