نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

معجزة القرن: أمّيّ أُلقي إليه السمع فهو شهيد

حوار: منهال الأمين‏



لا شك في أن أي إنسان يحتاج إلى عمر نوح عليه السلام حتى يبلغ من العلم ما بلغه كربلائي كريمي(*)، الشاب الأمي ابن ال27 عاماً، في بضع ثوانٍ غيرت مجرى حياته. بدأت القصة في أوائل القرن العشرين، وتحديداً في العام 1906، في يوم من أيام شهر رمضان من ذلك العام، حيث كان كريمي مغادراً ضريح أحد أبناء الأئمة المدفون في محافظته "آراك" (وسط إيران)، بعد إتمام الزيارة التي كان يواظب عليها. عند الباب استوقفه سيدان معممان، طلبا منه تجديد الزيارة معهما. بعد إلحاح دخل كريمي معهما البقعة الطاهرة وجدد الزيارة. لما فرغ هم بالخروج، فاستوقفه أحد السيدين، وقال له: هلا قرأت الآيات المنقوشة على قبة المقام من الداخل؟ (علماً أنه لم تكن هناك من آيات منقوشة في ذلك الموضع). فأجاب الحاج كريمي: لا أستطيع القراءة، ولا أعرف شيئاً من القرآن. فقال السيد المعمم: إذاً إقرأ معي ما تسمعه مني. وبدأ السيد يقرأ من سورة الأعراف، الآيات من 53 حتى‏59، واضعاً يده على صدر كريمي الذي راح يردد وراءه، ثم صار يشاهد ما يقرأه من آيات بأم عينه منقوشةً على القبة وينبعث منها نور، وهو يقرأ الكلمات بطلاقة، مع أنه لم يسبق له أن تعلم القراءة أو الكتابة. التفت كريمي إلى السيد فلم يجده فسقط مغشياً عليه. لم يحتج كريمي لشهود يؤكدون ما حدث معه، فآثار "المعجزة" بدأت تظهر عليه تباعاً، من خلال القدرة الهائلة والإعجاز الخارق للطبيعة، اللذَين ظهرا على قدرات كريمي العقلية والذهنية، حيث شهد له كبار العلماء الثقاة والمراجع العظام بأنه "ألقي إليه السمع فهو شهيد".

بقية الله التقت نجل كريمي الأكبر، الحاج إسماعيل(80 عاماً)، الذي كان يزور بيروت خلال شهر رمضان المنصرم، والذي روى لنا تفاصيل ما ظهر على والده من كرامات وإعجازات ، يصفها العلامة السيد عيسى الطباطبائي الذي التقينا كريمي في منزله في بيروت بأنها ربما قد تكون حالة فريدة من نوعها في تاريخ الإسلام، إن لم نقل في تاريخ البشرية.

* من هو كربلائي كريمي؟
كربلائي محمد كاظم كريمي، مزارع بسيط، من قرية ساروق من أعمال مدينة آراك (وسط إيران، حوالي‏250 كلم جنوب غرب طهران). كان منذ نعومة أظفاره مولعاً بتعلم القرآن الكريم، لكن بسبب الفاقة لم يتسن له تحصيل العلم في المدارس، فبقي أمياً طيلة حياته. إلا أن هذا لم يمنع كريمي المؤمن بفطرته من التعرف على واجباته الدينية، فكان حريصاً كل الحرص على أداء الفروض الشرعية من صلاة وصوم وزكاة وخمس وغير ذلك. "أهم مميزات والدي أنه كان طيب المعشر، يحث المحيطين به على قراءة القرآن والاهتمام به"، يقول الحاج إسماعيل، ويضيف: "صار والدي يخوض في بحور القرآن الكريم بشكل فاق التصور، فبعد الحادثة الشهيرة في البقعة الطاهرة، كان لا يصعب عليه سؤال ولا يعييه امتحان، وقد توالى على اختباره كبار المراجع والعلماء في عصره ممن أيدوا وأكدوا أن حالة كريمي هي كرامة إلهية بدون أدنى شك".

