إعداد فيصل الأشمر
يُعدّ الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي من أشهر الشعراء الذين نسجوا على منوال الشاعر البوصيري في فن المدائح النبوية، فكانت قصيدته الهمزية التي عارض بها همزية البوصيري ، وقصيدته الميمية التي عارض بها ميمية البوصيري المعروفة ب"البردة" والتي أُطلق عليها "نهج البردة"، وهي قصيدة طويلة من 192 بيتاً أولها:
ريمٌ على القاعِ بين البانِ والعلَمِ |
أَحَلّ سفْكَ دمي في الأَشهر الحُرُمِ |
وهو يبدأها بالغزل على عادة الشعراء القدماء، ليتخلص منه إلى عتاب نفسه على عصيانها وسيرها في طريق الضلالة، ثم بعد ذلك يصل الشاعر إلى مديح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فيقول:
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ |
في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ |
أَلقي رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى |
مُفَرِّجِ الكَرْبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ(1) |
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ |
عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ(2) |
إِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ |
قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ |
لَزِمتُ بابَ أَميرِ الأَنبِياءِ وَمَن |
يُمسِك بِمِفتاحِ بابِ اللَهِ يَغتَنِمِ |
عَلَّقتُ مِن مَدحِهِ حَبلاً أُعَزُّ بِهِ |
في يَومِ لا عِزَّ بِالأَنسابِ وَاللُحَمِ(3) |
مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ |
وَبُغيَةُ اللَهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ(4) |
فاقَ البُدورَ وَفاقَ الأَنبِياءَ فَكَم |
بِالخُلقِ وَالخَلقِ مِن حُسنٍ وَمِن عِظَمِ |
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَانصَرَمَت |
وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ |
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً |
حَديثُكَ الشَهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ |
سَرَت بَشائِرُ باِلهادي وَمَولِدِهِ |
في الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ في الظُلَمِ |
تَخَطَّفَت مُهَجَ الطاغينَ مِن عَرَبٍ |
وَطَيَّرَت أَنفُسَ الباغينَ مِن عُجُمِ |
أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِم |
إِلاّ عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ |
وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَوراً مُسَخَّرَةٌ |
لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ |
خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما |
يا قارِئ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ |
البَدرُ دونَكَ في حُسنٍ وَفي شَرَفٍ |
وَالبَحرُ دونَكَ في خَيرٍ وَفي كَرَمِ |
شُمُّ الجِبالِ إِذا طاوَلتَها اِنخَفَضَت |
وَالأَنجُمُ الزُهرُ ما واسَمتَها(5) تَسِمِ |
وَاللَيثُ دونَكَ بَأساً عِندَ وَثبَتِهِ |
إِذا مَشَيتَ إِلى شاكي السِلاحِ(6) كَمي(7) |
كَأَنَّ وَجهَكَ تَحتَ النَقعِ(8) بَدرُ دُجىً |
يُضيءُ مُلتَثِماً(9) أَو غَيرَ مُلتَثِمِ |
اللَهُ قَسَّمَ بَينَ الناسِ رِزقَهُمُ |
وَأَنتَ خُيِّرتَ في الأَرزاقِ وَالقِسَمِ |
يا رَبِّ صَلِّ وَسَلِّم ما أَرَدتَ عَلى |
نَزيلِ عَرشِكَ خَيرِ الرُسلِ كُلِّهِمِ |
مُحييِ اللَيالي صَلاةً لا يُقَطِّعُها |
إِلاّ بِدَمعٍ مِنَ الإِشفاقِ مُنسَجِمِ(10) |
مُسَبِّحاً لَكَ جُنحَ اللَيلِ مُحتَمِلاً |
ضُرّاً مِنَ السُهدِ أَو ضُرّاً مِنَ الوَرَمِ |
رَضِيَّةٌ نَفسُهُ لا تَشتَكي سَأَماً |
وَما مَعَ الحُبِّ إِن أَخلَصتَ مِن سَأَمِ |
وَصَلِّ رَبّي عَلى آلٍ لَهُ نُخَبٍ |
جعَلتَ فيهِم لِواءَ البَيتِ وَالحَرَمِ |
بيضُ الوُجوهِ وَوَجهُ الدَهرِ ذو حَلَكٍ |
شُمُّ الأُنوفِ وَأَنفُ الحادِثاتِ حَمي |
(1) الغمم: جمع الغمة وهي الحزن.
(2) الأمم: اليسير القريب التناول.
(3) اللحم: جمع اللُحمة وهي القرابة.
(4) النسَم: نفَس الروح أو الإنسان.
(5) واسمه: غالبه في الحسن.
(6) شاكي السلاح: صاحب سلاح حاد ذي شوكة.
(7) الكمي: الشجاع.
(8) النقع: الغبار.
(9) الملتثم: الواضع اللثام على أنفه.
(10) المنسجم: المنصبّ.