السيد سامي خضرا
لا شك أن العمل لإصلاح النفس وتقويمها واجب، فالنفس بطبعها تميل إلى فعل السوء وهي بحاجة دائماً للمراقبة والضبط. وحدد الإسلام حالات جعل فيها الضحك مكروهاً أحياناً ومحرماً أحياناً أخرى، فالحذر من ترك النفس وهواها، تركب الذنوب ثم لا تبالي بتصرفها وردَّة فعلها ولهوها! وأما من ترك إصلاح نفسه، وأهمل هذه المشقة، فبتساهله هذا، يُمكِّن الشجرة الخبيثة من قلبه، ثم هيهات هيهات مما يأتي بعدها من مرارات وحسرات تقلب الليل نهاراً، والنهار شقاء، ويأتي يوم يصعب فيه تقويم النفس، فتموت على ما هي عليه من الانحراف والشرور!
روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: "أَقْصِر نفسك عما يضرّها، من أن تفارقك، واسع في فكاكها، كما تسعى في طلب معيشتك، فإنّ نفسك رهينة بعملك"(1).
وروى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث نصائح، درج عند الفقهاء أن يتكاتبوا بها، ويكتفون بها عن غيرها، وهي قوله عليه السلام: "من كانت همته آخرته، كفاه الله همَّه من الدنيا، ومن أصلح سريرته، أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس"(2).
1- ومن الأمور الممقوتة شرعاً والمستغربة في مجتمع أهل الإيمان، أن يضحك المرء ويتلهى بعد ارتكابه للذنوب... وهذا في أدنى درجاته من المكروهات المؤكدة... إلى أن يصل إلى درجة الحرمة المنهي عنها. أيها الحبيب، أنت تعلم، أنّ ابنك لو أخطأ أو قصّر في حقك... ثم أَتْبَع ذلك بضحكة أو لا مبالاة... لغضبتَ عليه غضباً شديداً ولاعتبرت ذلك من سوء الأدب، فإذا كانت هذه حالك مع ابنك... فكيف ترضى لنفسك، أن تُتبع معصيتك بضَحِك، وأنت لا تأمن أن يكون قد اقترب أجلك؟! عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أذنب ذنباً وهو ضاحك، دخل النار وهو باك"(3). وروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "لا تُبْدِيَنَّ عن واضحة (ما يظهر من أسنانك عند ضحكك) وقد عملت الأعمال الفاضحة، ولا تأمنْ البيات، وقد عملت السيئات"(4).
2- ولا بد أن تعلم أيها الحبيب، أن تأثيرات الذنوب كثيرة، ومن جملة الذنوب التهاون بالذنب بعد فعله وإتباعه بالضحك. ومن التأثيرات ما لا يعلمه إلا الله تعالى. ولعلك عرفت أو سمعت عن أثر الذنوب على الرزق والعبادة وصلاة الليل وهدوء البال وأثر الذنوب على البر والبحر... وعلى حدوث الأمراض، وحبس قطر السماء...
3- ومن الأمور غير المشهورة، أنّ حالة الخوف التي تصيب الإنسان، عند مواجهة السلطان، ناتجة عن ذنوبه، ولعل ذلك من ضعف إيمانه، أو ضعف يقينه، أو لا مبالاته، أو تهاونه، الذي أدّى به إلى عدم الاستقرار النفسي الذي يعيشه. روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: "إنّ أحدكم ليكثر الخوف من السلطان، وما ذلك إلا بالذنوب، فتوقّوها ما استطعتم، ولا تمادوا فيها"(5). وفيما نحن فيه من آثار الذنوب على البشر والعباد، ولعلها تكون عقوبة معجلة، أو تأديباً مناسباً بصاحب الجرم، ما رُوي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "قال عزَّ وجلَّ، إذا عصاني من خلقي من يعرفني، سلطت عليه من خلقي من لا يعرفني"(6).
4- وأما الاصرار على الذنوب، فهي إشارة إلى ضعف الإيمان، لأن الحبّ لله تعالى يستوجب القيام بما يريد الحبيب، فأنت بذاتك لا ترضى من نظير لك في الخلق، أن يحبّك بلسانه ثم يُخالفك بعمله... فكيف تقبل ذلك في عملك مع الله تعالى؟! سمع عن مولانا الصادق عليه السلام قوله: "ما أحبّ الله من عصاه". ثم تمثلّ بالبيتين التاليين قائلاً:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطعته
إنّ المحبّ لمن يحب مطيع(7)
فيتبين مما تقدم وجوب إصلاح النفس إذا تمادت في الشر، وكراهية أو حرمة الضحك واللهو بعد فعل المعصية.
(1) وسائل الشيعة، ج11، ص236، ح2.
(2) وسائل الشيعة، ج11، ص236، ح3.
(3) وسائل الشيعة، ج11، ص240، ح20.
(4) وسائل الشيعة، ج11، ص238، ح5.
(5) وسائل الشيعة، ج11، ص240، ح17.
(6) وسائل الشيعة، ج11، ص243، ح8.
(7) وسائل الشيعة، ج11، ص243، ح9.