* مميزات كريمي‏
باختبارهم له، وجد العلماء أن كربلائي كريمي يعرف معاني القرآن ويفسرها بالفارسية، وكذلك يحيط بمميزات كل السور، وشأن نزول الآيات ومناسباته وتاريخه ومكانه (مكي ، مدني). هذا فضلاً عن حفظه للقرآن بشكل تام، خارق للعادة. حيث إنه كان إذا سئل عن آية معينة، متشابهة أو غيرها، عرف مكانها، في أي سورة، وحتى ما قبلها وما بعدها. أكثر من هذا، فإنه كان يفتح المصحف ويشير إليها ببنانه، مع أنه لا يعرف القراءة. ويقول كربلائي كريمي إنه كان عندما يفتح المصحف الشريف يبصر الآيات القرآنية مضيئة بنور مائل إلى اللون الأخضر. حتى الكتب التي تتضمن آيات قرآنية (كنهج البلاغة وغيره) كان لا يميز فيها إلا الآيات القرآنية فقط. ومن مميزات حافظ القرآن كربلائي كريمي أنه كان إذا سئل عن كلمة معينة وكم مرة وردت في القرآن أو في سورة معينة، كان يجيب بدقة متناهية. كذلك كان يقرأ السور القرآنية من الآخر إلى الأول بشكل سليم دون أية أخطاء.

وعلى هذا فإن كربلائي كريمي ظل طوال 50 عاماً (خاصة بعد أن ذاع صيته) موضع اهتمام مختلف شرائح المجتمع في إيران، يقصده الجميع كبيراً وصغيراً، لسؤاله واختباره والوقوف على تجليات هذه المعجزة القرآنية الرائعة، ولم يسجل أحد عليه هنة أو هفوة واحدة. ولكن رغم هذه المنزلة العظيمة فإن كربلائي كريمي بحسب ما يؤكد ولده إسماعيل كان يستاء من الأسئلة المهمَلة، كما كان يسميها، فيحث زائريه على السؤال في أسباب نزول الآيات وظروفها وغير ذلك من علوم وأسرار القرآن، التي صار محيطاً بها كما يحيط أحدنا بسورة الفاتحة التي هي لازمة كل صلاة يقول الحاج إسماعيل. ظل كربلائي محمد كاظم مدة طويلة من الزمن معروفاً في قريته ومحيطها فقط، حتى العام 1953، حين عقد آية الله أبو القاسم الكاشاني مؤتمراً صحافياً، حضره ممثلون عن وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ليعلن للعالم عن "معجزة القرون" كربلائي محمد كاظم كريمي. و"معجزة القرون" هو اللقب الذي أطلقه عليه بعض المراجع ممن عاينوا كريمي وصادقوا على الكرامة التي حظي بها، لما وقفوا عليه من إعجاز إلهي خص به الله تعالى هذا العبد الصالح. كما أطلق عليه البعض لقب "المعجم المفهرس المتنقل".

* خصال كريمي‏
ولكن لماذا نال الحاج كريمي هذه المنزلة العظيمة؟

يقول الحاج اسماعيل: إن آية الله السيد خونساري، من علماء ومراجع إيران الأفاضل في ذلك الزمن، سأل والده عن سبب بلوغه هذا المقام الكبير، فأجابه الحاج كربلائي أن ذلك عائد إلى 3 خصال تمتع بها خلال حياته:

أولاً: "لم أدخل إلى بطني يومًا لقمة حرام". وفي هذا الخصوص يروي الحاج كربلائي نفسه انه بعد حادثة المقام، كان إذا ما ابتلي وهذا مستبعد بلقمة حرام، أو على الأقل فيها شبهة، فإنه كان على الفور يبدأ بالتقيؤ، ويشعر بألم يخز صدره، حتى أن النور الأخضر الذي يميز به الآيات كان يخف في بصره، وتستمر هذه الحالة إلى أن يدفع ذلك الطعام خارج جسمه.

ثانياً: "كنت أواظب على الزكاة والخمس". فهو كان رغم ضعف إمكانياته حريصاً على أداء الحقوق الشرعية، من خمس وزكاة وصدقات، إلى الفقراء. ويروي السيد إسماعيل أن والده ما كان ليرد سائلاً قط، بل يسعى لقضاء حاجته مهما كلفه ذلك.

