نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مجتمع‏: القوَّامية: أفضلية أم مسؤولية؟

إيمان شبلي‏

 



من أبرز سمات التشريع الإسلامي، أنه مبني على الحكمة والعدالة، اللتين من لوازمهما الانسجام والتناسب بين الأحكام والتكاليف والمسؤوليات الملقاة على عاتق المكلف، فتتوازن عندها شخصيّته، ويرتقي في سلم الكمال والسعادة. ومن المظاهر التشريعية التي نلمس فيها هذا التناسب والانسجام المبني على العدالة والحكمة الإلهية، النظام الأسري في الإسلام، حيث تحكمه مجموعة قوانين تتضمن حقوقاً وواجباتٍ متبادلة بين الزوجين، روعيت فيها الاستعدادات والإمكانات الموجودة لدى الطرفين. وقد انقسمت هذه الحقوق إلى حقوق مشتركة بين الزوجين، كحق الاحترام وحسن المعاشرة، وإلى حقوق ثابتة لأحدهما دون الآخر، كحق القوّامية الثابت للرجل دون المرأة. فما هي القوّامية؟ وما سبب إناطتها بالرجل فحسب؟ ألا يمكن أن تكون القوّامية مسؤولية مشتركة بين الزوج والزوجة؟

* القوامية مهمة وتكليف‏
يقول اللَّه تعالى في سورة النساء، الآية 34: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم. إنّ بناء البيت الزوجي يعد خطوة مهمة ومقدسة في نظر الإسلام، حتى غدا هذا البناء الأحبّ إلى اللَّه تعالى، كما يقول الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللَّه من التزويج". وقد نَدَبَ الشرع المقدس إلى هذا الأمر وحثَّ على تأسيس البيت الزوجي، وأمدّه بالتحصينات والأسس والمقومات اللازمة من مودة ورحمة وسكن، لضمان استمراره وثباته. لأن استمراره وديمومته، هما استمرار للمجتمع والحياة التي يراد منها إعمار الأرض والكون. فكان توزيع الأدوار بين الزوجين من أهم أركان الحياة الزوجية السعيدة. ومن مفردات هذا التوزيع في الأدوار، دور إدارة الأسرة ورعايتها وتأمين كل مستلزماتها، هذا الدور الذي يتحمل مسؤوليته الزوج، ولأجله كان حق القوّامية بيده. إن جعل حق القوامية بيد الرجل الزوج، لا يعني أنه حصل على تشريف خُصَّ به دون الزوجة، بل هو مهمة وتكليف أُلزم بهما، وكما هو معلوم إن الإنسان يُسأل عن أداء التكليف، فإن كان مقصراً عوقب وإن كان مؤدياً ما عليه أثيب. إذاً: ليس في المسألة أي تفاضل أو امتياز.

* القوامية للرجل، لماذا؟
عند التدبر في آية القوامية، نجد أن إناطة هذا الحق بالرجل دون المرأة، ناتج من سببين أشار إليهما القرآن بوضوح، لئلا يستغل الزوج هذه المسؤولية وهذه الصلاحية، فتكون مدعاة للتفاخر والتكبر والاستعلاء على الزوجة، ويتصرف وكأنه السيد المالك الذي لا يُناقش، وعلى من تحت قيمومته الانصياع التام والطاعة المطلقة. وهذا للأسف حال بعض الأزواج، إن لم نقل أكثر الأزواج، حيث يعملون بهذا الحق لا بخلفية المدير والقيم الحريص على مصلحة الأسرة، وإنما بخلفية المستبدّ الذي يقرر ما يحلو له، سواء كان يخدم أسرته أم لا. فالآية بيّنت وبوضوح هذين السببين الذين جعلا الرجل هو الأجدر والأولى بهذه الإدارة.

* معنى التفضيل‏
وللوقوف على السبب الأول لقوامية الرجل نقول:
إن في المقطع الأول من الآية إشارة إلى نقطتين: النقطة الأولى، وجود تفضيل أي زيادة سببها اللَّه تعالى، "بما فضّل اللَّه". النقطة الثانية، إن هذه الزيادة وهذا التفضيل متبادلان بين الرجال والنساء، "بعضهم على بعض". ولو عدنا إلى الآية 32 من سورة النساء والتي سبقت آية القوّامية، لوجدنا أن اللَّه تعالى أشار إلى هذا التفضيل، مبيّناً أن للرجال نصيباً منه، كما أن للنساء نصيبهن منه، وقد نهى اللَّه كلا الطرفين عن تمني الزيادة والتفضيل الموجود عند الطرف الآخر. يقول اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ.

