(تقرير عن سلسلة سادة القافلة)
كوثر حيدر
في كلّ الخطوط المحاذية للقلب، يمرّون. أُنس البلاد وعزّها الذي لا يُضام، رُسُل
السّلام المبعوثون بالحقّ، وأسياد النزالات الحامية في الليالي البعيدة عن الشمس.
ثلّةٌ من الأوّلين، وكثيرٌ من الآخرين.. وممّن ينتظر. فخر تاريخ الإنسان على مرّ
الزمان والمكان والأجناس.. وخير المثال لخير العمل! تُرجمان الحبّ الصافي لعشقٍ
أزليٍّ مختوم بالدم. جاؤوا ليرسموا خارطة الطريق.. ويرحلوا.
* سلسلة من حكايات القادة
وفاءً للدماء التي بُذلت في ميادين العزّ قاطبة؛ وأمانة عليها، تطلّ جمعيّة المعارف
الإسلامية الثقافيّة على ثلّة من "الكنوز" الإنسانيّة، حيث تنقل للقارىء العربيّ
تجربة الثورة الإسلاميّة الخصبة في ميدان الموت العزيز والحياة الكريمة، عبر ترجمة
أهمّ قصص الحرب المفروضة عليها، لقادة وشبّان، سطّروا بإنجازاتهم دروساً في قيامة
الشعوب وصنع البلاد.. تحت عين الله. نطلّ في هذا التحقيق مع مدير مركز المعارف
للترجمة الشيخ "علي ظاهر"؛ لنقف معه على هذه السلسلة بالتحديد.
* "سادة القافلة" وآراء الشباب
يتّضح من خلال استطلاع للرأي بين أوساط الشباب، اهتمامهم الواضح بسلسلة "سادة
القافلة". منهم من لم يواظب على القراءة كـ"عبّاس" (19 عاماً)، الذي لا يقرأ دائماً
لضيق الوقت ولاستبداله المادّة الورقيّة بالهاتف الذكيّ. يقول: "لفتني في الآونة
الأخيرة كتابُ (سلامٌ على إبراهيم) حين نشر صديقي عنه في صفحته على الفايسبوك،
فأحببت أن أطّلع على مضمونه، وأنهيت قراءته في أقلّ من أسبوع! الحقّ يُقال: لقد فتح
صديقي عينَي على هذه السلسلة الضخمة من القصص الرائعة! من حقّنا وواجبنا التعرف على
شخصيّات كـ(إبراهيم) أو (هِمّت.. فاتح القلوب)، خصوصاً عندما تُقدّم بهذه القوالب
الشيّقة والسهلة للقارئ".
أمّا "نور" (21 عاماً) وهي طالبة جامعيّة، وقارئة للكتب، فقد أضافت هذه السلسلة إلى
مكتبتها الخاصّة، تقول: "لدينا ذخرٌ هائلٌ من القصص الجميلة الهادفة التي تُشبهنا،
كـ(هاجر تنتظر) و(همّت.. فاتح القلوب). نراها في أمّهات الشهداء وزوجات الشهداء
وأبنائهم".
في المقلب الآخر، "نيفين" (22 عاماً)، الطالبة الجامعية التي تنتمي إلى الطائفة
المسيحيّة الكريمة، شعرت أنّ أحد أساتذتها في الجامعة يبالغ في وصف كتاب "همّت..
فاتح القلوب"، ما دفعها إلى التعرّف على هذه الشخصيّة وقراءة الكتاب، تقول: "أنا
أؤمن أنّ للشهيد كرامات، لكنني دُهشت لما ورد في سياق الكتاب على لسان زوجة الشهيد.
أودّ وبشدّة التعرّف على هذه النماذج الحيّة".
* كيف بدأت فكرة "سادة القافلة"؟
"يُعدّ الكتاب محوراً أساسيّاً في بناء الوعي عند الإنسان. انطلاقاً من هنا، ومن
خلال ملاحظتنا لتشديد القائد دام ظله على أهميّة المطالعة -وأدب الجبهة بالتحديد-
كانت فكرة ترجمة قصص وروايات الدفاع المقدّس، التي يصفها القائد دام ظله
بـ(الكنوز)؛ لأنّها وسيلة لتعريف العالم بقيم الثورة والإمام الخمينيّ قدس سره،
لذلك يحثّ أرباب القلم والأدب على جعلها -بحسب تعبيره دام ظله- (الخبز اليوميّ).
وفي العصر الذي تنافس فيه الأدوات الرقميّة الورق، كان لا بدّ من تقديم نتاجات
روائيّة وقصصيّة تتمتع بأسلوب قصصيّ جذّاب، مع مراعاة المقاصد الثقافيّة الدينيّة
التي ترنو إليها هذه المؤلّفات". هكذا بادرنا مدير مركز المعارف للترجمة، الشيخ علي
ظاهر؛ لشرح بداية المشروع.
* أدب الجبهة: يروي عطش القلوب
من اللافت أن تتصدّر كتب أدب الجبهة لائحة المبيعات، وخاصّة بين الفئات الشبابيّة.
وقد بدأت ترجمة هذه السلسلة "سادة القافلة" منذ حوالي 6 سنوات، صدر منها 24 عنواناً
آخرها كتب: "دا" و"زقاق نقاشها" و"الروضة 11" و"الفصيل الأول". ويعود سبب هذا
الرواج إلى عوامل عديدة، أهمّها الأسلوب القصصي والسلاسة والإبداع اللغويّ الذي
تتمتّع به، مضافاً إلى أنّها روايات "حقيقيّة"، وفي الغالب كاتبها هو راويها نفسه؛
ما يجعلها لطيفة وأقرب إلى الناس، كـ"حفلة الخضاب"، "كتيبة كميل".. وغيرهما. كما
يجري قسم آخر من الروايات على لسان زوجات الشهداء، كما في "الروضة11"، و"همّت..
فاتح القلوب".
ويبقى العنصر الأساس المهيمن على هذه القصص، طبيعتها.. حيث تتحدّث عن مجموعة
الأفكار والمُثل التي قامت بها الثورة، ونادى بها الإمام الخمينيّ قدس سره والإمام
القائد المفدّى دام ظله، وقد تجلّت في أبطال القصص الذين امتثلوا لهذه القيم
والأهداف، وجسّدوها في حياتهم، وفي ميادين الجبهات. والناس في الأغلب يبحثون عن
القدوة، وهم يقرأون ويسمعون عن القيم والأخلاق في الكتب ومن العلماء، ولكنهم يجدون
تجسيدها الحقيقيّ في هذه القصص.
* القائد: "هذه الروايات هي للناس"
"إنّني أعيش هاجس ضياع ثقافة الثورة". هكذا يُعبّر القائد الخامنئي دام ظله في أحد
لقاءاته، ليعود ويقول أيضاً: "إنّ في ميادين القتال كنوزاً وذخائرَ إلى جانب الآلام
والخسائر التي تسقط في الجبهات"، يصفها بالإرث الثقافيّ والرزق الإلهيّ، ويدعو إلى
نشرها والترويج لها. يقول دام ظله: "هذه الروايات ليست خاصّة بأصحابها، بل هي للناس
والمجتمع بأكمله، ويجب على كلّ الشخصيّات التي شاركت في تلك الجبهات أن تروي ما
لديها".
* التركيز على جبهة الحرب المفروضة
إنّ عمر تجربة الحرب المفروضة كبير، وهي تصلح لأن تكون مثالاً يُحتذى به للجبهات
الأخرى، من الصمود والمعنويات التي تجلّت، والتضحية والإيثار والوفاء، إلى العلم
وكتابة الذكريات. يقدّم الشيخ ظاهر مثالاً: "ترى في الجبهة وحدة مكلّفة بإجراء
الامتحانات للطلبة الذين لا يستطيعون إجراء امتحاناتهم في المدينة. وهذا ما يظهر في
طيّات "حفلة الخضاب"، و"تحيا كتيبة كميل" و"الفصيل الأول". مضافاً إلى أنّ تجربة
الترجمة للروايات الإيرانيّة تشكّل حافزاً للكتابة وتدوين سِيَر وأعمال الدفاع
المقدّس والمقاومة".
ويضيف: "لم تكن المعركة إيرانيّة-عراقيّة، بل كانت عالميّة على المنهج والأفكار
والقيم، وإنّ الثورة التي نهضت كانت ثورة دينيّة إنسانيّة، خاطبت الشعوب المستضعفة
بأكملها. من هنا، كانت الرؤية نحو الاستفادة من هذه التجربة الضخمة، المفعمة بالعبر
والأدب والفكر؛ بغية التبادل الفكريّ والثقافيّ بين المجتمعات".
* نماذج من هذه الروايات
1- كتاب "دا"
كتاب "دا" (الأم) هو إحدى الروائع الأدبيّة في هذه السلسلة؛ للكاتبة "أعظم حسينيّ".