ثالثاً: "لم أترك صلاة الليل قط". ويقول الحاج إسماعيل نقلاً عن والده، إنه لم تَفُتْه صلاة الليل إلاَّ في ليلة واحدة فقط طوال حياته، إذ في تلك الليلة حدث أن رأى كريمي في منامه نفس السيد الذي ألقى القرآن في روعه، حيث رآه منكباً على تعليم أحد الطلبة، ولما رأى كربلائي قال له: إن هذا الطالب بليد الذهن، وأنت فطن وذكي، وكأنه يطلب منه الحلول مكانه في حلقة الدرس. فجأة رأى كربلائي جدران الغرفة الأربعة وقد انتشرت فيها النقوش، وأخذ السيد يقرأ ما انتقش على الجدران من كلمات، وإذا بها على الجدار الأول دعاء الجوشن الكبير، على الثاني دعاء الافتتاح، على الثالث دعاء البهاء (من أدعية السحَر في شهر رمضان)، وعلى الرابع أدعية أيام شهر رمضان الثلاثين. لما انتبه كريمي من نومه، وجد أن الأذان يرتفع لصلاة الفجر، ففاته وقت فضيلة صلاة الليل في الربع الأخير من الليل. لم يتذكر كريمي أية كلمة مما مر عليه من أدعية في المنام، فاستاء كثيراً وغادر منزله إلى حقله دون أن يتناول فطوره. وقت الظهيرة، صلى صلاة جعفر الطيار (التي كان مواظباً عليها قبل صلاة الظهر يومياً). بعد أن فرغ بدأ يتذكر تفاصيل المنام شيئاً فشيئاً، ومن ثم استحضرها كلها، وصار من وقته حافظاً لتلك الأدعية.

* نظام الشاه.. يحارب الظاهرة
واللافت في أمر كربلائي محمد كاظم، أن أجهزة الدولة التابعة لنظام الشاه، صارت تضغط على الصحف والمجلات كي لا توجه عنايتها لحافظ القرآن "المعجزة"، وذلك لجهة أن هذا النظام يحارب من أجل زعزعة عقيدة المؤمنين في إيران، ولا يريد أن تُبَثّ بين الناس مثل هذه الأخبار التي تقوي عزيمة المؤمن وتشد أزره. من جهة أخرى، فإن السلطة اتخذت للموضوع منحى سياسياً، لجهة أن كربلائي هو صديق مقرب للسيد نواب صفوي الذي كان ناشطاً في التيار المعارض للنظام البهلوي الفاسد.

لم تحل كل محاولات النظام الشاهنشاهي، دون انتشار آثار وبركات هذه الكرامة في كل أنحاء إيران، فالله متم نوره ولو كره الكافرون، حيث كان أمر كربلائي كريمي حديث الناس وموضع اهتمامهم، وصار حافزاً لهم لتعليم أولادهم علوم القرآن وتحفيظه لهم. كذلك فإن سيرة كربلائي التي اشتهرت عنه، والتي يعتبرها الكثيرون سبب الفيض الإلهي عليه، خاصة لجهة اجتناب المال الحرام ولقمة الحرام، والتزام الضوابط الشرعية وأداء الحقوق والواجبات، كل هذا جعل الناس تتهافت على شراء المجلات والصحف والكتب التي تنشر أي مقال أو تحقيق عن حافظ القرآن، الذي وسمه أحد مراجع إيران المعاصرين، آية الله ناصر مكارم الشيرازي، بأنه من جملة عباد الرحمن، حيث كان رحمه الله يختم القرآن كل يوم مرة بناء على توصية السيد الذي حمل إليه الكرامة وكان يحرص حرصاً شديداً على تعليم ولده إسماعيل النطق العربي الصحيح لألفاظ القرآن الكريم، خوفاً من أن يأخذ القراءة عن مصحف تكثر فيه الأخطاء المطبعية وما شاكل. وكان له ذلك وإسماعيل لم يبلغ التاسعة من عمره بعد.

ويروي اسماعيل الذي كان عمره 29 عاماً حين توفي الحاج كريمي، أن والده أوصاه أن يتخذ من تعليم القرآن مهنة مقدسة، لكي يعلم علوم القرآن للأجيال القادمة، وأن يقرأ القرآن على قبره ما استطاع. وبالفعل فإن إسماعيل صار مدرساً فيما بعد في علوم القرآن وقضى في هذا المجال أكثر من نصف قرن. وبعد التقاعد صار ملازماً لقبر والده، العبد الصالح الحاج كربلائي محمد كاظم كريمي الساروقي، يقرأ القرآن الكريم على ضريحه كما أوصاه.

دفن الحاج كريمي في قم المقدسة، قرب قبر السيدة معصومة عليها السلام، في مقبرة تسمى "قبر ستان نو"، بعد أن وافته المنية راضياً مرضياً في العام‏1957م، بعد عمر مبارك، قضاه في رحاب القرآن الكريم، الذي غدا ربيع قلبه، حيث قذفه الله تعالى فيه، متفضلاً على هذا المزارع المتواضع، الذي أخلص لله تعالى فكساه من نوره وأفاض عليه من بركاته.


(*) 1300ه.ق - 1378ه.ق.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع