مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع القائد: فنّ المقاومة وأدبياتها

إنَّ أدبيات وفن المقاومة تعتبر من أبرز وأهم النشاطات. وأنا من أحرص الأشخاص على اقتناء هذه الأصناف من الكتب وقراءتها. وأنا من أكثر المتأثرين بجاذبية وصدق وإخلاص هذه الكتابات. وإنَّ الذين يقومون بهذه الأعمال لا يمكن لذكرهم أن يمحى من ذاكرتنا. وأنا أقدّرها وأعتز بها. ولو أمكنني، لأثنيت على هذه الأعمال العظيمة. ولو كُنْتُ شاعراً، لمدحتهم، لأن ما يقومون به إنجاز عظيم ومهم.

* حفظ التاريخ بلغة الأدب
باعتقادي، أنَّ المؤسس لحفظ الحوادث بلغة الأدب والفن هي سيدتنا زينب الكبرى سلام الله عليها؛ فلو لم تقم السيدة زينب عليها السلام بحركتها. ولم يأتِ بعدها بقية أئمة أهل البيت عليهم السلام من الإمام السجاد ومن يليه من الأئمة عليهم السلام، لَمَا كُتب الخلود لحادثة عاشوراء في التاريخ. 

صحيح أنَّ السنّة التاريخية قائمة على تخليد مثل هذه الحوادث، إلا أنَّ ذلك يتم عبر آليات وأسباب معيّنة. وإنَّ آلية بقاء هذه الحقائق في التاريخ أن يقوم أصحاب السرّ والألم، والمطلعون على هذه الحقائق، بنقلها إلى الآخرين.  وعليه، لا بد من وضع تدوين الخواطر ونشرها في موضعها الحقيقي، وهو موضع عالٍ وسامٍ وخطير جدّاً. 

وإنَّ البيان الفني من الشروط الأساسية في ذلك، كما كانت خطبة السيدة زينب الكبرى في الكوفة والشام آية من الآيات الفنية من الناحية الجمالية والإبداعية، مما لا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يتجاهله. وحتى المخالف والعدو إذا استمع لهذا البيان، فإنه سيترك أثرهُ عليه عميقاً شاء أم أبى. فإنَّ الفنَّ لا يتوقف في تأثيره على رغبة السامع, وهذا ما قامت به السيدة زينب الكبرى عليها السلام والإمام السجاد عليه السلام في الخطب البليغة والمدهشة التي دوّت في مسجد الشام.

* تخليد المقاومة
باعتقادي أنَّ مسألة المقاومة، وما تتمخّض عنه، ليست شيئاً اعتيادياً؛ وهذا ينطبق على جميع الشعوب. ولذلك، لا يمكن عَدُّ ذلك من شؤون الحياة العادية في الأمم. حيث تعتبر مرحلة الدفاع المقدس أرضية خصبة للشعب؛ كي يبيّن أعماق وجوهر وجوده على مختلف الأبعاد. و هذا يصدق على جميع الأمم، مع اختلاف في كيفية العمل والأهداف والتوجهات والنوايا.  إنَّ أيَّ مرحلة عصيبة يواجهها بلد ما سواء أكان ذلك تحت ضغوط حربية أو اقتصادية أو سياسية مختلفة هي مرحلة إبراز ما يختزنه الشعب من ظرفيات وقابليات وكفاءات ومقومات للبقاء. 

ولذلك، فإنَّ أفضل الآثار الفنية التي يشاهدها الفرد، أو الفنون الجملية للتراث الفني الأفضل، يعود إلى تلك المراحل في هذه البلدان.  حينما تطالعون الأعمال القصصية، تجدون أنَّ أروع وأجمل تلك الأعمال الفنيّة الكبيرة هي التي تتحدث عن المراحل التي قام بها شعب بإنجازات عظيمة، من هذا القبيل.  فرواية (الحرب والسلام) لتولستوي تدور حول المقاومة الباسلة التي قام بها الشعب الروسي في مواجهة هجمة نابليون وصده ودحره.  إنَّ لتولستوي روايات أخرى، إلا أن خصوصية هذه الرواية تكمن، باعتقادي، في تركيزها على محور روح الدفاع والمقاومة لدى الشعب الروسي.  وكذلك الكثير من الكتب الأخرى، التي تدور حول أحداث الثورة الروسية، أو الثورة الفرنسية، أو الحروب الفرنسية والألمانية ودفاع الشعب الفرنسي، كبعض روايات إميل زولا. 