إن هذا التفضيل، هو مما أودعته يد القدرة الإلهية في النفس منذ خلقها، فامتاز الرجال عن النساء ببعض الزيادات الجسمية والنفسية كقوة التعقل، والقدرة على التحكم بالعواطف. وامتازت النساء عن الرجال ببعض الزيادات الجسمية والنفسية أيضاً، كقوة العاطفة والاستعداد للأمومة وغيرهما... والحكمة من هذا التفاوت والتفضيل، هي تحقيق التكامل بين الرجل والمرأة، والشعور بالاحتياج إلى الطرف الآخر، ومن خلال هذا التكامل وهذه الحاجة، يتم إعمار الأرض وبقاء النسل واستمرار الحياة. فكان من المنطقي والطبيعي بلحاظ وجود هذه الفروقات أن تنشأ بين الزوج والزوجة أدوار مختلفة، وتوكل إلى كل منهما مهام متغايرة عن مهام الآخر.

ولأجل استقامة الحياة الأسرية، ومنعاً للفوضى والتضارب اللذين قد ينشآن من عدم معرفة كل طرف لحدوده وصلاحياته، كان لا بد من تقسيم الأدوار والمسؤوليات، وإعطاء الصلاحيات بما يتناسب مع طبيعة كل من الرجل والمرأة وينسجم مع متطلبات الحياة الاجتماعية، فجُعل الإنفاق على الأسرة، وتأمين حاجاتها المادية والمعيشية واجباً على الرجل، وجُعلت رعاية الأسرة معنوياً وعاطفياً واجباً على المرأة. هذا على مستوى الواجبات والمسؤوليات، أما على مستوى الصلاحيات، فقد جُعل حق القيمومة بيد الرجل، وأعطي هذه الصلاحية، لأنها تتطلب قدرة على تعقل الأمور وضبطها بعيداً عن التأثيرات العاطفية، وشجاعة وشدة بأس في إصدار القرار المناسب. وهذه المتطلبات متوفرة في الرجل أكثر من توفرها في المرأة. ومن هنا، كانت القوامية حقاً للرجل لا للمرأة، وهذا لا يعني إلغاء دور المرأة وفاعليتها، لأن لها في المقابل صلاحيات لا يمكن للرجل أن يؤديها كالحضانة والرعاية العاطفية لأبنائها.

* مسؤولية الإنفاق‏
السبب الثاني الكامن وراء قوامية الرجل، وجعل قراره وكلمته كلمة الفصل عند الاختلاف في شؤون الأسرة، هو ما أشار إليه المولى عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿... وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فإن النفقة المادية المفروضة على الرجل تخوّله هذه القوامية، لأن منطق العدالة والحكمة يقضي بوجود تعادل وتناسب بين المسؤوليات والصلاحيات، فيكون مقابل مسؤولية الإنفاق، صلاحية الإدارة. ومن الظلم والإجحاف بحق الرجل، أن يُحمَّل مسؤولية تأمين المستلزمات المادية لأسرته، في حين أنه لا يملك أمر إدارة هذه الأسرة. ولو قيل:

لماذا لا تكون إدارة الأسرة بالمعنى المتقدم من الصلاحيات المشتركة بين الرجل وزوجته؟ فالجواب: لا يشك عاقل بأن نجاح أي مؤسسة مهما كانت صغيرة، لا يتم بوجود مديرين وقيمين على هذه المؤسسة، وهما يمتلكان الصلاحيات نفسها. فكيف بالأسرة، هذا البناء الذي هو عمدة المجتمع، وبذرة العطاء والاستمرار في الحياة؟ فهل يستقيم حالها ويستقر قرارها بوجود مديرين وقيمين عليها؟! إن العقل يحكم بأن (التعدد يوجب الاختلاف ولو في جهة من الجهات)، وعندها من سيكون صاحب القرار؟!

لا شك في أن التوافق والتراضي بين الزوجين على قرار واحد، هو الحل المثالي عند نشوب الاختلافات في قضايا وشؤون الأسرة. أما مع تعسّر الوصول إلى التوافق وتعذّره، فإن الكلمة الأخيرة لا بد أن تعود لأحد الطرفين، وهو الرجل، للسببين المتقدمين. كانت هذه إشارة سريعة لموضوع القوّامية، ودعوة إلى ضرورة فهم القوانين والتشريعات الإسلامية بحسب المنظور الإسلامي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع