تحقيق: إيمان خليفة
روان تعاني من ضعفِ بصرٍ شديدٍ منذ طفولتها، وهي تتابع تخصّصها في الصحافة المكتوبة في كلية الإعلام. "منذ صغري أصرّ أهلي على أنَّ أتابع دراستي في مدرسة عادية مع إخوتي، فبرأيهم أن ابتعادي عن إخوتي والتحاقي بمدرسة خاصة سيؤثر سلباً على شخصيّتي -وخيراً فعلوا- وهكذا تابعت تحصيلي الدراسي، وتقدّمت لامتحانات الشهادة الرسمية بمساعدة إحدى الجمعيات التي أمّنت لي المعدّات الأساس لمتابعة دراستي ومن ضمنها كمبيوتر صغير أحمله معي حالياً إلى الجامعة".
تضيف روان: "لا أواجه أي مشاكل تذكر، حتى أني أتنقّل كل أسبوع بالنّقليات العامة من صيدا، حيث يسكن أهلي، إلى بيروت، حيث أقيم مع جدتي لمتابعة دراستي الجامعية".
* تطور النظرة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة
لقد تعرّض الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان للتهميش. ولم تبرز هذه الشريحة في المجتمع إلاّ بعد الحرب الأهلية، حيث بدأت مجموعة من الأشخاص ذوي الإعاقة والمؤسسات الخاصة بهم بالضغط على الدولة لإصدار قانون خاص يحفظ لهم حقوقهم.
وبعد صدور القانون الذي يتناول حياة الأشخاص ذوي الإعاقة بجوانبها المختلفة (تربية، صحة، عمل...) في العام 2000م (رقم 220/2000)، تغيّرت مقاربة العمل معهم، وصار من واجب المؤسسات الخاصة بهم أن تؤمّن حقوقهم وتطالب بها. كما بدأت وسائل الإعلام تهتم بحياة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتواكب تحرّكاتهم ونشاطاتهم أكثر من قبل.
وكان لذوي الحاجات الخاصة أنفسهم الدور الأكبر في هذا التحوّل، حيث بدأوا يبرزون في المجتمع، ويثبتون قدراتهم وطاقاتهم في العمل وأخذ القرار.
* حسين موظف في مصرف خاص
يعمل حسين ماجد (شاب ذو إعاقة حركية) منذ أكثر من عام في قسم العمليات في أحد المصارف. ويذكر أنّ إصرار والدَيه على تأمين فرصة التعلّم له كغيره من التلاميذ، كان له الدّور الأساس في نجاحه "درست في مدرسة خاصّة بذوي الحاجات، وكنت أتردَّد إلى إحدى الجمعيّات الخاصة، حيث عملت لاحقاً، وكان لهذه التجربة دور كبير في تعرّفي إلى حقوقي واكتساب المهارات ما ساعدني على التعبير عن إعاقتي بشكل أفضل". ويشير حسين إلى أن طبيعة عمله في المصرف لا تتطلّب منه أيّ مجهود جسدي "عندما بدأت بالعمل اهتمّت الإدارة بأن تعرف إذا ما كنت أحتاج إلى أيّ تعديلات لأداء مهامي، لكن تصميم المكتب كان مناسباً جداً لي ولـ (الووكر walker) الذي أستعين به في تنقلاتي، حتى أنّ موقف السيارات كان مجهزاً لاستقبال الأشخاص المعوَّقين منذ بناء المبنى".
أما عن نظرة الزملاء لحسين في العمل فيقول: "في البداية كانت نظرات استغراب من قبل الآخرين واضحة تجاهي، ولكن عندما لاحظوا أن حياتي لا تختلف عنهم تبدّد الاستغراب".
* مؤسسة الهادي
كانت مؤسسة الهادي من المؤسسات السبّاقة في تغيير طريقة عملها مع الأشخاص ذوي الإعاقة قبل صدور القانون الخاص بهم، فبدأت تعمل على تعديل مناهجها وخطتها التعليمية، لتحويلها من مفهوم الإيواء والرعاية إلى تأمين الحقوق، وبدأت بتقديم نوعية جدية في التعليم لدمجهم في المجتمع. يشرح مدير مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والسلوك الشيخ إسماعيل الزين الخطط التي اعتمدتها المؤسسة لدمج تلامذتها ذوي الحاجات الخاصة: "اعتمدنا خطط دمج على مختلف المستويات، سواء في المدرسة أم المهنية أم الجامعة". أما على مستوى الدمج المدرسي، فيوضح الشيخ الزين: "نعمل على دمج قسم من الطلاب الصمّ والمكفوفين في مدارس عادية كثانوية الغبيري للبنات وثانوية حسين علي ناصر ومهنية بئر حسن، كما ويُعمل على الاستحصال على ما يعينهم في تلقي الدروس بالطريقة الأمثل (كطابعة للأشخاص المكفوفين وسماعات للتلاميذ الصمّ)".