والراوية البطلة والقديرة "زهراء حسينيّ". يحكي الكتاب قصّة فتاة بعمر 17 عاماً،
قامت بدور أساس في الجبهة الخلفيّة والأماميّة في منطقة "خرّمشهر". وهو يشكّل ملحمة
إنسانيّة أدبيّة رائعة؛ من خلال استعراض الشخصيّة القويّة لهذه الشابّة اليافعة
والتفاصيل الحقيقيّة المرويّة، وتنوّع الأعمال التي قدّمتها: البحث عن الشهداء
لدفنهم، ومداواة الجرحى، وتغسيل الشهيدات، إلى شحن الناس بالمعنويّات وتوجيههم، إلى
كلمتها في مركز القيادة في ظلّ رئاسة "بني صدر" الذي كشفت خيانته للثورة، من خلال
البصيرة التي اكتسبتها وتعلّمتها من والدها، الذي استشهد حينها ودفنته بيديها.
2- كتاب "زقاق نقّاشها"
يتناول "زقاق نقّاشها" سيرة أحد القادة الميدانيين في الجبهة منذ بداية طفولته حتّى
انتهاء الحرب، حيث كان السيّد "أبو الفضل كاظمي" يعمل في أحد البازارات (الأسواق)؛
ما جعله يحتكّ بأصحاب (الفتوّات) الذين عُرفوا بالشجاعة وفعل الخير. وكان لهؤلاء
الفتوّات مراكز وهيئات يقيمون فيها الشعائر الدينيّة، ويقودون المسيرات
العاشورائيّة في الفترة التي سبقت الثورة. يعتبر هذا الكتاب من التحف الأدبيّة
التراثيّة في هذه السلسلة.
3- كتاب "الروضة 11"
هو قصّة ذكريات "زهراء بناهي رفا" زوجة الشهيد القائد "علي تشيت سازيان". تتمتّع
قصّة هذا الكتاب بجاذبيّة مهمّة، فهي تصف علاقتها القويّة بزوجها الشهيد رغم الفترة
القصيرة التي أمضياها معاً.
4- كتاب "الفصيل الأوّل"
تحفة أخرى من كنوز الجبهة؛ يروي ذكريات عناصر إحدى الفصائل في فرقة 27 "محمّد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم" ممّن بقي على قيد الحياة، وبعض مذكّرات الشهداء
وذكريات أُسرهم. هنا تختلف طريقة السرد عن القصص الأخرى، إذ إنّ الكاتب نفسه "أصغر
كاظمي"؛ وهو الخبير في تدوين التاريخ الشفوي، عمل على فصيل بأكمله، حيث دوّن ذكريات
قرابة 18 عنصراً شاركوا في ليلة عمليّات معركة "كربلاء 8"! هو كتاب ضخم يضمّ 17
فصلاً، مرفقة برسائل وصور ورسومات ومذكرات مكتوبة، تركها لنا من عرج إلى الملكوت
الأعلى.
يختم الشيخ علي ظاهر، فيقول: "يُعدّ تدوين الروايات الحقيقيّة لمواقع البطولة
وساحات الشهامة والإيثار في معركة القيم الإنسانيّة من أصدق الأعمال الأدبيّة
التبليغيّة، ويحرص بعض الكتّاب على نقل التجربة بأبعادها كافّة، ليتمّ -عبرها-
استثمارها في قوالب بصريّة وأعمال سينمائيّة وأفلام وغيرها للتوجّه للناس، مضافاً
إلى الأعمال الاجتماعيّة الثقافيّة، حيث يمكن إقامة ندوات لمناقشة هذه الروايات
والتعليق عليها، أو طرح أفكار ترويجيّة للمطالعة بين الشباب؛ كفكرة إهداء كتاب أو
الكتاب المسموع؛ لإيصال رسالة الدماء التي بُذلت في ميادين الجهاد".
اليوم، في الألفيّة الرقميّة التي نعاني عبوديّتها، نقرأ عمّا قام به أحرار
الأرض، لا هويّة أو صبغة لهم إلّا أنّهم أبناء السماء، كلّ نجمٍ على حدة، يحطّون
عند كلّ "قلب"، يتألّقون في أيّ فلك، يحرسون الأمانة التي خلّفوها، ويودعونها
سرّاً، لا تضيع سيرة الشهداء في حضرة "أهل العلم".