حوار: سكنة حجازي
قد يفقد الطفل العمل ببعض الحواس فيحار الأهل في طرق
تربيته وأساليب التعاطي معه، فهم لا يعرفون وسيلة تساعد هؤلاء الأولاد ليكون لهم
الوضع الأسري والاجتماعي الذي يجعلهم يعيشون حياتهم كما ينبغي وكما يحياها الآخرون.
أما الآخرون فإنهم ينظرون إليه نظرة نقص فإما أن يتعاملوا معه معاملة عطف وشفقة،
وإما معاملة ازدراء وسخرية، وفي كلا الحالين يعيقون حياته فيحرمونه حقه الاجتماعي
وبالتالي يقفون أما تقدمه في الحياة. لهذا ذهبنا إلى مؤسسة الهادي عليه السلام
للإعاقة السمعية والبصرية التابعة لجمعية المبرات الخيرية، والتقينا بالأستاذ نايف
بزي المشرف التربوي فيها، والأستاذ في التربية المختصة والمدرس لهذه المادة في كلية
الصحة اللبنانية. كذلك الأخت ناديا طراف المشرفة الاجتماعية والصحية في المؤسسة
وخريجة كلية الصحة في التربية الاجتماعية والصحية لهذه الحالات. وأجرينا الحوار
التالي:
* بداية هل يمكن تعريفنا بالإعاقة الحسية، وتصنيفاتها؟
> الإعاقة الحسية هي خلل يصيب إحدى الحواس فتؤدي إلى اضطراب العمل بها. وهي إعاقة
سمعية - وإعاقة بصرية. أما تصانيف هذه الإعاقات فهي حسب منظمة الصحة العالمية: هناك
الإعاقة السمعية: فقد سمعي خفيف، وفقد سمعي متوسط، وآخر شديد أو عميق أي فقدان كلي
للسمع. وهناك أيضا،فقد سمعي توصيلي، وهو انسداد في مجرى السمع أو خلل بالأذن الوسطى
يؤدي إلى عدم وصول الصوت إلى الأذن الداخلية. وفقد سمعي حسي وهو ما يتعلق بالعصب
والدماغ أي الأذن الداخلية.
- الإعاقة البصرية:
هناك مبصر جزئياً، ومكفوف جزئيا، ومكفوف كلياً.
* ما هي أسباب هذه الإعاقات؟ وما هي سبل الحماية منها؟
> بالنسبة لأسبابها فالعامل الأول هو عامل الوراثة وهي ناتجة غالبا من زواج الأقارب
في جزء كبير منهم.
والأسباب الأخرى تكون في ثلاث مراحل:
خلال الحمل، وخلال الولادة وبعد الولادة.
فخلال الحمل مثلًا، تناول الأدوية والعقاقير في غير موضعها أو بدون استشارة طبيب
وغيرها. كذلك التعرض لأشعة أكس فهي تحدث تشوهات في الجنين. أيضا إصابة
الأم الحامل بأمراض معينة تنعكس على الجنين كالحصبة الألمانية التي تؤدي، غالباً
إلى فقدان السمع عند الجنين. أما خلال الولادة، فهي عندما تتعرض الأم لعسر في
الولادة عندما يؤدي ذلك إلى نقص أو زيادة في الأوكسجين. أو الولادة التي تتم بطريقة
الشفط، وهي قليلة اليوم، وأما بعد الولادة. وهي في حالات: عدم النمو الطبيعي للطفل
الذي يستوجب وضعه في القوفاز فإذا لم تكن العناية كافية تؤدي إلى تشوهات كما لو
تعرض الطفل للنور الزائد فإنه يؤدي إلى فقدان البصر. أو عند تعرضه لأمراض أو حوادث
معينة كالأمراض التي تحمل جراثيم لا يتم القضاء التام عليها، وأمراض السكري. وكذلك
الرضوض للرأس وغير ذلك. وأما سبل الوقاية منها فهي تظهر من خلال الأسباب، فلا بد
بالنسبة لعامل الوراثة من إجراء الفحوصات المخبرية قبل الزواج، أيضا هناك بعض
اللقاحات التي لم تكن الأم قد أجرتها أو التي ينبغي إعادتها كلقاح الحصبة الألمانية
مثلا أو الصفيرة. أيضا الانتباه إلى الأدوية والعقاقير وعدم تناول المرأة الحامل
لها بدون استشارة طبيب مختص، وعدم التعرض للأشعة. وفيما يختص بمرحلة الولادة فإن
الأمر يتعلق بالجهاز الطبي طبيب وممرضات.... وما بعد الولادة يجب الانتباه للأدوية
التي يتناولها الطفل ومراقبة الحرارة ومعالجة الالتهابات التي قد تصيب الحواس والتي
ينبغي معالجتها والقضاء عليها قبل أن تؤدي إلى تلف الحواس التي تصيبها. كذلك هناك
تحذير وتنبيه من مسألة اللجوء إلى المعالجة بالطرق البدائية كاستخراج الأجسام
بالزيت وغيرها والتي تؤدي إلى تفاقم الحالة بدل من شفائها.
* هل من علاج لهذه الحالات بعد حدوثها؟
> بالنسبة لفقد السمع الخفيف فيستطيع المصاب به استعمال سماعة وكذلك المصاب بالفقد
المتوسط فإنه يستفيد منها بشكل كبير لتعويض ما فقده. كذلك صاحب الإعاقة البصرية
فالمبصر جزئياً يستخدم النظارة أو المكبر. أما الإعاقة الشديدة والمكفوف جزئياً
وكلياً فإنهما لا يستفيدان من هذه الأجهزة. ومن المهم جدا تشخيص أية إعاقة بسن مبكر
فالآن توجد تقنيات تسمح بإجراء فحوصات منذ اللحظة الأولى للجنين، لأننا نستفيد منها
فوراً في برنامج التدخل المبكر. فعندما تكون هناك مشكلة بالإعاقة السمعية مثلاً،
بالقناة السمعية أو بالأذن الوسطى فهي قابلة للعلاج والتدخل الجراحي أو للعلاج
بالأدوية. هذا وإذا كان هناك تلف أو تكلس في إحدى العُظيمات التي توصل الصوت بالأذن
الوسطى فهو قابل أيضا للتدخل الجراحي وزراعة عُظيمات بلاستيكية مكان الأساسية.
وبالنسبة للأذن الداخلية هناك عملية جراحية تسمى القوقعة Concier implants تُجرى
هذه بحالات فقد السمع الحسي غير التوصيلي، لكن لها شروطها شروط إجرائها وبالتالي
نجاحها. وبالنسبة للبصر فإذا كان هناك فقد البصر الخلقي منذ الولادة فليس هناك مجال
للتعويض الجراحي إلا إذا كان بسبب مرض خارجي. وتدرس كل حالة على حدة فحاليا يتم
زراعة قرنية مثلا. ولكن إذا كان هناك تلف في العصب البصري فلا مجال للرؤية من جديد.
* كيف ينبغي التعاطي مع هؤلاء الأشخاص، أهل، مجتمع
ومدرسة؟!
> أتكلم كشخص مختص، يجب التعاطي مع هؤلاء الأشخاص، كأشخاص فاقدين لهذه الحاسة فقط،
بمعنى أن فاقد السمع لا يعتبر فاقد للأهلية بل هو شخص قابل للتعلم قابل للتطور
والتقدم، وللتكيف، إنما هناك شروط لهذه الأمور كذلك فاقد البصر المكفوف. بمعنى آخر
أولا علينا تقبل هذا الشخص بما هو عليه، فلا يكون مصدر هزء وسخرية من المحيطين به.
بالنسبة للأهل: أوصي وهو موضوع نطرحه دائماً أن لا يُعمد لحماية هؤلاء الأطفال بشكل
متطرف جدا، لأنه مكفوف لا يتحرك أبدا، هو طفل له طفولة يجب أن يحياها فإذا كان هناك
مخاطر معينة نحددها ونعمل على أساسها، من دون أن نحرم الطفل من طفولته أو أن نعوده
على التزام مكان واحد لا يتجاوزه. فالطفل المكفوف أو الأصم قادر على تأدية عمل
الوظائف أو معظمها شرط تعويده عليها وتعليمه إياها، فالمكفوف مثلاً نضع له أثاث
البيت بشكل ثابت ونعلمه طريقة التنقل داخله فإنه يحفظ ويستطيع ذلك بشكل لائق.
وعلينا إخباره بأي تعديل في أماكن الأثاث. وعلينا أن نجعله يلمس الأشياء المتغيرة
في أماكنها الجديدة. كذلك يمكن نقل المعلومات له عن المرئيات. فمثلا قد يسأل عن
اللون أو الشكل، صحيح أننا لا نستطيع تصوير ما هي الألوان لكننا نستطيع أن ننسب له
كأن نقول له الليمون صفراء وكروية شكلها دائري... الموزة صفراء وهكذا... وأمور يمكن
تحويلها بشكل إيجابي بدل جعلها عقدة في داخله. كذلك الأصم كونه يرى فلا مشكلة لديه
في الحركة إنما تأثير الإعاقة السمعية في القاموس اللغوي فهو أضعف من قاموس الطفل
العادي، وهنا ننصح الأهل أن يكتبوا أسماء الأشياء ويضعوها عليها التلفزيون،
الراديو... لأنه بذلك يُكوٍّن صورة بصرية، هذا عندما يصبح قادراً على القراءة. أما
قبل ذلك، ونحن نكرر التنبيه إلى ضرورة الاكتشاف والتدخل المبكر ليتم إعطاؤه نظام
التواصل مع البصر ليتم التواصل مع البشر. وإلا فسيخلق لنفسه نظاماً خاصاً لا يفهمه
إلا هو مما قد يؤدي إلى عزله عن العالم.
ملاحظة: الشخص الأصم لا يتكلم بسهولة لأن
عملية النطق هي عملية اكتسابية، وبالتأهيل يمكن أن تزول نسبة كبيرة من مشكلة عدم
الكلام. كذلك يجب إشراك هذا الإنسان بالأمور والحياة اليومية، مثلاً إذا قال الأب
للعائلة سنذهب بزيارة أو رحلة.. فيجب أن نقول له ذلك ونفهمه كل ما يدور داخل البيت
والمسائل العائلية. وفي الوقت الذي لا يجب أن نتعامل مع هذه الحالة بازدراء أو شفقة
زائدة كذلك علينا أن نحيطه بالرعاية ونعطيه حقه في التعليم ومعاملته كغيره من
إخوته. لأننا يجب أن نؤمن بقدراته، فهو قادر على فعل كل شيء سوى ما يختص بإعاقته.
فالأصم لا يمكن أن يكون مهندس صوت إلا أنه يمكن أن يكون مهندساً الكترونياً.كذلك
المكفوف. وهناك مسألة أخرى وهي عندما يبدأ الطفل بالسؤال عن الأشياء من حوله فعلى
الأهل إفهامه وتوضيح حالته بأن لديه مشكلة سمعية أو بصرية وأنه قادر على التعويض
عنها بأمر آخر.
أما المجتمع:
فعلى المجتمع أن يمنح هذا الإنسان فرصة التعلم، وفرصة العمل والاندماج... ففرصة
العمل مثلاً غير متاحة مع أن المعاق سمعياً بشكل خاص يمكن أن يقوم بالعمل بدقة وتركيز
أكثر من غيره بدون لهو بصوت أو كلام أو غير ذلك.. أما التعاطي الفيزيائي عملية
التعامل عمليا. عمليا عند محادثة الأصم مثلا علينا أن:
- نبتعد عنه مسافة متر تقريباً لكي يتسنى له قراءة الوجه.
- التكلم معه ببطء وعدم المضغ أثناء الكلام أو تغطية الفم، لأنه يقرأ الشفاه.
- التكلم بصوت هادىء ليس صراخاً.
- أن يكون مصدر الضوء موجهاً نحو المتكلم وليس الأصم.
وعند التعامل مع المكفوف:
- إذا حاولنا مساعدته يفترض أن نتأبط ذراعه ونتقدم عنه مسافة ثلاثين أربعين سم.
- أن لا نظهر المزيد من الشفقة.
- إذا سلمنا عليه صافحناه أن نشد على يده لأنها تعني له الابتسام.
- أن نخبره بكل ما نراه أمامنا في الطريق.
والإنسان الأصم في المجتمع عنده خيارات للعمل وللتعاطي والتواصل مع الآخرين أكثر من
المكفوف. أما المكفوف فيجب أن يمتلك الجرأة الكافية للخروج من المنزل والتواصل مع
الآخرين حتى أهالي المكفوفين عندهم صعوبة في تقبل أو تفهم هذه المشكلة.
وبالنسبة للمدرسة:
فهناك مؤسسات ترعى هذه الحالات وعلى الأهل الاهتمام بأولادهم والتوجه إليها. لأنها
تملك البرامج الخاصة للتعليم. فالمكفوف مثلا يمكن متابعة دراسته حتى الجامعية منها،
أما الأصم فإنه يصل إلى نهاية المرحلة المتوسطة ليتحول مهنيا. في لبنان فيما بعد.
* ما هي الألعاب الأدوات والأنشطة التي تخص هذه الحالات؟
> هناك بعض الأدوات والتقنيات التي يحرم منها صاحب هذه الإعاقة. فالمكفوف مثلا لا
يستطيع قيادة سيارة مثلا، ولكن يمكن إيجاد العاب رياضة خاصة ككرة الهدف فيها جرس
يعرف من خلاله مكان تحركها، وأيضا يمكن إيجاد مجرى لممارسة رياضة الجري وهو محاط
بالحبال. أما المبصر جزئيا مثلا يمكن أن تأتي له بألعاب نافرة الألوان والحروف لغة
براير وهي طريقة التعلم باللمس والوسائل السمعية كالخرائط وغيرها. والأصم عنده
مشكلة التواصل وهنا يجب أن نلتفت إلى نظام التوازن الكلي عند تعليمه والذي يعتمد
على النطق والإشارة بالتوازي، فهناك أبجدية الأصابع الإشارية بالعربية والأجنبية
ليستطيع التواصل مع الآخرين.