أما للطلاب الراغبين في التحصيل الجامعي، فيقول مدير مؤسسة الهادي: "عملنا على تأهيل عدد من الاختصاصات حسب ميول التلاميذ؛ لتمكينهم من متابعة دراستهم في بعض الجامعات". وفي مؤسسة الهادي مجموعة من الطلاب الذين يتابعون دراستهم في المؤسسة. "ولأجل تأمين فرصة الدمج لتلك الشريحة من الطلاب، ننظّم خلال العام الدراسي مجموعة من النشاطات التي تعرّف الطلاب إلى حقوقهم وإلى مختلف المؤسسات الرسمية الموجودة في لبنان، كالبلديات والمجلس النيابي وغيرها". كما تنظم مؤسسة الهادي زيارات لعدد من المدارس لتوعية طلابها على الإعاقات المختلفة.
كما يشير الشيخ الزين إلى أن كل هذه المقاربات التي تسعى مؤسسة الهادي لتطبيقها نصّ عليها القانون عام 2000م، ولكن لم تبادر الدولة بإداراتها المعنية لغاية الآن على تطبيقها، ويعلّق قائلاً: "إن نسبة الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة التي تدمجها المؤسسات في لبنان لا تبلغ أكثر من 4 أو 5% من المجموع العام لهم في لبنان".
* مكتب توظيف للمعوقين
وجدت مؤسسة الهادي، بحسب ما أوضح الشيخ الزين، من خلال خبرتها في العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة أنَّ توظيفهم يحتاج إلى بذل جهودٍ إضافيةٍ على صعد ثلاثة: توعية أرباب العمل، والعمل على تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة والمتابعة مع أهاليهم، وأضاف: "يعتبر الأشخاص ذوو الإعاقة الأكثر فقراً في العالم. كما أننا لاحظنا من خلال المتابعة مع أهاليهم أنَّ قلَّة فرص توظيفهم تدفعهم إلى اليأس أحياناً وبالتالي إلى فقدان الحافز الأساس لمتابعة دراستهم".
واللافت أن مؤسسة الهادي تفتح مجال تقديم طلب التوظيف لأشخاص ذوي إعاقة من خارج المؤسسة، إذ تم توظيف ما يقارب الأربعين شخصاً في مجالات عمل متنوعة بين موظفين إداريين وفندقية وسكرتاريا.
* العزل مرفوض
من جهتها، ترى المنسّقة التربوية في مركز التأهيل لجمعية الإمداد، السيدة سكنة رحمة أنه من الأفضل استخدام تعبير "الشخص المختلف" بدلاً من "الطفل ذي الإعاقة" لأنه شخص مختلف عن الآخرين بسبب احتياجاته الخاصة.
وتشدد السيدة سكنة على أن عزل الشخص المختلف مرفوض نهائياً "لأنه يؤدي إلى انطوائه، ويحرمه من تنمية قدراته، وبالتالي لن يحصل على فرصة لاكتساب سلوكيات اجتماعية سليمة".
لذلك يجب أن تتعاون كل من الأسرة والمؤسسة والمجتمع على تنمية قدراته.
كما وتوضح المنسِّقة التربوية أنها ليست مع الدمج الكلي في المدارس "لأنه في شكليه الكلي والجزئي يحتاج إلى تأهيل تلاميذ المدرسة والطاقم التعليمي كله، وإذا لم يؤمّن الجو المناسب ستكون التجربة سلبيّة، وتؤدّي إلى إحباط الطالب المختلف وفشله. أما الدمج الجزئي فإنّه يسهّل التجربة على الجميع، ويفسح المجال أمام الطالب المختلف الذي يجد صعوبة في متابعتها ـ خاصة بالنسبة للمكفوفين والصمّ ـ أن يدرس في صفّ خارج الصف الأساس".
* نظرة الإسلام عزل أم دمج؟
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (النور: 61).
يشرح فضيلة الشيخ الدكتور محمد حجازي سبب نزول هذه الآية بقوله: "قبل الإسلام كان أهل المدينة يتنفرون من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانوا يرفضون أن يكونوا معهم على موائد الطعام، فجاءت هذه الآية لتؤكد على أهمية دمجهم في المجتمع". ويتابع فضيلة الشيخ: "الإسلام مع الدمج وليس مع التفريق أو العزل، وهو ضد النفي الاجتماعي". ويذكر الشيخ حجازي أن العديد من الأحاديث والروايات حثّ على زيارة المريض؛ لأن إدخال السرور إلى قلبه يجعله يشعر بثقة عالية، وكل ذلك يعتبر مؤشراً على العلاقة التي يفترض أن تكون مع الإنسان المعوق، وهذا يؤثر على صحته الروحية والنفسية.
ويضيف: "إن الإسلام ينظر إلى الجميع، دون استثناء، نظرة رحمة، فعندما يرجح الطب أن الطفل سيأتي مشوّهاً، وينصح بإسقاطه، يأتي الإسلام ليقول هذا خط أحمر ويحرّم إسقاط الجنين، وحتى لو كان مجرد نطفة، فالإسلام يعتبر أنّ هذا المخلوق عنده كرامة وحرمة ويستحق الحياة".
كما أكّد أنّ الدين الإسلامي يشجع على التكافل الاجتماعي، وعلى تأمين جو سليم على المستوى النفسي بين أفراد المجتمع، ويختم: "علينا أن نتعامل معهم بصبر، وأن نقدّمهم على أنفسنا، ولا يفترض بنا أن نهدر طاقاتهم أبداً".