موسى حسين صفوان
منذ أن بدأ الإنسان القتال كان يعلم بفطرته أن الخطر لا بد محدق به. لذا عمل على تثبيت نفسه أمام العدو عبر استعراض قوته بما يقنعه بمستواه وقدرته على المواجهة والانتصار وإقناع عدوه بضرورة الاستسلام أو الفرار. وفي الحالتين هناك سعي لكسب الحرب قبل الضرب. ثم تطورت تجربة الإنسان تدريجياً والعقل حفظ التجارب حتى أصبح للعامل النفسي دوره الأساسي في جميع الحروب.
* تعريف الحرب النفسية:
مجموعة من الأعمال التي تستهدف التأثير على أفراد العدو بما في ذلك القادة السياسيون والأفراد غير المقاتلين بهدف خدمة أغراض مستخدمي هذا النوع من الحرب. وهي عادة حرب هجومية مخطط لها ومدروسة على مستوى الآليات، الوسائل، الأدوات، والجهة المستهدفة في هذه الحرب.
* وظيفة الحرب النفسية:
ذكر القرآن الكريم في سورة الأنفال ما يشير إلى الوظيفة الأساسية لفعل الحرب النفسية ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، حيث تبين الآية أن وجود قوة كبيرة يجعل العدو يعيش حالة رعب قد تردعه عن القيام بأي خطوات عسكرية معادية. أيضاً هناك وظائف أخرى مثل إحداث خلل في البنية النفسية لجيش العدو وربما لمجتمعه أيضاً، بل وقد تتجاوزهم لتستهدف حلفاء العدو أو المحايدين.
* أساليب الحرب النفسية:
1- الدعاية: وهي تنظيم عمليات إقناعية بوسائل غير عنيفة لتغيير رأي الآخرين حول موضوع معين يؤدي إلى تحويل السلوك من اتجاه إلى آخر مخطط له.. ويتم بواسطتها نشر الأفكار ووجهات النظر بقصد التأثير في عقول وعواطف جماعة معينة لغرض عسكري، اقتصادي، أو سياسي. ويمكننا لتوضيح ذلك أن نعود إلى الدعاية التي استخدمتها إسرائيل في حروبها كافة، حيث كانت تروّج دائماً لفكرة الجيش الذي لا يقهر. وربما يتذكر الجميع النصائح التي أسديت للمقاومين بعدم التهور ورمي النفس في التهلكة أمام ذاك الجيش الذي يعرف أسرار جميع الناس ويعرف ما يدور بين كل شخص وآخر، وما في بيوتهم وما يدخرون! وظلّت هذه الدعاية تنطلي على الجميع حتى أريد للأسطورة تلك أن تنكشف وتزول إلى الأبد عبر أسطورة الروح الاستشهادية عند المجاهدين التي ألقت العدو في شباك الهزيمة والانكسار. هذه الهزيمة أصابت جيش العدو بحالة من الذهول التي كانت نتيجة القناعة الراسخة بمحتويات الدعاية (أسطورة الجيش الذي لا يقهر). وقد ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام إشارة إلى ذلك في قوله: "إزالة الجبال أهون من إزالة قلب عن موضعه". وربما يكون من أسباب الذهول الذي أصابهم هو محتوى دعايتهم ومحتوى الرد. ففي تحليل محتوى الدعاية (الذي لا يقهر) إشارة إلى خطر الموت الذي سيصيب من تسول له نفسه مقاتلة العدو. والمقاتلة هي عملية ممتدة في الزمن وتحمل احتمال النجاة فيها للمقاتلين لذا كان هدف الدعاية تلك أن تؤثر في النشاط العقلي والعاطفي لشعبنا حيث سيضع في حساباته الموت الذي يقض مضاجع من يفكر فيه. لقد كان الرد يحوي رسائل ذات فعالية عالية من خلال وجود العناصر التالية:
* جعل الموت أمراً محبباً فمجاهدو المقاومة الإسلامية لا يخافون الموت لأنهم عشاق الشهادة.
* الخروج من فكرة قهر العدو إلى فكرة إزالته من الوجود. والإزالة أخطر من القهر لأن فكرة النجاة خارج التصوّر.