إنَّ أهم الأعمال الروائية التي تتعلّق بحقبة حساسة لدى الشعب، هي تلك التي تمكّن الشعب فيها من إبراز سعته وظرفيته؛ وربما صدق ذلك على الرسوم.  وطبعاً لقصور باعي في هذا المجال, لا يسعني إبداء الرأي حتى بوصفي مشاهداً، إلا أنني أتصور، وكما سمعت، أنَّ أجمل اللوحات، أو أنَّ من بين أجملها في العالم، هي تلك التي تعكس وقائع الحروب، من قبيل مشهد الحرب في معركة (واترلو) وغيره من المشاهد الأخرى.  هناك ضرورة لتوثيق قضايا المقاومة وبيانها والاستدلال عليها لتقوم الأعمال الفنية على أساسها. وباعتقادي، أننا مهما بذلنا من الأموال والجهود؛ لأجل تخليدها لا نكون قد وفّينا.

* مؤامرات لطمس ذاكرة المقاومة
هناك من يحاول تعمّد طمس هذه الشمس الساطعة ومحوها من ذاكرة الشعب؛ لأن كلّ من يتعين عليه الخوض في هذه المرحلة والتعرف عليها، أو على الأقل إدراك شيءٍ من خصوصياتها، فسوف يشعر في قرارة نفسه بالعزّة والافتخار ويمتلئ بالاندفاع والأمل. 
إنَّ الشعب الذي يغدو بإمكانه مواجهة الهجوم العالمي بيدٍ عزلاء، ويجسّد المقاومة والصمود بواسطة إبداعه واعتماده على ذاته وتوسله واستعانته بالله تعالى، وإخراج نفسه من المأزق الذي أعدته له القوى العظمى، ويخرج من ذلك منتصراً، لحريٌّ بالثناء والتقدير. 
إنَّ الشعب إذا وجد هذه القدرة في نفسه وشعر بامتلاكه لهذه الكفاءة، لن يعود بإمكان أي عقبة أن تَحول دون مواصلته لهذا الطريق والمسيرة العظيمة التي اختطها لنفسه.  هذا ما يدركه الأعداء؛ ولذلك لا يريدون للشعب أن يحصل على هذا الوعي بذاته. وبعكس ذلك، علينا أن نسعى لإيجاد هذا الوعي.

* كنز الأجيال القادمة
للأسف الشديد, إنَّ جيلنا الجديد قليل الاطلاع، فلا بد من العمل على استفادة الجيل الجديد والأجيال القادمة من هذهِ الذخيرة العظيمة وهذا الكنز الذي لا ينضب، وأن تتحلى بالأمل وتتعرف على ذاتها. فإنَّ المرأة التي تعيش بيننا، وكذلك الرجل وهؤلاء الشباب، هم الذين سطروا تلك الملاحم في ميادين القتال.  يمكن من خلال فن وأدبيات المقاومة تخليد هذه الإنجازات، ونقلها إلى الأجيال، وهذا عمل مهم وعظيم. فالأعمال الفنية من الشعر إلى القصة والرواية والحكاية القصيرة والطويلة تحظى بقيمة عالية. وهكذا بالنسبة إلى سائر المجالات الفنية التي إذا ما عملنا عليها سنخلق قمماً شامخة وسنغدو من أصحاب القمم، وسيكون عطاؤنا لشعبنا غير ممنون.

(*) مقتطف من خطبة ألقيت بتاريخ17/ 8 /1426هـ.ق في طهران.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع