جنان العلي
يُعرف الناجحون في الحياة، بقدرتهم على إيجاد التوازن بين أهدافهم وواجباتهم على تنوعها وتعددها. والتوازن هو ثمرة أولى طيبة لمعرفة الذات، ومن ثم لتحديد الأهداف المرجوة، لتأتي بعد ذلك إدارة الذات. وإدارة الذات تعني حسن قيادتها، وتسييرها في مسالك الحياة بوعي وحكمة وتطور مستمر.
* معنى إدارة الوقت
إدارة الوقت تعني أداء الأعمال التي تخدم أهدافنا بفاعلية وتعني تحديد الطرق والوسائل التي تساعد الإنسان على استثمار وقته إلى أقصى حد لتحقيق أهدافه في الحياة. إنها (أي إدارة الوقت) إدارة العمر، هذه السلعة غير القابلة للزيادة، ولا للتخزين، ولا للتعويض أو التبديل.
* الوقت في القرآن الكريم
ولأهمية الوقت يقسم به رب العالمين كما في سورة العصر ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر: 1 3). إنه الزمن حيث يراه القرآن الكريم، مرتبطاً بالرؤية الواضحة للكون والحياة، مرتبطاً بالإيمان والعمل الصالح وإلا... فالخسران! وفي سورة الليل ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ (الليل: 1 2) نجد دعوة إلى تأمل توالي الليل والنهار في عمر الإنسان الذي ينقص وينقص إلى حد الانتهاء عند لحظة ما.
إنها فرصة متجددة ولكن إلى حين للعمل والانتاج، فيما يُعمر الأرض وينفع عباد الله. إنه العمر الذي يُسأل عنه المرء يوم القيامة كما جاء في الحديث: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبنا أهل البيت" (ميزان الحكمة، ج4، ص971).
* أهمية إدارة الوقت
من شأن إدارة الوقت أن تشعرك بالتحسن في الحياة. فما تستثمره من وقت، يعطيك مزيداً من الأوقات تمضيها في تطوير ذاتك (قراءة الكتب ذكر الله تعالى)، وفي التواصل مع العائلة والأصدقاء. وهذه الأمور ما كان ليسهل حدوثها مع الفوضى في استعمال الوقت. فلا تزاحم ولا تضارب بين الأهداف، لأن ثمة نظاماً وأولويات والتزاماً ووضوحاً في الرؤية.
* أعذار تمنع إدارة الوقت
ثمة أعذار جاهزة نهرع إليها لتبرير ما نعيشه من فوضى في تمضية أوقاتنا، مثلاً:
أنا مشغول ولا وقت لدي لتنظيم الوقت!!
وذلك هو شأن الحطّاب الذي كان يجهد يوماً لقطع شجرة فمر به عابر وسأله: لِمَ لا تشحذ فأسك؟
فأجابه الحطاب وهو منهمك في العمل:
"ألا ترى أنني مشغول في عملي"؟
في حين أن هذا الحطاب (وكذا كل امرئ كثير المشاغل) لو شحذ فأسه لأمكنه توفير الجهد، والوقت، وزاد انتاجيته. وقد يزعم البعض أن تنظيم الوقت وإدارته هو شأن المشاريع الكبيرة، وهذا لا ينطبق على أحوال الأفراد. في حين أن الأمور الصغيرة، والدقائق التي نقضيها هنا وهناك، تأكل أعمارنا كما تأكل النار الحطب، وينقضي الزمن ولا نعرف كيف. لأننا غالباً قلما نجد غلالاً على بيادر العمر! آخرون يرون أن ثمة من لا يسمح لهم بتنظيم أوقاتهم مثل: الأولاد، زملاء العمل، الأصدقاء...
وهذا يعني أننا بذلك نترك للآخرين أن يتحكموا بأوقاتنا، وقد يحققون أهدافهم على حساب أهدافنا! وأحياناً قد تكون الأزمات المتلاحقة عذراً يعيق تنظيم الوقت، في حين أن الإمساك بزمام الوقت يخفف الأزمات، ويقلصها ويضع الإنسان في موقع السيطرة والقيادة على حياته. إشارة ضرورية إلى تعبير يروقني كثيراً، وهو منظومة السيطرة والقيادة. فقد كانت هذه المنظومة، من أبرز خصائص الانتصار الإلهي على العدو الصهيوني في حرب تموز 2006، والذي أتاح للمقاومة الإسلامية الباسلة الانتصار بعدد وعدة أقل، وذلك عبر تحديد الأهداف وبرمجتها.
فلنستدعِ هذا التعبير إلى حياتنا العملية، ألا يستحق الأمر التأمل؟!
* أفكار عملية
- لكل إنسان أهداف في الحياة، فلنحددها على الورق.
- رسم الأولويات في إنجاز الأهداف.. ومراجعتها باستمرار.
- تحديد الدور في الحياة والمهام المرتبطة بأداء كل دور.
- نقد وتقييم ما أُنجز في نهاية كل أسبوع.
- التخطيط كما تفعل الدولة، أو أي شركة كبيرة، وليكن التخطيط قيمة نفهمها، نعيشها، نطبقها في حياتنا.
- ترتيب المكان الذي نعيش أو نعمل فيه.
- التخلي عن العادات التي تضيع الوقت (وقد باتت كثيرة).
- ترك التحسر على الماضي.. والمضي بثقة وثبات نحو المستقبل.
- التركيز على عمل واحد وإنجازه بدون تسويف أو مراكمة.
العمر سلعة تنفد.. فلننجز في أعمارنا أجمل ما نستطيع، وأصلح ما يمكن، لتكون لنا ذكرى طيبة حين لا يبقى منا إلا... الذكرى!