2 - الإشاعة: وهي عبارة عن رواية يتناقلها الأفراد دون أن ترتكز على مصدر موثوق به يؤكد صحتها. لقد حصلت إحدى نماذج الإشاعة في الحرب الأميركية على العراق، حيث بدأت وسائل الإعلام بالترويج لإشاعة هروب أو موت (أحد مسؤولي النظام العراقي البائد)، وحينها سارع لتكذيب الخبر عبر مؤتمر صحفي مباشر. الهدف من الإشاعة: تهدف الإشاعة إلى زعزعة الثقة بقوة العدو، أو بقادته، وهناك أهداف أخرى استخبارية منها السعي للحصول على معلومات جديدة بهدف القيام بعمل ما في هذا الاتجاه. وفي تجربة المقاومة الإسلامية أطلقت إشاعات من هذا القبيل ومنها الإشاعة التي تحدثت عن تفكك حزب اللَّه وفرار قادته و... و... و... ولكنها لشدة ضعفها وعدم وضعها بشكل مدروس زادت ثقة الناس بالمقاومة.
3 - المؤتمرات الصحفية: أصبحت المؤتمرات الصحفية أداة هامة في الحرب النفسية باعتبار أن ما يصدر عن المسؤولين الكبار لديه مصداقية عالية. لكن ما حصل في تجربة لبنان مع العدو الصهيوني هو مؤتمرات صحفية تتصف بالحماقة، فكثيراً ما كانت تحمل في طياتها تحميل المسؤولية عن الهزائم المتتالية تارة للجيش وتارة أخرى للمخابرات وطوراً لسلاح الجو وأحياناً للبحرية، وربما لحرس الحدود، بالإضافة إلى تبرير أسباب الهزائم تلك محاولين زرع الثقة في جنودهم اليائسين. ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ (الأنفال: 12).
4 - إثارة الرعب: وسيلة هامة جداً وفعَّالة في الحرب النفسية وقد استخدمها العدو الإسرائيلي وحاول إعطاءها حيزاً كبيراً في أنشطته المعادية. وربما كان لفكرة توازن الرعب التي وضعتها المقاومة الإسلامية الدور الأساسي في فشل تلك المحاولات. ولا ننسى دور قناة المنار التي ساهمت في برامجها الهادفة وعرضها لصور العمليات وتقاريرها المصوّرة، إلى الأناشيد المصورة والبرامج الخاصة بالشهداء والجرحى في بث روح الرعب في قلوب الأعداء وعملائهم وروح النصر والعزة في قلوب جميع المستضعفين في الأرض حتى باتت تجربة المقاومة الإسلامية تدرّس في الكليات الحربية في دول عدة.
5 - غسيل الدماغ: وهي المحاولات التي يسعى من خلالها العدو إلى جعل الآخرين يؤمنون بمبادئه ومعتقداته وآرائه. وهذا ما حصل في الحديث عن السلام، الإرهاب، حقوق الإنسان، الديمقراطية، التطور الحضاري... لقد دمَّر الجيش الإسرائيلي بقذائفه كل محاولات غسيل الدماغ التي حاول قادته ومخابراته تنفيذها، ولا شك في أن غباء قرارات القادة فعل أيضاً ما فعله الجيش. وهنا نتذكر قول الإمام الخميني قدس سره "الحمد للّه الذي جعل أعداءنا من الحمقى".
* القرآن والحرب النفسية المضادة: نظراً لضيق المجال فإننا سنشير إلى أهمية دور القرآن في مكافحة الحرب النفسية وقائياً لننتهي عند هذا العنوان؛ عندما يقف أحد زعماء الاستعمار ليقول في محضر اجتماع لهم وهو يرفع كتاب اللّه عز وجل: "ما دام هذا الكتاب في أيديهم فلن نستطيع فعل شيء تجاههم وبالتالي لن نهزمهم أبداً". هذا القول صادر عن خبير في التضليل والترغيب والترهيب والتأثير، حيث أوصلته قراءة القرآن الكريم إلى نتيجة واحدة: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾. ﴿وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾. ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾. لقد زرع فينا القرآن حقيقة جعلت من المؤمن جبلاً لا يهزه شيء: "المؤمن كالجبل الراسخ لا تهزه العواصف".